​الذكرى الـ 32 للوحدة اليمنية

>
البعض بكل أسف لا يفرق بين الوحدة كهدف عظيم ونبيل حققه الشعب اليمني عبر مراحل من النضال والتضحيات في سبيلها، وبين أخطاء الساسة والنّخب السياسية التي حدثت بعد تحقيقها، بسبب عجزهم عن إدراك عظمة ما تحقق، فيُحمّلون الوحدة كل تلك الأخطاء والسلبيات، ويتخذون منها ذريعة للتنصل من الوحدة بدلاً من العمل على تصويب تلك الأخطاء والبحث عن أسبابها ومواطن الخلل لإصلاحها، بما في ذلك البحث عن صيغ أخرى للوحدة وهي بالمناسبة كثيرة وممكنة عوضاً عن العودة إلى أوضاع سابقة على الوحدة ثبت فشلها وما جرّته من مآسٍ وويلات على الشعب اليمني شمالاً وجنوباً.

أقول هذا ونحن على أعتاب الذكرى الثانية والثلاثين للوحدة اليمنية التي تحققت في 22 مايو 1990م، دون أن تغيب عن ذهني لحظة واحدة أن اليمن يمر بواحدة من أخطر المراحل التي مرّ بها في تاريخه الحديث، وهي أخطار تهدد وجوده ومصيره وسيادته ووحدة أراضيه ومستقبله، وأيضاً دون أن تغيب عن تفكيري لحظة واحدة أن الحفاظ على هذا المنجز الوحدوي العظيم من الأخطار التي تهدده يتطلب من كل القوى الوطنية اليمنية الوحدوية الاعتراف بأن هناك أخطاء حدثت خلال سنوات الوحدة في أول عهدها، واستمرت في التعاظم بسبب عدم معالجتها في وقتها، وخاصة الآثار الناجمة عن حرب صيف العام 1994م وما تبعها، والتي ألحقت أضراراً فادحة بالوحدة الوطنية وشرخاً في الوحدة اليمنية، ويعرف الجميع أنني قلت حينها أن المنتصر في هذه الحرب مهزوم، ودعوت إلى الحوار ومعالجة آثار الحرب، لكن الطرف الذي كان منتشياً بما أعتقده أنه نصر عسكري لم يدرك حينها لعقود لاحقة أن النصر العسكري لا يعني بالضرورة نصراً سياسياً، وأن الجميع في مثل هذا النوع من الصراعات مهزوم.

منذ نحو 32 سنة عبّر الشعب اليمني إلى لحظة تاريخية عظيمة، وإلى لحظة تحقيق حلم عظيم لطالما سعى إلى إنجازه، وناضل وقدم التضحيات الجسيمة في سبيله. كانت لحظة تاريخية لم يشهد الشعب اليمني مثلها، لكن بكل أسف، وأقولها بكل صراحة وقلتها في حينه، إن الحدث الذي تحقق كان أكبر من القيادات التي وقعت على اتفاق الوحدة، التي مثلما هربت إلى الوحدة وأعتقد أنها الحل لمشاكلها السلطوية التي كانت تواجهها سواء في الشمال أو في الجنوب، هربت من الوحدة عندما عجزت عن مواجهة الالتزامات والاستحقاقات الوطنية التي يفرضها حدث تاريخي عظيم بهذا الحجم، ولإخفاء ذلك العجز لجأت إلى الحرب والانفصال وكلاهما أخطر وأسوأ من الآخر، كلاهما كارثي، وليست الوحدة هي المسؤولة عنه، فأوقعوا الوطن في مأزق لم يستطع الخروج منه حتى اليوم، وضاعف من مشاكل الشعب اليمني الذي رأى الحلم الذين أضل في سبيله وقدّم التضحيات الجسام من أجله يتقوض أمام عينيه بسبب النزاعات السلطوية الذاتية التي عجزت أن تضع مصلحة الوطن والوحدة فوق مصالحها الذاتية.

لقد حفلت الفترة الانتقالية التي اتفق عليها الشريكان في إعلان الوحدة، بأخطاء جسيمة أدت في الأخير إلى تلك النتيجة الكارثية، أعني الحرب والانفصال، ومن تلك الأخطاء إقصاء القوى الوطنية عن الشراكة في بناء دولة الوحدة، وتقاسم السلطة والثروة بينهما، وكأن الوحدة التي تحققت بجهد ونضال وتضحيات أجيال من اليمنيين في الشمال والجنوب حكر عليهما وحدهما.

ثم بنتيجة الحرب والانفصال تم تهميش الشريك الجنوبي من القرار ومن الثروة، وإن احتفظ لبعض الجنوبيين بمواقع في السلطة وليس في صنع القرار، ودون الخوض في التفاصيل، فإن اليمنيين جميعاً اليوم أمام لحظة تاريخية مفصلية: إما أن تكون اليمن أو لا تكون، فهم جميعاً أمام خطر داهم يهدد وجودهم ومصيرهم وكيانهم ووحدتهم، فإما أن يكونوا في مستوى هذه اللحظة كما كانوا دوماً شعباً حراً أبياً، أو أن تتفرق أيدي سبأ فتذهب ريحهم.

ولتجاوز هذه المخاطر المحيقة باليمن ووحدته وسلامة أراضيه وسيادته الوطنية ومستقبل أجيال، فإنني أرى أن الحل يكمن في:
1 - العمل على تشجيع الحوار بين كافة المكونات اليمنية بما يؤدي إلى وقف الحرب وتحقيق السلام.

2 - إن لا عزة ولا منعة لليمن وشعبه إلا بالحفاظ على وحدته، وعلينا أن نحافظ على الوحدة اليمنية وعلى استعادة الدولة بحيث يكون لها دولة واحدة برئيس واحد وحكومة واحدة وجيش واحد، ولتكن دولة اتحادية ديموقراطية بعدة أقاليم متفق عليها قائمة على العدل والمواطنة المتساوية.

3 - علينا الاعتراف بأن هناك قضية جنوبية عادلة، وأن حل هذه القضية ينبغي أن يكون عبر حل القضية الوطنية والهوية اليمنية، وليس البحث عن حلول عبر الانفصال أو الهويات المناطقية، أو بتجاهل وجود قضية جنوبية عادلة، فكلا الأمران يشكلان خطورة على اليمن ووحدته.

أخيراً، علينا التسليم بأن الحوار، ثم الحوار، ثم الحوار هو المبدأ الذي ينبغي علينا اعتماده كسبيل وحيد لحل مشاكلنا وخلافاتنا في اليمن، ونبذ الاقتتال واللجوء إلى العنف ولغة السلاح، وأعتقد أن ما مررنا به من صراعات وحروب يكفي فيه من الدروس أن نتعلم منه بأنه طريق لا يؤدي إلا إلى الهلاك والدمار، وكل عام وشعبنا بألف خير.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى