​وقفات تأملية

> التمر أساس الولادة الميسرة

في الآياتِ القرآنيةِ التي تتحدّثُ عن قصةِ السيدةِ مريمَ كلماتٌ ثلاثٌ، يكشفُ الطبُّ الحديثُ أنها أساسُ الولادةِ الميسَّرةِ، يقولُ اللهُ تعالى مخاطباً السيدةَ مريمَ ابنة عمران:

((فَكُلِي واشربي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ البشر أَحَداً فقولي إِنِّي نَذَرْتُ للرحمان صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ اليوم إِنسِيّاً)) [مريم: 26] .

أمّا كلمةُ: ((وَقَرِّي عَيْناً))، فقد استنبطَ العلماءُ من هذه الآيةِ أنّ الحالةَ النفسيةَ للمرأةِ قُبَيْلَ الولادةِ لها علاقةٌ وَشِيجةٌ بتيسيرِ الولادةِ، فإذا كانت المرأةُ مطمئنةً، قريرةَ العينِ، هادئةَ البالِ، ليس ثمةَ مشكلةٌ في البيتِ، زوجُها يكرِمُها قُبَيْلَ الولادةِ، فإنّ حالتَها النفسيةَ المريحةَ، وطمأنينتَها، وقُرَّةَ عينِها عاملٌ أساسيٌ في سهولةِ ولادتِها، فأيُّ اضطرابٍ نفسيٍّ، وأيُّ أزمةٍ عاطفيةٍ، وأيُّ مشاجرةٍ بينَ الزوجينِ، والمرأةُ على وَشَكِ الولادةِ، فإنّها تُعِيقُ الولادةَ، وربّما اضطرَّتِ المرأةُ إلى إجراءِ ولادةٍ عسرةٍ، هذا ما استنبطه العلماءُ من: ((فَكُلِي واشربي وَقَرِّي عَيْناً)) .

ولحكمةٍ بالغةٍ فإنَّ اللهَ سبحانه وتعالى يقول: ((فَكُلِي واشربي وَقَرِّي عَيْناً)) .

ومِن أغربِ الكشوفِ العلميةِ أنّ في الرُّطبِ مادةً تُعينُ على انقباضِ الرحمِ، ويزيدُ حجمُه في أثناء الحملِ من اثنين ونصفِ سنتيمترٍ مكعبٍ، إلى سبعمئة وخمسين سنتيمتراً مكعباً، وهذا الجنينُ، وتحته المشيمةُ، والمشيمةُ موصولةٌ بأوعيةِ الأمِّ الدمويةِ، فإذا نزلَ الجنينُ من رحمِ الأمِّ، وتَبِعَتْهُ المشيمةُ، تقطَّعتْ هذه الأوعيةُ وفُتِحَتْ، ولو بقيتْ مفتوحةً لنزفتِ الأمُّ، وماتتْ، لذلك جعَلَ ربُّنا سبحانه وتعالى لحكمةٍ بالغةٍ الرحمَ تنقبضُ انقباضاً شديداً، إلى درجةٍ أنّ قوامَ الرحمِ يصبحُ قاسياً كالصخرِ، فإذا وضعتِ القابِلَةُ يَدَها على الرحمِ، ورأتْه قاسياً، تطمئنُّ إلى أنّ الولادةَ صحيحةٌ، فإنّ الرحمَ بانكماشها الشديدِ تغلقُ كلَّ الشرايينِ المفتوحةِ، وبهذا ينقطعُ النزيفُ، وفي التمرِ والرطبِ مادةٌ تعينُ على انقباضِ الرحمِ، لذلك وردتْ كلمةُ الرُّطبِ في آيةِ المخاض: ((وهزي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النخلة تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً * فَكُلِي)) [مريم: 25-26] .

إنّ في الرُّطبِ مادةً تعينُ على انزلاقِ بقايا الطعامِ في الأمعاءِ الغليظةِ، وهي مادةٌ منظِّفةٌ ومليِّنةٌ، وما مِن امرأةٍ على وشكِ أنْ تَضَعَ حمْلَها إلاّ ويحرصُ الطبيبُ، أو القابلةُ على أنْ تكونَ أمعاؤُها خاليةً من كلِّ شيءٍ، لئلاَّ يُعيقَ امتلاءُ الأمعاءِ خروجَ الجنينِ مِنَ الرحمِ، وإنّ في التمرِ نفسِه مادةً مليِّنةً، ومنظِّفةً للأمعاءِ، ولا سيما الغليظةُ.

شيءٌ آخرُ، الطَّلْقُ عمليةٌ مُجْهِدَةٌ، فالقلبُ أحياناً تزيدُ ضرباتُه من مئةِ ضربةٍ في الدقيقةِ، أو من ثمانين ضربةً في الدقيقةِ، إلى مئةٍ وثمانين ضربةً في الدقيقةِ، ليواجِهَ هذه التقلُّصاتِ العنيفةَ، قالقلبُ يحتاجُ إلى غذاءٍ، والحركاتُ العضليةُ تحتاجُ إلى غذاءٍ، لذلك فالتمرُ لا يستغرقُ انتقاله أكثرَ مِن عشرِ دقائقَ مِنَ الفمِ إلى الدمِ مباشرةً، فهو أَسْهَلُ مادةٍ للهضمٍ، ولتحوِّلها مِن غذاءٍ إلى طاقةٍ.

إنّ هذا التمرَ مركَّزٌ تركيزاً شديداً جداً، فهو يحتاجُ إلى سائلٍ ينحلُّ فيه، كي يَسْهُلَ الامتصاصُ: ((فَكُلِي واشربي)) .

لماذا يحتاجُ الإنسانُ بعد أنْ يأكلَ الحلوَ إلى الماءِ؟ هكذا بُنيتُه الوظيفيّةُ، لأنّ الحلوَ يحتاجُ إلى تمديدٍ، وإلى أنْ ينحلَّ في سائلٍ كي يَسْهُلَ هضمُه، لذلك فإنّ شُربَ الماءِ ضروريٌّ للمرأةِ التي على وَشْكِ الوضعِ، وحالتُها النفسيةُ المطمئنةُ عنصرٌ أساسيٌّ في الولادةِ، وأنْ يكونَ طعامُها فيه أشياءُ أربعةٌ؛ موادُّ تعينُ على انقباضِ الرحمِ، وموادُّ تمنعُ النزيفَ، موادُّ تنظِّفُ الأمعاءَ، وتليِّنُها، وموادُّ أخرى تغذِّي بأقصرِ وقتٍ، وأيسرِ سبيلٍ.

هذا القرآنُ الكريمُ، هذا كلامُ ربِّ العالمين، كلماتٌ في قصةٍ، ولكنْ لو وَقَفْتَ عندها لوجدتَ العَجَبَ العُجَابَ: ((وهزى إِلَيْكِ بِجِذْعِ النخلة تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً * فَكُلِي واشربي وَقَرِّي عَيْناً)) .

لا بدَّ من غذاءٍ خاصٍّ، ولا بدّ من شرابٍ خاصٍّ، ولا بدَّ من طمأنينةٍ نفسيّةٍ.

هذه بعضُ آياتِ القرآنِ، وكلَّما تقدَّمَ العلمُ ازدادَ الإنسان يقيناً أنّ هذا الكلامَ كلامُ ربِّ العالمين، كلامُ خالقِ الأكوانِ، وليس كلامَ البشرِ.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى