قصص من التاريخ.. قضية سمرقند

> وخالط قلبه اليأس، فسأل عن خان ينزل فيه، فأُرشد إلى خان أمضى فيه ليلته. فلما أصبح أخرج ثيابه فلبس أحسنها وخرج ليلقي الخليفة. وأقبل على أول إنسان لقيه يريد أن يسأله عن «القصر»، فاعترته هيبة شديدة وخاف من مواجهة الرجل الذي يحكم نصف الأرض، والذي لا يبلغ ملكُ شاهنشاه العظيم ولايةً واحدة من ولاياته يحكمها أمير من أمرائه ... وذكر كيف كانت تتصدع الأفئدة خوفاً من لقاء كسرى وتقف الملوك على بابه، وكيف كان يقتل على الظنّة، ويأمر بضرب عنق الرجل يقول كلمة لا تعجبه أو يأتيه في ساعة يكون فيها لَقِسَ النفس ضيق الصدر. وتلمّس عنقه وتخيله من الفزع مضروباً! وتصور رأسه طائراً عن جسده فطارت معه حماسته وشجاعته، وكره لقاء الخليفة وفكر في العودة إلى بلده سالماً قبل أن يحيق به مصاب لا ينفعه معه مجد يناله، ولا وطن يحرره، ولا كاهن يرضيه.

وغرق في مخاوفه وأفكاره، وجعل يسير على غير هدى، وكلما مرَّ على قصر من قصور دمشق ورأى بهاءه وعظمته ظنه قصر الخليفة فخفق قلبه واضطرب. حتى رأى قصراً ما له في جلاله نظير، له باب هائل، عرضه مثل الشارع العظيم، له قوس مُشْمَخِرّة عالية ذات مقرنصات ونقوش قائمه على أسطوانتين من المرمر الصافي، ورأى الناس يدخلون ويخرجون لا يسأل أحد أحداً ولا يمنعه حاجب ولا بواب، فأيقن أنه قصر الخليفة.

وتشجع وشد من عزمه ودخل يقدم رجلاً ويؤخر أخرى، فلما لم يرَ أحداً قد منعه سكنت نفسه، ونظر فإذا هو في صحن واسع إذا كنت في طرفه لا تستطيع أن تتبين من هو في الطرف الآخر، قد فُرشت أرضه بناصع الرخام فهو يلمع كالمرايا، والناس يجلسون عليه، وحوله جدران عالية ما رأى قط بناء أرفع منها، وهي مزخرفة بأعجب الزخارف والنقوش، وفي وسط الصحن بركة واسعة يتفجر منها الماء فيضربه شعاع الشمس فيكون له منظر عجيب. ونفذ من الصحن إلى قاعة لا تقل عنه سعة ولا يدانيها بهاءً وجمالاً، قد قام سقفها على أساطين الرخام، تحمل أقواساً فوقها أعمدة أصغر منها، فوقها أحناء (أي حنايا) وطاقات معقودة، وتتدلى من السقف سلاسل الفضة تحمل المصابيح والثريات.

وجعل يمشي خلال الناس ذاهلاً لا يدري ماذا يصنع، فاصطدم برجل كان يقوم ويقعد ويذكر اسم الله. وتلفت الرجل إلى اليمين وإلى الشمال، ونظر إليه فرآه غريباً فسأله عن حاله، فسبق لسانه إلى الحقيقة فأخبره أنه جاء من بلده يريد لقاء الخليفة، ثم تنبّه وقدّر أن الرجل سيرتاع لذكر الخليفة بلا تعظيم ولا تبجيل وأنه سيدفعه إلى الشرطي فيستاقه إلى السجن ... فرأى الرجل ساكناً هادئاً كأنه لم يسمع نكراً، وسمعه يقول له: أتحب أن أدلك على داره؟
قال: أوليست هذه داره؟!
قال الرجل مبتسماً: لا؛ هذا بيت الله، هذا المسجد. أصليت؟ تتمة القصة غدا...

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى