​الصحة النفسية بجامعات اليمن.. أزمة «متفاقمة» ووحدات الدعم «خارج الخدمة»

> «الأيام» عمرو التهامي*

>
كما يليق ببلد في حرب، تواجه الجامعات اليمنية وضعًا «متفاقمًا» فيما يتعلق بمؤشرات «تراجع» الصحة النفسية للطلاب والأساتذة على حد سواء، بحسب شهادات، وتقارير أكاديمية.

وجاءت حادثة انتحار الطالب بكلية الإعلام بجامعة صنعاء، فيصل المخلافي، في فبراير الماضي، لتثير التساؤلات حول مدى قدرة برامج الصحة النفسية بمؤسسات التعليم العالي في اليمن، على الأخذ بأيدي من يحتاجون إلى الدعم.


وتقول بلقيس علوان، الأستاذة بكلية الإعلام بجامعة صنعاء، والتي درّست لـ«المخلافي»، بالجامعة، إنه كان «مشروع أديب صحفي، بسبب موهبته الفائقة، وأسلوبه الفريد الذي يتخطى الكلمات». وتضيف في اتصال هاتفي مع «الفنار للإعلام»:«عندما يصل شاب موهوب إلى المرحلة الصفرية من غياب لفرص العمل، وانعدام لجودة الحياة، ينتهي به الحال لهذه النتيجة الصعبة».

اضطرابات متفاوتة

وتوضح أن ضغط سبع سنوات من الحرب، بكل تداعياتها، دفعت بالجميع لمرحلة «الهشاشة النفسية» دون استثناء لأحد. وتقول:«إننا نعاني جميعًا من اضطرابات نفسية بدرجات متفاوتة»، بسبب تردي الأحوال المعيشية، وانقطاع الرواتب، وتسبب الحرب في فقد عدد من الأقارب. وقد أدى سوء الأوضاع الداخلية إلى انسحاب عشرات الأساتذة من المشاركة الاجتماعية، وتحول سلوكهم نحو«الانفعال والحدة الشديدة»، بحسب الأكاديمية اليمنية.

وتفسر ذلك، بالقول: «لا تتخيل مدى صعوبة أنك كأكاديمي تعيش في وطنك خائفًا على حياتك من الاستهداف، وعاجزًا عن تدبير مصاريف الحياة اليومية، وتقع تحت طائلة الضغوط المستمرة من الجميع حولك»، ما يعني أن الشاب المنتحر، والذي يوصف بأنه كان «نابغًا وموهوبًا»، ليس وحده في قائمة الباحثين عن مساندة «عزيزة المنال».

في السياق نفسه، يذكر تقرير نشره مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، في العام 2017، إلى «ارتفاع معدلات الانتحار في العاصمة اليمنية، صنعاء، بنسبة 40.5 %» بعد الحرب عما كانت عليه من قبل، من دون أن يحدد تفاصيل أكثر، مرجحًا «معاناة الكثير من السكان من التبعات السلبية النفسية والاجتماعية والعاطفية».

برامج الصحة النفسية بالجامعات

في مقابل هذه المعطيات، لا تبدو مراكز الإرشاد النفسي الجامعات اليمنية، مؤهلة لمواجهة الأزمة، أو مد يد العون للمتضريين، وخاصة بعدما تعطلت عن العمل، وتحولت مقارها إلى أماكن مخصصة لتقديم المحاضرات، ويقول مدير برنامج للصحة النفسية بجامعة صنعاء، طلب عدم الكشف عن هويته، "إن أكثر من نصف المتخصصين اليمنيين في دراسة الطب النفسي غادروا البلاد منذ اندلاع الحرب، في العام 2015».

ويوضح أن اندلاع الحرب «تسبب في وقف برامج الصحة النفسية بالجامعات كافة، بعد وقف المخصصات المالية لها، وتعطيل تنفيذ استراتيجية وزارة الصحة اليمنية الخاصة بتطوير برامج الصحة النفسية».


وعلى الرغم من تدريس الطب النفسي بالجامعات اليمنية منذ العام 1987/1988، إلا أن الطلب على هذا التخصص ظل منخفضًا باستمرار، بسبب «الوصمة التي تلاحق كل دارس للتخصص في كلية الطب أو في أقسام الكليات الأدبية»، كما يقول الأكاديمي الحاصل على درجتي الماجستير والدكتوراه في الطب النفسي.

من جانبه، يقول أكرم الأدور، أستاذ علم النفس التربوي في جامعة ذمار، "إن مراكز الإرشاد النفسي في الجامعات اليمنية «مغلقة» منذ اندلاع الحرب"، ويشير إلى تنظيم بعض الجامعات فعاليات «خجلى» لا ترقى إلى المستوى، بـ«غرض اجتذاب المنظمات الدولية لتمويلها، دون أن يكون لها أثر ملموس على الطلاب أو الأساتذة».

ويضيف أن البرامج المتاحة في بعض المناطق اليمنية المتضررة من الحرب، تمولها المؤسسات الدولية، «لكننا كأساتذة لا نلمس آثارها أو انعكاساتها على واقع الجامعات». ويقول أستاذ علم النفس التربوي بجامعة ذمار "إنه رصد تناميًا في أعراض السلوك الانتحاري عند الطلاب والطالبات في الجامعات اليمنية، مع مستوى مرتفع من العديد من الاضطرابات النفسية المختلفة لدى عدد من الأساتذة».

قلة عدد المتخصصين

ويتحدث الأكاديمي اليمني عن وجود مشكلة أخرى تتعلق بمحدودية عدد المتخصصين في الصحة النفسية المؤهلين لتصميم برامج مخصصة للطلبة والأساتذة. ويقول: "إن غالبية العاملين داخل مراكز الإرشاد النفسي في الجامعات، قبل اندلاع الحرب، كانوا من خريجي الكليات الأدبية".


ويشير تقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية، في يناير 2017، إلى وجود 40 طبيبًا نفسيًا باليمن، معظمهم في صنعاء. ويوضح التقرير نفسه أنه من بين أكثر من 3.500 مرفق صحي، فإن 21 % منها فقط، تقدم «الخدمات للأمراض غير المعدية والحالات الصحية النفسية» بشكل كامل.

وردًا على سؤال حول فرص مواجهة الوضع الراهن، في ضوء الإمكانيات المتاحة بالجامعات اليمنية، يؤكد أكرم الأدور أن الخطوة الرئيسة الأولى يجب أن تكون من خلال تدريب العاملين الصحيين خارج العاصمة صنعاء، بهدف سد النقص في خبراء الصحة النفسية، مع تعزيز إمكانية الوصول إلى خدمات الدعم النفسي عبر تأسيس وحدات تخضع للإشراف والمراجعة في الجامعات، كما ينادي بضرورة طرح قضية الصحة النفسية، ضمن أطر ومساعي المصالحة المجتمعية، ومفاوضات إيقاف الحرب، كواحدة من الأولويات الرئيسة، من أجل لم شمل المجتمع اليمني.

*"الفنار للإعلام"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى