مجلس التعاون الخليجي والأزمة اليمنية

> دخل مجلس التعاون الخليجي على خط الأزمة اليمنية من خلال مبادرة الأمانة العامة للمجلس وأنتج توليفة قيادية تتمثل في المجلس الرئاسي المؤقت وحدد مهاما لهذا المجلس منها التفاوض لاستعادة صنعاء من الحوثي والمهمة الثانية توفير الخدمات للمحافظات المحررة.

بطبيعة الحال تمت الهدنة لكنها لم تكن نتاج مشاورات الرياض، لأن الطرف الآخر المتمثل بالحوثي لم يكن حاضراً في تلك المشاورات، لكنه كان حاضرا في منصة أخرى مع أطراف دولية وإقليمية في مكان آخر نتجت عنه تلك الهدنة، حيث تمكن الحوثي من الحصول على حوافز كثيرة منها فتح مطار صنعاء ووقف الحرب وفتح ميناء الحديدة، كل هذه المعطيات التي نتجت لم يكن للمجلس المؤقت أي دور يذكر منها غير أن الأهم هو نقل السلطة من الثنائي هادي وعلي محسن الذي فشل فشلا ذريعاً في إدارة الأزمة، مما مكن الحوثي أن يصبح رقما أساسيا في العملية السياسية فرض نفسه على حساب الانكسارات والهزائم التي منيت بها الشرعية وتعدى الأمر إلى تهديد دول الجوار عبر منظومة الصواريخ والطائرات المسيرة التي لم يستطع الإقليم والعالم تحمل نتائجها التدميرية التي أصبحت تضر بالمصالح الحيوية لهذه الدول وتضع المنطقة في بؤرة صراع وعدم استقرار.

حتى الآن لم يظهر المجلس أي علامات لتحركه في اتجاه تنفيذ المهام المكلف فيها عدا أنه يعيد منظومة الحكم السابق التي كانت أحد الأسباب الرئيسة لانهيار الدولة وتسليمها لمليشيا الحوثي، مما يعني أن المجلس لم يفهم مهامه على أكمل وجه، وإنما وضع نفسه في دائرة الشك والريبة خاصة وهو وسط بيئة جنوبية لا تقبل أن يقابل تضحياتها بإعادة تدوير تلك المنظومة الفاشلة والفاسدة.

تتواصل المباحثات بين الحوثي كطرف رئيسي في المعادلة وقوى إقليمية ودولية بعيدا عن المحلس الموقت ولا يدري أحد ما هي الحكمة من استبعاده حتى يستغرب المراقبون من عدم محاولته حجز مكان له في تلك المفاوضات التي إن نجحت أو فشلت ستترتب عليها التزامات قد لا يستطيع الوفاء بها وخاصة عندما تكون على حساب الثوابت التي تخص اليمن بشكل عام أو الجنوب بشكل خاص.

الأزمة اليمنية شديدة التعقيد خاصة بعد حرب ثمان سنوات، هزمت الشرعية نفسها ومكنت الحوثي من فرض الأمر الواقع وهزيمة الشرعية كانت لها تداعيات من آثارها الهامة نقل السلطة ويقابله نصر الحوثي الذي يعني نصرا للمشروع الإيراني في اليمن، وفي الوسط تم تجريف نصر الجنوب عندما تم ربطه قسرًا بالشرعية التي قابلته بإطباق الحصار المحكم على الجنوب ومعاقبته ولم يكتفي الأمر عند ذلك، بل تم ترحيل حل قضية الجنوب إلى ما بعد استعادة صنعاء مما يعني تعويم قضية الجنوب، لأن هذه الاستعادة يشوبها الغموض وربما لم تتحقق في العقود القادمة.

طالما أن الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي قامت مشكورة باحتضان مشاورات يمنية في الرياض، نتج عن ذلك الإجراء الجريء في نقل السلطة إلى هذا المجلس الرئاسي المؤقت يتطلب منها في المدى المنظور ألا تقف عند هذه النقطة، لكن عليها مواصلة العمل على تصويب بوصلة المجلس حتى لا يغرق في تفاصيل بعيدة عن المهام المسندة إليه ويتحول إلى مسمار جحا لتعطيل الحياة في مناطق الجنوب المحررة وينسى أن مهامه مؤقته للاستعداد للعودة إلى صنعاء وليس البقاء الدائم في عدن ومن أولوياته أن يستعد لكافة الاحتمالات سواء كان في ميدان المفاوضات أو الاستعداد بشكل متوازٍ لخوض حرب استعادة العاصمة صنعاء وأن ينفض عنه غبار الاسترخاء، وفي نفس الوقت حجز مكان له في مفاوضات تجري بشأن اليمن والجارية في مسقط أو أي مكان آخر الآن مع اتخاذ إجراءات عملية لحشد القوات وسحبها من مواقعها في الجنوب وإعادة تشكيل الرأس القيادي العسكري والأمني لخوض عملية التحرير، وهذا الأمر يتطلب جهودًا استثنائية لإتمامها، بل يتطلب منه أن يسابق الزمن لتحقيقها.

وفي المدى الاستراتيجي أعتقد أن مجلس التعاون الخليجي يفترض أن يكون مستوعبًا لإبعاد الأزمة اليمنية ويعمل على حلها حلًا عادلًا بما يضمن تعزيز استقرار المنطقة وأمنها وتنميتها وأن يستفيد من تجارب الماضي التي جرت في السابق، بحيث ألا تتكرر عوامل الفشل فقد كانت كل الصيغ التي اتبعت من المبادرة الخليجية إلى مؤتمر الحوار الوطني في صنعاء إلى صيغة اتفاق السلم والشراكة وما بعدها من صيغ واتفاقات أثناء الحرب كلها تم الانقلاب عليها من قبل موقعيها، بل قادت إلى الحرب التي مازالت مفتوحة حتى اليوم، وتجنباً لمزيد من الفشل لا بد من تشخيص الأسباب التي أدت إلى هذه الأوضاع بعمق واستنباط خارطة طريق يشجع القوى السياسية والمجتمعية في الشمال والجنوب كل على حدة لإجراء حوارات داخلية لترسيخ المصالحة الوطنية الداخلية للتوافق على الدولة وشكلها ونظامها السياسي في كل من الجنوب والشمال تتعايشان في وئام تحت مظلة المصالح المشتركة ليس فقط بين الدولتين لما كانت عليهما ما قبل عام 90 وَلَكِن أيضاً تعزيز المصالح الحيوية المشتركة لدول الخليج والجزيرة العربية لإرساء أسس ثابتة للأمن والاستقرار والتنمية.

سئم الناس من الحروب وحان وقت صنع السلام المستدام، لكن ذلك لن يأتي إلا بتحقيق العدل والإنصاف والتخلي عن الهيمنة والاستقواء من أي طرف كان، والأهم أن يكون تدخل الإقليم القريب والبعيد إيجابيًا يخدم الاستقرار والأمن للجميع، فالمرحلة القادمة ستطوي صفحة الحرب فيما يخص تدخل التحالف العربي، لكن سيكون الباب مفتوحاً للدخول في حروب متعددة إن لم تكن هناك ضمانات إقليمية ودولية تلجم أمراء الحروب وتضع حدًا للطموحات غير المشروعة لمن يريد أن يتعسف التاريخ والجغرافيا وإعادة الحقوق المشروعة لأصحابها الحقيقيين، ومن أهم العناوين حل جذر الأزمة التي تتعلق بفشل المشروع الوحدوي وعودة إلى الحل الصفري إلى ما قبل مايو عام 90م.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى