ارتفاع أسعار القمح ونقص مخزونه.. اليمن على شفا كارثة اقتصادية وشيكة

> «الأيام» مراد العريفي*:

>
  • اليمن يستورد 97 % من الحبوب نصفها من بلدين متحاربين
  • برنامج الغذاء العالمي: 1.3 مليار دولار لمواصلة الدعم أو تقليص المساعدات وعدد المستفيدين
> لم يكن البيان الصادر عن أكبر مستوردي القمح في اليمن الذي يحذر من مجاعة وشيكة هو الأول، لكنه أثار حالة من القلق والخوف بين اليمنيين، بعد أن طالت التحذيرات قوت يومهم الأساسي.

وغالبًا ما تعمل مجموعة "هائل سعيد أنعم" التجارية - أكبر شركات اليمن لتصنيع وتوريد السلع والغذاء - بصمت، لكن بيانها ينذر بوضع سيئ، إذ قال إن المجاعة ستنجم عن الارتفاع العالمي لأسعار القمح بعدما أعلنت الهند حظر تصديره، والاضطراب الكبير في الإمدادات، والتناقص السريع في المخزون باليمن.

ويأتي البيان عطفًا على بيانات أممية، قالت إن اليمن تأثر بشدة نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية، حيث ارتفعت تكلفة الغذاء بنسبة 12 % منذ نهاية فبراير الماضي، فيما يتهدد اليمن مجاعة بسبب استمرار الحرب للعام الثامن.
  • الخبز أساس المائدة
يمثل الخبز أساس مائدة اليمنيين، ودائمًا ما يكون إلى جانب الشاي وجبة رئيسة لمعظم اليمنيين، خصوصًا في الريف.

ويقول منير مسعد وهو مالك متجر صغير في محافظة ذمار وسط اليمن، إن اليمنيين قد يعيشون أزمة غير عادية في ظل ارتفاع أسعار القمح، إذ يكلّف الشوال (الكيس الكبير) الواحد عبوة 50 كيلوجرامًا 22 ألف ريال (40 دولارًا).

ويضيف إن الأزمة الجديدة قد تدفع بالسعر إلى 30 ألف ريال (53 دولارًا)، وهو مبلغ يصعب توفيره لمعظم الأسر التي تستهلك غالبًا في الشهر الواحد 3 شوالات على الأقل.


ويقول "أنا أستهلك مع أسرتي شوالين في الشهر إلى جانب الذرة الصفراء والحمراء، لأن الخبز هو وجبتنا الوحيدة، وهذا يكلفني مبلغًا كبيرًا على الرغم من أنني أملك مصدر دخل، ولا أدري كيف سيجد الآخرون حلًّا".

وكان برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة قال في وقت سابق إن يمنيين كثر يعتمدون على الخبز والشاي في وجباتهم، غير أن هذه الوجبة باتت مهددة.

وفي العاصمة صنعاء اضطر ملاك الأفران لتقليص حجم الرغيف، ما انعكس سلبًا على القدرة الشرائية للمواطنين الذين باتوا مجبرين على استقطاع جزء كبير من أموالهم ومدّخراتهم لتوفير الرغيف الكافي لأسرهم.
  • حلول عاجلة
وجاءت تحذيرات مجموعة هائل سعيد بعد أن وصلت أسعار القمح عالميًا إلى أعلى مستوى لها منذ 14 عامًا، ووضعت عواقب خطيرة على الموردين والمصنعين.

ويقول مأمون اليافي الرئيس التنفيذي للاتصالات في المجموعة التجارية إن المستوردين اليمنيين بحاجة عاجلة إلى أولوية الوصول إلى إمدادات القمح في الأسواق الدولية، إذ إن الطلب العالمي دفع الدول إلى شراء وتخزين المزيد من القمح مما وضع المستوردين اليمنيين على قائمة الانتظار.

ويضيف أن مستوردي الغذاء اليمنيين يجدون صعوبة بالغة في تأمين العملات الأجنبية وتحويل الأموال إلى شركاء خارجيين بسرعة، ولكي يخفف الموردون الدوليون من تعرضهم للمخاطر، فإنهم يفرضون شروط دفع أقصر أو يطلبون مدفوعات نقدية مقدمًا، مما يفرض ضغوطًا كبيرة على المستوردين اليمنيين.

وقالت المجموعة إنها اتخذت خطوات لضمان الحصول على السلع الأساسية، ويشمل ذلك الاستفادة من اتفاقية قرض بقيمة 75 مليون دولار أميركي مع مؤسسة التمويل الدولية، لكن ذلك ليس حلًّا مستدامًا.

ودعت الشركة المجتمع الدولي إلى وضع آليات عاجلة مثل إنشاء صندوق خاص لتمويل الواردات، وتمديد شروط الدفع لمستوردي الأغذية اليمنيين في تعاملاتهم مع الموردين الدوليين.
  • مصدر قمح اليمن
ووفق بيانات اقتصادية حول استيراد القمح لعام 2020، فإن 26 % من القمح يصل من روسيا، و21 % من أوكرانيا، و29 % من الولايات المتحدة، و17 % من أستراليا، مما يجعله عرضة بشكل خاص لتقلبات أسعار الغذاء العالمية.

ووفق اليافي فإن اليمن يستورد حوالي 3.7 ملايين إلى 4 ملايين طن من القمح سنويًا، وتساهم المجموعة بأكثر من النصف في هذه الكمية.


وعلى الرغم من أن اليمن لا يستورد القمح الهندي، لكن أبو بكر عبيد رئيس الغرفة التجارية الصناعية في مدينة عدن، يقول إن الخطوة التي اتخذتها الهند ستشعل أزمة جديدة في القمح عالميًا ستتضرر منها اليمن بشكل مباشر، وأضاف "الوضع سيئ جدًا والمخزون في تناقص كبير قد لا يكفي لشهور قليلة جدًا".

ووجّه مطالبته للحكومة اليمنية بالتحرك السريع والفعّال لاتخاذ تدابير استثنائية بما يضمن تدفق الإمدادات الغذائية إلى اليمن، كون الوضع لا يحتمل التأجيل، وإن آثاره قد تطال الجميع بينما هناك فئات من اليمنيين لن تكون قادرة على تحمل التبعات.
  • تمهيد لرفع الأسعار
ويخشى يمنيون أن يكون بيان المجموعة التجارية تمهيدًا لرفع الأسعار بشكل صادم، أو محاولة المجموعة للضغط على البنك المركزي اليمني الذي وقع الاثنين الماضي مع البنك السعودي على تمديد الوديعة السعودية التي تخصص لتمويل الواردات من السلع الأساسية في اليمن، ومن بينها القمح.

وكان تقرير فريق الخبراء التابع لمجلس الأمن الدولي حول اليمن، اتهم المجموعة التجارية بالتكسب غير المشروع، عبر الاستحواذ على ما يصل نسبته إلى 48 % من أموال الوديعة السعودية المقدمة إلى البنك المركزي اليمني عام 2018، قبل أن يتراجع عن اتهامه بعد أن رفضت المجموعة الاتهامات.
  • بديل مدمّر
ويُنظر لزراعة القمح محليًا كبديل، ووفق تقرير سابق لوزارة التخطيط والتعاون الدولي فإن قطاع الزراعة يوفر 25 % من الاستهلاك الغذائي في البلاد، ويعد القمح ثاني أهم محاصيل الحبوب بعد الذرة بنسبة 27 % من حجم الإنتاج الزراعي.

لكن إنتاج الحبوب تدهور بسبب الحرب وانخفض تدريجيًا من 250 ألف طن عام 2012 إلى 95 ألف عام 2017، وفق التقرير.

ويعود ذلك إلى ارتفاع أسعار الوقود وغيره من مدخلات الإنتاج وشحّ الأمطار وتذبذب هطولها، وضعف خدمات الإرشاد الزراعي، ومحدودية الحافز المالي للمزارعين لزيادة إنتاجهم من القمح مقارنة بالمحاصيل النقدية مثل القات.

ويقول أكرم عبده - وهو مزارع - إن شحّ الأمطار هذا العام يهدد إنتاج المحاصيل الزراعية، ويضيف أن سلطتي الحوثيين في صنعاء والحكومة المعترف بها في عدن مسؤولتان عن تدمير القطاع الزراعي، مشيرًا إلى أن المزارعين تكبدوا خسائر كبيرة خلال السنوات الماضية وتركوا أراضيهم ومزارعهم خلفهم في مواجهة الجوع.
  • خفض المساعدات
وبسبب الارتفاع الهائل في أسعار المواد الغذائية إلى 7 أضعاف وانخفاض قيمة الريال اليمني، يتوقع برنامج الأغذية العالمي أن ترتفع التكاليف التشغيلية له بزيادة سنوية قدرها 120 مليون دولار أميركي، وهو ما يضع ضغوطًا هائلة على قدرته في تقديم المساعدة الغذائية لليمنيين.

وتقول عبير عطيفة المتحدثة باسم البرنامج لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وشرق أوروبا، إن البرنامج يحتاج إلى 1.3 مليار دولار أميركي لمواصلة تقديم المساعدة الغذائية خلال الأشهر الستة القادمة، أو سيتعيّن عليه اتخاذ قرارات صعبة ومواصلة خفض المساعدة أو استبعاد بعض الناس من الحصول على المساعدات.

وتضيف "في عام 2020، استوردت اليمن حوالي 710 آلاف طن قمح من أوكرانيا و800 ألف طن من روسيا، ووفقًا للمعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية، يبلغ الاعتماد على استيراد الحبوب في اليمن 97 %، حيث توفر روسيا وأوكرانيا الحصة الأكبر من واردات القمح ومنتجاته بحوالي 42 %".

ووفق عطيفة فإن تعرض اليمن لتداعيات الحرب في أوكرانيا يتجاوز مشكلة الاستيراد المباشر من البلدين المتحاربين، بل يمثل خطرًا إضافيًا على الأسر اليمنية التي ليس لديها سوى بدائل محدودة للحصول على ما يكفيها من الغذاء.
*"الجزيرة نت"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى