ما مدى تأثير "الأمناء الشرعيين" في حركتها؟

> «الأيام» إبراهيم الضلعي*

>
طوال الأعوام القليلة الماضية من الحرب الدائرة في اليمن منذ العام 2015، تشهد صنعاء ازدهارًا عقاريًا واسعًا مثيرًا للجدل وأموالًا ضخمة تتدفق في هذا القطاع تدعو للريبة في ظل أوضاع صعبة وحرجة تعيشها اليمن وتدهور اقتصادي كبير وأزمة إنسانية هي الأكبر على مستوى العالم كما تصنفها الأمم المتحدة.

لكن هذه الحركة الخاصة في بيع وشراء العقارات في صنعاء العاصمة والمحافظة تشهد منذ أشهر تقلبات وركود نسبي ملحوظ، بعد سنوات من الانتعاش، وذلك على إثر إصدار وزارة العدل في حكومة صنعاء قرارات جديدة تخص الأمناء الشرعيين المعتمدين، وكذلك نسبة الضريبة من كل عملية بيع وشراء، إذ أثرت هذه القرارات على شريحة واسعة ممن يعملون كوسطاء (سماسرة عقارات) وعلى عمال البناء، لكنها منذ نهاية الشهر الماضي وبداية مايو الحالي عادت للانتعاش بشكل تدريجي بسبب تحسن سعر صرف الريال مقابل الدولار الأمريكي.

ويعتبر قطاع بيع وشراء العقارات في العاصمة صنعاء والمحافظات الواقعة تحت سيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين)، من قطاعات الأعمال التي لم تتأثر بسبب الحرب، بل زاد انتعاشًا بسبب حركة النزوح وتوجه عدد كبير من الصرافين وأصحاب رؤوس الأموال، نحو تحويل أموالهم إلى عقارات، خوفًا من انهيار العملة الوطنية، ورغبة في الاستثمار في ظل ارتفاع أسعار الأراضي والعقارات يومًا بعد آخر.

الهجرة المرتدة من القرى إلى المدن للنازحين الذين كانت الحرب قد أجبرتهم في بدايتها على اللجوء للأرياف، لعبت دورًا كبيرًا في إنعاش هذا القطاع بعد عودتهم إلى المدن مرة أخرى، للبحث عن مصادر دخل جديدة ومساكن قريبة من أعمالهم، وهذا بدوره جعل من قطاع بيع وشراء العقارات القطاع الأكثر حركة وازدهارًا، رغم استمرار الحرب وانقطاع الرواتب الحكومية.

وفي سابقة هي الأولى من نوعها، حددت القرارات الجديدة نسبة 2,5 % من قيمة العقار يدفعها البائع لصالح الدولة، عند الأمين الشرعي المعتمد، والذي يحرر وثائق بيع وشراء الأراضي والعقارات.

أما بالنسبة لأراضي الأوقاف، فقد حددت قرارات وزارة العدل دفع نسبة 25 % من قيمة العقار لصالح الدولة، وهذا فيما يخص أراضي الأوقاف غير المسجلة مسبقًا بعقد إيجار أو ما يسمى "مأذونية" من الهيئة العامة للأوقاف، لتكون هذه النسبة كقيمة لعقد الإيجار ونسبة من البيع.

كما حددت القرارات نسبة 5 % من قيمة العقار لصالح الدولة إذا كان صاحب العقار لديه "مأذونية" (عقد إيجار مسبق)، وهذه النسبة يدفعها المشتري.

أمناء محددون

واعتمدت وزارة العدل في حكومة صنعاء عددًا من الأشخاص كأمناء شرعيين لا يصح أي بيع أو شراء للعقار عبر غيرهم، مع الإشارة إلى بطلان أيَّ بيعٍ وشراء للعقارات لا يُحرَّر عبرهم.

وكانت الوزارة قد عقدت عدة دورات مغلقة على مدى أكثر من شهر، للأمناء الشرعيين الذين اختارتهم، قبل اعتمادهم، ليتم بعدها إنزال أسماء وبيانات الأمناء المعتمدين في موقع الوزارة، مع التشديد على عدم بيع أو شراء أي عقار عبر أي أمين شرعي من خارج القائمة التي حددتها الوزارة، وكذلك منع البيع بأي مكان لم تصل إليه مخططات الدولة وفقًا لعدد من الأمناء.

وفي سياق دفع هذه القرارات إلى حيز التنفيذ، رفض كثيرون من الباعة والمشترين دفع الضريبة المحددة فيها، خصوصًا المستثمرين الذين يرون أن النسبة المطلوب دفعها لصالح الدولة هي مقدار الربح الذي يحصلون عليه.

محمد المشرقي، أحد المستثمرين في العقارات بصنعاء، شكا من ركود العمل، وقال "إنه لم يستطع بيع أو شراء أي عقار منذ ستة أشهر"، مشيرًا إلى أن بعض المستثمرين بدؤُوا بالبحث عن مجال آخر لاستثمار أموالهم، مع استمرار هذا الركود.

وأضاف أن حركة البيع والشراء توقفت تمامًا، خصوصًا في أراضي الأوقاف التي قال "إن المشتري يتخوف من أية قرارات مقبلة، كما يتخوف البائع من دفع قيمة "المأذونية" (عقد الإيجار)، والتي تصل إلى ربع قيمة العقار".

أما مكاتب العقارات فقد وجدت نفسها في منعطف صعب، وبالتالي توقفت عن العمل إلا فيما ما ندر، وفقًا لتصريح أمين ناصر، وهو أحد ملاك مكاتب العقارات لبيع وشراء الأراضي والبيوت بالعاصمة صنعاء.

ثبات الأسعار

بالرغم من الشلل شبه التام في حركة بيع وشراء العقارات في صنعاء، إلا أن أسعار الأراضي والبيوت لم تتأثر، ويتمسك ملاكها بالأسعار العالية دون تراجع رغم انعدام المشترِين، متحججين بأنهم سيدفعون ضريبة مرتفعة عند البيع، وهذا ما يجعلهم يتمسكون بأسعارهم حتى لو لم يعثروا على مشترين بسرعة.

بالمقابل، يجد عدد كبير من المشترين صعوبة في قَبول الأمين الشرعي المعتمد إبرام عقد البيع والشراء، بحجة طلبه من البائع إحضار الوثائق السابقة من البائع الأسبق والذي قبله، مع تعميدها رسميًّا، وهو ما جعل بيع وشراء الأراضي والعقارات صعبًا للغاية ويحتاج لجهد مضاعف ودفع مبالغ مالية إضافية عند البحث عن الوثائق السابقة والتي قبلها.

يقول المواطن يحيى عبدالله، إنه عجز عن شراء قطعة أرض أو بيت صغير له ولأسرته بسبب هذه الإجراءات، منوهًا إلى أن محاولاته كانت تتوقف أكثر من مرة في مكتب الأمين الشرعي أثناء كتابة العقد، مع إصرار الأمين الشرعي على عدم المصادقة عليه إلا بإحضار الوثائق السابقة والتي قبلها معمدة، مما يدفع البائع للانسحاب.

تأثيرات سلبية

وألقت هذه القرارات بتأثيراتها على مصدر دخل سماسرة العقارات ومقاولي البناء والعمال، وكذلك على تجارة مواد البناء والكهرباء.

يقول محمد البلبل، وهو تاجر مواد بناء في صنعاء العاصمة، إن القرارات الأخيرة لوزارة العدل سببت تراجعًا في حركة تجارته، مقدرًا نسبة التراجع بـ70 % مقارنة بالوضع الذي كان سائدًا قبل إصدار القرارات. وقال "إنه في حال استمر هذا الركود لفترة أطول، فقد يجعله ذلك يبحث عن تحويل تجارته إلى "مجال آخر".

وإلى تأثر تجارة مواد البناء، تحدث موظفون في عدد من محلات الصرافة التي انتشرت بكثافة خلال سنوات الحرب، عن أن حركة الإيداع وإرسال واستلام الحوالات النقدية تراجعت متأثرة بركود سوق الأراضي والعقارات، بعد أن كان مجال بيع وشراء العقارات ينشط فيها بشكل واسع.

وجهة نظر الأمناء

يحاجج أمناء شرعيون بأن قرارات وزارة العدل التي تسببت بركود سوق الأراضي والعقارات، تحافظ على ممتلكات المواطنين من خلال ضبط البيع والشراء عبر أمناء محددين، بعيدًا عن العشوائية وبيع العقار لأكثر من شخص كما كان يحدث سابقًا.

ومن هؤلاء الأمناء، منير الحيلة، وهو أمين شرعي ضمن المعتمدين لدى وزارة العدل لتحرير وثائق بيع وشراء الأراضي والعقارات، معتبرًا أن "التلاعب في بيع وشراء الأراضي انتهى"، وأن هذه القرارات "تصبّ في مصلحة المواطن للحفاظ على حقوقه" حسب تعبيره.

ويقول ياسر محمد أحد الأمناء غير المعتمدين في الإجراءات الأخيرة، "إن السبب في عدم اعتماده يعود لعشوائية كبيرة في الاختيار حدثت، إضافة إلى أن هناك أشخاصًا يرفضون اعتماد أي أمين غير معروف لديهم، وهو ما أدى إلى استثنائه من الاعتماد".

ويتوقع ياسر أن يتم اعتماد أمناء جدد في المستقبل؛ نظرًا لأن عدد المعتمدين غير كافٍ، وبعضهم لا يعرف المنطقة بشكل كامل.

وفي حين يرى المواطن محمد أبو هشام أنّ مثل هذه القرارات مفيدة في تجنب النزاعات حول الأراضي، يتفق مع مواطنين آخرين تحدثوا على أنها مفيدة أيضًا في حال التزم الأمناء الشرعيون المعتمدون بعدم تحرير وثائق البيع والشراء للأراضي التي لم تدخل بعد في المخطط الحضري للمدينة.

غير أنهم لا يخفون خشيتهم من استمرار ركود الأعمال وإصرار السلطات المعنية على فرض تنفيذ نسبة الضريبة المحددة في القرارات الأخيرة لوزارة العدل، فيما تساءل بعضهم عن مجال إنفاق الضرائب، وهل ستعود على المواطنين بأية فوائد.

*"خيوط"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى