أين سيكون موقع إيران في عالم يعاد تشكيله؟

> "الأيام" إبراهيم الجبين \ العرب اللندنية

> ​إيران تريد انتزاع ما هو أكثر من رفع العقوبات ولن تقبل بأقل من شرعنة نفوذها الإمبراطوري على الدول التي طوتها تحت إبط مرشد ثورتها وعلى ما تبقى من مراكز الثقل العربي.

كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يعرف ما الذي يفعله حين أقدم على اتخاذ قراره بغزو أوكرانيا، ببساطة لا يمكن لحسابات كبار مستشاريه أن تخطئ في توقع الخسائر التي سوف تترتّب على بلادهم جراء ذلك، ولا تقييمها بالطبع.

كان يدرك أنه يقوم بخلق نظام عالمي جديد، ومن رفعوا الغطاء عن العملية العسكرية الروسية قبل وقوعها، وكان في مقدمتهم الرئيس الأميركي جو بايدن، يتلاقون مع بوتين في هذه الإرادة ولكن من الجهة الأخرى من العالم.

ويتم الآن نسج بنية النظام العالمي الجديد بخيوط العقوبات المفروضة على روسيا، من ناحية، وآثار تلك العقوبات على العالم أجمع من ناحية ثانية.

سيُعقد اجتماع في جدة منتصف شهر يوليو الجاري بحضور قادة دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن وبحضور الرئيس الأميركي لمناقشة شكل ودرجة إسهام كل طرف في هذا النظام الجديد، لكن أين موقع إيران من كل ذلك؟

إيران وضعت نفسها كحليف لروسيا بحكم تناقضات المصالح العالمية الكبرى، وليس لأسباب أيديولوجية، لكن تجد نفسها أقرب إلى الحلف الأوراسي منها إلى بلدان الشرق الأوسط والعالم العربي كله ناهيك عن أوروبا والولايات المتحدة.

وتريد الأخيرة جرّ إيران خارج دائرة النفوذ الأوراسي عبر اتفاق لا يساوي للإيرانيين حتى قيمة الحبر الذي سيكتب به.

ومع ذلك تصرّ واشنطن على أن يقتنع العرب بأهمية مثل هذه الاستراتيجية في التعامل مع طهران.

جرّب العرب من قبل وعود إدارة ديمقراطية قلبت عالمهم رأساً على عقب، دون أن تقدّم حلولاً لأي مشكلة أسهمت في تفجيرها، بل على النقيض من ذلك، فضّلت إدارة أوباما الملهمة للإدارة الأميركية الحالية، أن تكسب إيران على حساب كل مصالح العرب، وفي عهد أوباما احتلت إيران أربع عواصم عربية وأحكمت قبضتها عليها. فماذا يمكن أن تقدّم إدارة بايدن لنظام الولي الفقيه أكثر من ذلك في الطريق إلى اتفاق نووي جديد؟

إيران تريد انتزاع ما هو أكثر من رفع العقوبات عنها، ولن تقبل بأقل من شرعنة نفوذها الإمبراطوري ليس على الدول التي طوتها تحت إبط مرشد ثورتها، بل أيضا على ما تبقى من مراكز الثقل العربي، وهو أمرٌ لم يعد ينطلي على الدول العربية، لاسيما السعودية والإمارات ومصر والأردن، فالتهديد هذه المرة في العمق، وأكثر من يمن إيراني وسوريا إيرانية وعراق إيراني ولبنان إيراني وفلسطين إيرانية، لن يكون سوى خليج إيراني ومصر إيرانية وأردن إيراني.

قد تكون حرب بوتين فرصة العرب الأخيرة للإطباق على المشروع الإيراني وتطويقه ووأده، وقد يضيعون الفرصة كعادتهم، لكن إيران تعلم أنها فرصة لها أيضا، لا لتتحول إلى جار رضا للعرب، فهذا ليس في برامجها ولا تخطط له لا اليوم ولا غدا، بل لتخفيف الخسائر، وضمان استمرار الوضع على ما هو عليه على الأقل.

لكن ما الذي قدّمه تمزيق الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب للاتفاق النووي بنسخته الأوبامية للعرب؟ ترك الحرس الثوري ينطلق بلا عنان موغلا أكثر في قتل العرب وتهديد مصالحهم وتسليح الميليشيات وبثها في الخارطة.

فهل سيدفع موقفٌ حازمٌ من بايدن بالإيرانيين أكثر إلى العالم الذي يريده بوتين، ويعزّز من قوة الحلف الأوراسي بمقابل الناتو؟

في الأثناء طرح حامل كلمات السر، العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، مشروع الناتو العربي، وهو تحالف عسكري عربي قد يكون توسيعا بشكل أو بآخر لحلف الناتو ذاته، فالأخير يتوسع الآن شمالا نحو السويد وفنلندا وربما غيرهما، فلماذا لا يتوسّع جنوبا نحو الدول العربية الحليفة لواشنطن.

في الحالين، إيران تكسب، سواء تم دفعها بعيدا أو تليين الموقف حيالها وتوقيع اتفاق جديد معها.

لكن إن تم الخيار الثاني، فسيكون مترافقا مع إنشاء الناتو العربي الذي من دونه ستكون الدول العربية غارقة ليس فقط بالكبتاغون، بل بالسلاح الذي سوف يتدفق هذه المرة بشكل شبه شرعي، وبموجة تشييع غير مسبوقة لن تمكن السيطرة عليها، تجري على قدم وساق الآن في سوريا وفي الشرق منها تحديدا، وفي اليمن الذي تُرك طويلا يختمر فيه الخلاف السني الزيدي الذي أصبح ولأول مرة في التاريخ محسوبا على قُم وهو الذي كان الأقرب إلى السنة منه إلى المذهب الاثني عشري. تغيير لم تفعله الأيديولوجيا بل السياسة والمصالح التي صممتها إيران بعناية وصبرت عليها طويلا حتى نضجت وتفجرت، في الوقت الذي كان فيه العرب مشغولون بصراعاتهم البينية، وهي تعزف على كل الأوتار معزوفة الدم والخراب.

صفقة جدة يجب ألا تكتفي بالوعود، وتشكيل حلف عسكري جاد هذه المرة، لا يجب أن يكون مجرد مجاملة سياسية يطرحها بايدن، بل اتفاقا فوريا نافذا واجب التطبيق.

ما الذي سيغيّره في المعادلة نشوء ناتو عربي؟ هل سيقود إيران إلى الانحسار والتراجع عما حققته حتى اليوم؟ قد تنجز الحلول السياسية هذه المهمة، لكنه بالتأكيد سيكون رادعا للمزيد من التدفق في المدّ الإيراني الأسود.

وقد تعلّم العرب الدرس جيدا من السنوات الماضية، في تنظيم خلافاتهم، والتلاقي عند نقاط محددة لا يمنع من الاحتفاظ بالتباينات في نقاط غيرها، تبادل الأدوار والتنسيق المشترك، واستخدام سلاح الطاقة بطرق مبتكرة، مع التنمية المستدامة لبلدانهم في الداخل، ولملمة جراحهم وضبط مجتمعاتهم وتلبية احتياجاتها كي لا تعود إلى الانفجار مجددا.

عندما يحدث هذا، ستكون إيران منشغلة بإشكالاتها الداخلية أكثر، وهي إشكاليات جادة وملحّة وغير قابلة للتجاهل، فغض النظر عنها اليوم سيعني العودة إليها غدا وقد تضخّمت أكثر.




> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى