​فرحان (التلال) غلبان ..!

> محمد العولقي

>
* لم تستطع كرة القدم ، أن تنساه أو تتجاهل صولاته وجولاته ، في ملاعبها الغبراء و الخضراء ، لكن أربابها تناسوه وتجاهلوه وتسربوا من حياته وواقعه المرير والمؤلم كما يتسرب الماء من بين الأصابع.

* احتفظت له الملاعب الجنوبية بمكانة رفيعة بين عمالقة الزمن الجميل، نكهته بين أقرانه ليس لا مثيل، لكن مسؤولي اليوم من متطحلبين ومتخلفين ، تنكروا لتاريخه الطويل ، وألقوا به إلى قارعة الرصيف ، يعيش على بقايا صبر ، وهو يسأل ليله الطويل عن الصب متى غده؟ .. إلى شعبة (الجوفمعويات) من هيدرا وطحالب قابضة على رياضتنا يأتي اليوم نجم من زمن آخر غير زمانهم ليلقنهم درساً في قوة الإرادة وفي الأمانة والموضوعية والإخلاص والوفاء والقناعة.

* من بين ركام التاريخ الجنوبي والتلالي الطويل يطل علينا النجم الدولي السهم الأحمر (حسين فرحان) بكل توابع مأساته ليفضح ممارسات وعبث ذوي القربى في وزارة عابثة تأوي الأقربين وتدلل العاهات وتسترضي المتخلفين وتصرف على الفاشلين في زمن الاستقطابات السياسية ، التي يدفع ثمنها نجوم أثروا ملاعبنا بملاحمهم الكروية ، وأولهم بطبيعة الحال الطائر التلالي حسين فرحان.

* يأتي الكابتن حسين فرحان ليدق ناقوس العيد وليذكرنا بما مضى وليصدمنا بواقع مرير لا يقبل إلا بفرقة (إن شفت شي في طريقك وأعجبك شله)، يأتي (حسين محمود فرحان) من تحت ركام التاريخ ، لينفض الغبار عن أرفف تاريخنا التليد ، ثم يطلق صرخة مظلوم في الليلة الظلماء ، حيث يفترش الشارع ويلتحف السماء ويعد نجومها حتى مطلع الفجر .. إنه حسين فرحان اللاعب باذخ الألقاب الذي كانت صوره الفوتوغرافية في استديوهات كريتر تضرب كل الأرقام القياسية.

* عندما أخفق حسين فرحان في نيل حقوقه ، دون ضجيج ودون عويل ، رحل إلى عالم الانزواء بوجه داكن هربت منه الدماء وبملامح منقبضة أطفأت الكثير من بريق عينيه ، ذلك العشق التلالي القاتل ، لازال زاده وسلواه ونجواه في رحلة الانزواء الأخيرة .. في زمانه كان يصفف كل الألقاب ويقلب فيروزها بحس شاعر ولهان متيم بالفانلة الحمراء.

 * مرة حلق بجناحي صقر ، ومرات حلق بجناحي نورس ، ومرات كثيرة حلق بجناحي سنونو ، فمن غيره كان يأتي بالربيع إلى قلعة التلال الحمراء؟ .. لم يكن جناحاً تقليدياً ولا مهاجماً كلاسيكياً ، بل كان لاعباً عصرياً رشيقاً ، يعرف كيف يتموضع وكيف يكون بوصلة ترشد إلى كل اتجاهات المرمى ، لم يكن أحد ليضاهي حسين فرحان في خفته ، وفي سرعته ، وفي إقلاعاته التي تشبه الإعصار، كان لاعباً زئبقي الأرضية الترابية في وداعة.

* يأتيكم اليوم حسين فرحان وقد عضته الحياة بنابها ، وأدبرت في وجهه البريء ، دون سابق إنذار ، لا بيت .. لا مأوى .. لا وظيفة ، لكنه طوال صداقته بالرصيف ، وآلامه ، لكنه عندما عاش مشرداً بلا خطيئة ، أماط قليلاً من اللثام ، عن عار ذوي القربى، إهتزت كريتر كلها لكلماته المؤلمة عن حياته الشاقة ، سمع صداها من به صمم إلا رجالات وزارة الشباب والرياضة الذين لا يفرقون بين الصابون ودولة الجابون.

* هل يعلم الوزير أن حسين فرحان بلا بيت؟ .. هل يعلم أنه بلا مأوى؟ .. هل يعلم أنه يبحث فقط في نهاية النفق المظلم عن بقعة ضوء تنهي مأساته وتجعله يعيش على الستر؟ .. هل يعلم أنه بلا معاش وأنه يقتات الفتات من (كرتونة) يبيع فيها على ناصية الشارع؟

* لاحظوا أن حسين فرحان حتى وهو يعيش حياته بدرجة (غلبان) احتفظ دائماً بجينات نبل الأخلاق، لم يحسد زميلاً، لم يغتب وزيراً، لم يتجن على ناديه الذي يتفرج على مأساته ، ويرفض الاستفادة من خبرته في مجال تربية الأجيال الصغيرة ، ظل حسين فرحان في أوج أزمته تلالياً عفيفاً نظيفاً قانعاً بما كتبه الله له ، لم يتسول أمام باب وزير ، ولم يشحت أمام دوار المحافظ ، ولم يناشد رئيس جمهورية اتحاد الكرة ، ولم يحرك آليات الإعلام لإنصافه ، وتبني مأساته ، ظل ذلك الشهم الوفي الفرحان الذي يحدث الصغار عن الأمل رغم ما يعتري جسده النحيل من ألم.

* مخجل جداً أن نجماً كبيراً مثل (حسين فرحان) يحيا حياة ضنكاء ، ليس فيها سوى مشاهد تراجيدية حزينة ، بينما اللصوص والمفسدون والقراصنة ينهبون خيرات البلد تارة بشعارات الوحدة أو الموت ، وتارة أخرى بشعارات الولاء للأحزاب الفاسدة.

* ماذا يصنع حسين فرحان بأمجاده الكروية في وطن ولاته هم الناهبون لحقوقه؟ .. أين السلطة المحلية من معاناة هذا الرجل المبدع؟

* رسالتي الأخيرة لوزير الشباب والرياضة الأخ نائف البكري : "إناء وزارتك ينضح بما فيه من معتوهين ومنافقين  ومتسلقين ، فهل يمكنك الالتفات ولو بنصف عين لمأساة الكابتن حسين فرحان ، فتكسب نقطة بيضاء في مشوارك الحكومي قد تنفعك كثيرا في أقرب يوم أسود؟

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى