حول تعيين رئيس المحكمة العليا

> منذ فترة قريبة ثار جدل واسع بين الأوساط القضائية والحقوقية عامة حول الشروط الواجب توافرها لشغل وظيفة النائب العام ومدى توافرها فيمن يشغلها.

ويثور اليوم جدل مماثل بين هذه الأوساط فيما يتعلق بالشروط الواجب توافرها فيمن يعيّن رئيس للمحكمة العليا، وأود التذكير باستمرار بابتعادنا التام عن أي خلفية سياسية عند تناولنا للمواضيع التي تكون محل جدل بين هذه الأوساط، لذلك فان تطرقنا لهذا الوضوع الهام يهدف حصريا إلى إلقاء الضوء على تجارب بعض البلدان عند تنظيمها مسألة التعيين في وظيفة رئيس المحكمة العليا للبلاد.

ويجدر بنا في هذا الصدد أن نشير إلى أن نظامنا القانوني لا يميز بين قضاة الحكم وقضاة النيابة العامة في المعاملة سواءً من حيث التأهيل أو التعيين أو الترقية أو الجزاءات التأديبية، كما أنه لا يوجد مانع قانوني يحول دون انتقال القضاة من سلك النيابة العامة إلى سلك القضاء الجالس أي قضاة الحكم. ولا ينفرد نظامنا القانوني بهذه المزية بل أن هناك الكثيرمن الدول المتقدمة قد سبقتنا بالأخذ بها.

وعادة عند النظر في قضية قانونية أو قضائية هامة يرجع القانونيون في الدول النامية إلى السوابق التي تتناول هذا الموضوع في الدول الديمقراطية العريقة ذات التقاليد القانونية الراسخة، ولقد ارتأينا أن نضرب مثلا في إحدى الدول الآسيوية ذات التقاليد الديمقراطية العريقة والتي شهدت وتشهد ترسخ التقاليد القضائية فيها، ونقصد بالتحديد الهند، وبلدين آخرين هما سيريلانكا، وبلدا أوروبيا صغيرا كان في الماضي مستعمرة بريطانية وهوعضو حالي في الاتحاد الأوربي ونقصد هنا مالطة، كما تم اختيارنا أخيرا على أحد رجال النيابة العامة في بلد افريقي رفض ترشيح رئيس البلاد له لتولي منصب رئيس المحكمة العليا ونعني في هذا المقام زامبيا، ولكن قبل استعراضنا الموجز لهذه المسالة في هذه البلدان الثلاثة يجدر بنا معرفة النص القانوني في القانون رقم 27 لسنة 2013 في بلادنا الذي يحكم تعيين رئيس المحكمة العليا والاجراءات الواجب اتباعها عندئذ، أنه نص المادة 59 على النحو التالي:

المادة 59 : يكون تعيين رئيس المحكمة العليا ونائبيه وقضاة المحكمة بقرار من رئيس الجمهورية بناءً على عرض رئيس مجلس القضاء الأعلى وبعد موافقة المجلس وذلك من بين قائمة أسماء تتولى هيئة التفتيش القضائي إعدادها للعرض على المجلس مشفوعة بكافة البيانات وتقارير الكفاءة المتعلقة بمن تشملهم القائمة.

التجربة الهندية في تعيين رئيس المحكمة العليا

يوجد نص وحيد وفي غاية الاختصار يتناول موضوع تعيين رئيس المحكمة العلياهو نص المادة 124(1) من الدستورالهندي التي تنص كما يلي:

"توجد محكمة عليا للهند تشمل رئيس المحكمة العليا " وهكذا لم ينص الدستور الهندي على كيفية تعيين رئيس الحمكمة العليا واكتفى بذكر رئاسته للمحكمة العليا.

وعليه نجد الدستور الهندي صامتا ولا يشير مطلقا إلى المعايير أو الإجراءات الواجب اتباعها فيمن يعين رئيس للمحكمة العليا الهندية، وعليه يعود الفقهاء والقضاة والمشرعون الهنود إلى السوابق الدستورية والأعراف التي حكمت ولا زالت تحكم هذه المسألة.

وتشير السوابق الدستورية الهندية إلى أن قضاة ورئيس المحكمة العليا للهند يتقاعدون عند بلوغهم سن الخامسة والستين، و عند بلوغ رئيس المحكمة العليا السن القانونية يقوم بترشيح أقدم أعضاء المحكمة العليا لتولي منصب رئيس المحكمة العليا وذلك إلى رئيس الوزراء الذي بدوره يرفعه إلى رئيس الجمهورية الذي يقوم بإصدار قرار التعيين.

ولكن هذه السابقة قد تم خرقها مرتين فقط وتم ذلك أثناء فترة رئيس الوزراء انديرا غاندي، ففي السابقة الأولى عينت قاضيا في المحكمة العليا رئيسا لها رغم وجود قاضٍ أقدم منه وبالتالي أحق منه بتولي المنصب، أما السابقة الثانية فتتعلق بتعيين انديرا غاندي رئيسة الوزراء غير القاضي المؤهل للتعيين في هذا المنصب لكون ذلك القاضي المقصي من التعيين كان ضمن هيئة المحكمة العليا التي أصدرت حكما ضد الحكومة فعاقبته بتعيين غيره رئيسا للمحكمة العليا.

ولا تعني الأقدمية بأنها الاقدمية ببلوغ سن الخامسة والستين فقط، فمثلا إذا عيّن قاضيان في نفس اليوم وحلفا اليمين في اليوم ذاته تحسب الأقدمية في هذه الحالة بأيهما قضى فترة أطول من الآخر في عضوية المحكمة العليا، فمثلا إذا كان عمر أحدهما 60 عاما والآخر 55 عاما بينما يكون القاضي ذو 60 عاما له 5 سنوات سابقة فقط في عضوية المحكمة العليا، وتكون عضوية القاضي الأصغر منه سنا الأطول منه في عضوية المحكمة العليا كأن يكون قد عيّن فيها من 7 سنوات سابقة، فعليه يكو ن القاضي الأصغر سنا ولكن الأطول من حيث المدة في عضوية المحكمة العليا هو المؤهل لشغل رئاسة المحكمة العليا.

وهكذا نرى أن التجربتين الهندية واليمنية تتفقان من حيث النص على ضرورة أن يتم اختيار رئيس المحكمة العليا من بين أعضاء هذه المحكمة العليا، ونرى اختلافهما أي الجمهورية اليمنية والاتحاد الهندي في تطبيق شرط الأقدمية في عضوية المحكمة العليا لأننا نلاحظ أنه في عهد الجمهورية اليمنية تم تجاهل شرط الأقدمية في التعيين في أحيان كثيرة لأسباب سياسية لا نميل لذكرها لانحصار موضوعنا في إطاره القانوني المحض .

وهناك موضوع آخر يرتبط بمسالة تعيين رئيس المحكمة العليا يتعلق بمدى جواز تعيين النائب العام رئيسا للمحكمة العليا، وفي هذا الصدد نجدد أن النظام القانوني اليمني مثله مثل غيره في بعض البلدان ومنها بلدان أوروبية عريقة يجيز انتقال قضاة النيابة إلى قضاة حكم، ولكننا لم نجد بلدا أوروبيا عريقا في ديموقراطيته وفي تقاليده القضائية ينص على جواز أن يعين النائب العام في منصب رئاسة المحكمة العليا والاستثناء الوحيد لهذه القاعدة المضطردة تمثلها دولة أوروبية صغيرة تتمثل بجزيرة كانت قبل نيلها استقلالها مستعمرة بريطانية وحاليا عضو في الاتحاد الأوروبي. ونقصد هنا دولة مالطة التي تجيز ذلك.

والدولة الآسيوية التي تجيز للنائب العام تولي رئاسة المحكمة العليا هي سيلان (سيرلانكا) التي عينت موهان بييرس Mohan Peirs الذي شغل منصب النائب العام خلال 2009-2011 ثم عين رئيسا للمحكمة العليا في 2012 اعقبه حدوث اضطرابات خطيرة عصفت بالبلاد وأدانتها المنظمانت الحقوقية الدولية.

ونختم عرضنا الموجز بمثال من دولة افريقية هي زامبيا حيث عرض رئيسها ساتا Sata في عام 2014 على المحامي العام تشيسولو chisolu وهو المنصب الثاني بعد النائب العام وكان تشيسولو يشغله في التسعينات، تولي رئاسة المحكمة العليا الزامبية فقال تشيسولو لرئيس الجمهورية ساتا أنه حافظ على مدى سنوات عديدة على نظافة اسمه ولا يريد أن يلطخه لذلك يرفض تولي رئاسة المحكمة العليا، ختاما يسرنا أن نبارك لرئيس وأعضاء مجلس القضاء الأعلى على حصولهم على ثقة مجلس القيادة الرئاسي الصادر بهم قراره رقم 31 متمنين لهم التوفيق والنجاح في كافة مهامهم الجسيمة وعلى الخصوص في تطوير أوضاع القضاء وتحقيق المطالب المهنية للقضاة والإداريين في السلطة القضائية .

" ختاما يسرنا أن نبارك لرئيس وأعضاء مجلس القضاء الأعلى ورئيس وأعضاء المحكمة العليا ورئيس وأعضاء هيئة مكافحة الفساد على حصولهم على ثقة مجلس القيادة الرئاسي لشغل وظائفهم البالغة الاهمية في حياة المجتمع، متمنين لهم التوفيق والنجاح بالقيام بمهامهم الجسيمة و على وجه الخصوص في تطوير أوضاع القضاء ومكافحة الفساد وتحقيق المطالب المهنية العادلة القضاة وإداريي السلطة القضائية."

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى