لماذا تقتل الحرارة الأوروبيين فيما يتعايش معها الشرقيون؟

> نجود سجدي

> وجود متخصصين في التكيف البشري مع تغيرات المناخ بات أمرًا ضروريًا.

في صيف عام 2022 أصبحت درجات الحرارة ترتفع ثم ترتفع ثم تزداد ارتفاعًا في معظم أنحاء العالم، نحن بالطبع نعرف ذلك ونستعد له كل عام، لكن ما يحدث حاليًا ليس صيفًا كما اعتدنا أن نعرفه؛ بل هو شيء آخر مختلف فقد تحولت بلدان عدة خلابة في أوروبا إلى علب مشتعلة، فسجلت مئات الوفيات جراء موجة الحر الشديد التي تضرب القارة العجوز وجرى إجلاء آلاف الأسر.

هذا الارتفاع المطرد في درجات الحرارة قاد أيضًا إلى نشوب حرائق هائلة في مساحات واسعة من الغابات في عدد من الدول الأوروبية مشكلة خطرًا صحيًّا كبيرًا خصوصًا على الأطفال وكبار السن على الرغم من عدم تجاوز درجات الحرارة 40 درجة مئوية على خلاف ما يحدث في الشرق الأوسط حيث تصل درجات الحرارة إلى 51 درجة مئوية، مما جعل الطقس في الدول الأوروبية محور حديث الناس في المنطقة، ما الذي يحدث لكوكب الأرض؟ لماذا تقتل درجات الحرارة الأربعينية المئات في بعض دول العالم بينما يتعايش معها الناس في الشرق الأوسط؟


فقد سجلت بعض مناطق الشرق درجات حرارة مرتفعة نسبياً، ففي الكويت بلغت درجة الحرارة 43 درجة مئوية، بينما سجلت كل من عمان والإمارات والسعودية أكثر من 44 درجة مئوية ووصلت درجات الحرارة في العراق إلى 47 درجة مئوية وسجلت إيران ما يقرب من 42 درجة.

ولفهم ما يحدث بشكل مبسط، يشير الأكاديمي السعودي بقسم الجغرافيا بجامعة الملك سعود، فيصل المجلي إلى أن "مقدار الانحراف عن المعدلات الطبيعية هو السبب الرئيس في ذلك، حيث إن متوسط درجة الحرارة الكبرى في لندن خلال يوليو يصل إلى 23 درجة مئوية فقط، إلا أن لندن سجلت الثلاثاء 19 يوليو، أكثر من 40 درجة مئوية. فدرجات الحرارة التي تعد عادية في بعض المناطق تمثل موجة حارة بالنسبة لمناطق أخرى، حيث يتوقف تعريفنا للموجة الحارة على المعدلات الطبيعية لمنطقة معينة".

وأوضح المجلي أن "مقدار الانحراف عن درجات الحرارة الطبيعية تجاوز 17 درجة مئوية هناك، وقياسًا على ذلك، فإن هذا يعني أن تسجل مدينة مثل الرياض 60 درجة مئوية فوق المتوسط الطبيعي الذي يقع في حدود 43 درجة مئوية للحرارة الكبرى في يوليو، وهذا الأمر بطبيعة الحال غير محتمل حتى لسكان المناطق الصحراوية". وأضاف أن "الأنظمة الطبيعية والبشرية بمختلف مكوناتها لا تمتلك القدرة على التكيف بشكل سريع مع هذه التغيرات الشديدة وغير المسبوقة في درجات الحرارة، ولهذا نجد الحرائق تنتشر في أجزاء مختلفة من أوروبا نتيجة لدرجات الحرارة المتطرفة والمدفوعة بموجات الجفاف التي شهدتها أوروبا خلال الفترة الماضية".


إن التكيف مع التغيرات المناخية بات ضرورة لا مفر منها، وتعرف اللجنة الدولية للتغيرات المناخية "إي بي سي سي" التكيف على أنه عملية التأقلم مع المناخ الفعلي أو المتوقع وتأثيراته في الأنظمة البشرية ويهدف التكيف إلى التخفيف من الأضرار أو تجنبها".

وأشار المتخصص في شؤون المناخ إلى أن "كثرة الوفيات في الدول الأوروبية نتيجة لعدم الاستعداد وتكيف المجتمعات مع التغيير المفاجئ في المناخ، لأن قسمًا كبيرًا من سكان تلك الدول لا يملكون أجهزة تكييف كما هو مألوف في الدول الصحراوية الحارة، الأمر الذي يسهم بشكل كبير في زيادة مستويات الإجهاد الحراري والإعياء بالتالي ارتفاع احتمالية الوفاة نتيجة التعرض لدرجات الحرارة المرتفعة كما حدث في صيف 2003 حيث راح ضحية موجات الحر نحو 70 ألف نسمة في أجزاء واسعة من أوروبا، بالتالي من المرجّح أن يشهد الطلب على خدمات التكييف في الدول الأوروبية ارتفاعًا ملحوظًا.

وتفاعل المغردون على الإنترنت مع موجة الحر بتعليقات لم تخل أحيانًا من الظرافة، إذ تفاعل رسام الكاريكاتير السعودي عبد الله جابر باستمتاع العائلة السعودية بجمال الجو في لندن.

وعلق كثير من السعوديين على استمتاعهم بالجو على الرغم من ارتفاع درجة الحرارة فتجدهم يتناولون كوب الشاي على الرغم من وصول درجة الحرارة إلى 50، فقال أحدهم في تغريدة "موجة حارة تضرب بعض دول أوروبا بلغت 40 درجة... وتسجيل وفيات

وحالات إغماء وإجهاد حراري #رساله_اليوم ما شاء الله علينا درجات الحرارة تصل 50 و 47 ونطلع نتمشى ونشرب قهوة بالزنجبيل ونحط فلفل حار مع الأكل #الحالة_الجوية".

وعن أسباب تشكل هذه الموجة الاستثنائية ألقى الأكاديمي السعودي باللائمة على انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. وأشار بعيدًا من الأسباب الميترولوجية المعروفة، إلى أن التغير المناخي المدفوع بزيادة انبعاث الغازات الدفيئة الناتجة عن حرق الوقود الأحفوري يعد السبب الرئيس لارتفاع درجات الحرارة، ليس في أوروبا فحسب بل في معظم أنحاء الأرض، حيث ترتفع درجات الحرارة بنحو 0.18 درجة مئوية لكل عقد تقريبًا منذ فترة الثمانينيات الميلادية.

وعلى الصعيد العالمي يتوقع أن تزداد مشكلة ارتفاع درجة الحرارة مع التغيرات المناخية الحاصلة وقد حذرت المنظمة الدولية للأرصاد الجوية من أن موجات الحرارة الناجمة عن تغير المناخ، والتي تسببت في ارتفاع درجات الحرارة في بريطانيا إلى أعلى مستوى لها ستصبح أكثر شيوعًا وأكثر حدة في العقود المقبلة. وأضاف الباحث في شؤون المناخ فيصل المجلي، أنه "من المحتمل أن يستمر هذا الارتفاع في ظل استمرار انبعاث الغازات الدفيئة عند مستوياتها الحالية".

ويبدو أن آثار التغير المناخي باتت محسوسة فعلًا ولم يعد الحديث عنها شيء من الترف بحسب قول الخبراء، فإن الأزمة ستزداد سوءًا؛ إذ بلغ الاحتباس الحراري للأرض نحو درجة مئوية واحدة فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية، فكل نصف درجة (أو حتى أقل من ذلك) من الاحتباس الحراري للأرض لها أهميته.

وبحسب قول المتخصصين، فإن موجات ارتفاع الحرارة ستحصل على نحو أكثر تكررًا وستستمر لفتره أطول ويصبح هطول الأمطار الغزيرة أكثر شدة وتواترًا في كثير من الأنحاء كما ستظل المحيطات تزداد حرارة وسيستمر مستوى البحر في الارتفاع.

كذلك لفت المجلي إلى أنه من المحتمل أن تفرض هذه الموجات الاستثنائية مزيداً من الضغوط على صناع القرار حول العالم، "ففي ظل الأزمات التي تواجهها العديد من الدول في ملفات الطاقة والاقتصاد والأمن والغذاء يكون اتخاذ القرار في التخلي عن الوقود الأحفوري، عصب الحياة، أصعب من أي وقت مضى، ولهذا يتعين إيجاد سياسات ذكية وجادة توازن بين الإبقاء على درجة حرارة الأرض عند مستويات محتملة والاستفادة من مصادر الطاقة المتاحة".

"إندبندنت عربية"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى