​إثر غياب كامل للسلطات المسيطرة .."الضالع" مشاريع خدمية بجهود ذاتية

> تقرير/محسن فضل :

>
تعيش مناطق شمال محافظة الضالع (جنوب صنعاء، بنحو 250 كيلومترًا) الخاضعة لسيطرة أنصار الله (الحوثيين) في ظل واقع خدمي منهار، يرسم لنا في تجلياته حجم المعاناة المتراكمة على سكان تلك المناطق.

من مديرية جُبَن شرقًا، مرورًا بمديرية دَمْت، وحتى مديرية الحشا غربًا، ترتسم المعاناة في أبشع أشكالها، وتتشكّل في عدة صور تراجيدية مختلفة، ليس فيها سوى انعكاسات لحالة أليمة ومواقف محزنة، أنتجتها حرب عبثية مستمرة منذ سبع سنوات، أعادت نمط الحياة في هذه المناطق إلى زمن العصور الوسطى.

وتسيطر جماعة "أنصار الله" منذ سبع سنوات على مناطق شمالي محافظة الضالع، المتمثلة بـ(دمت، جبن، الحشا، وأجزاء ريفية من مديرية قعطبة)، وطوال هذه الفترة لم تقدِّم الجماعة لأهالي تلك المناطق سوى المزيد من فرض الضرائب والجبايات؛ من رسوم النظافة والتحسين إلى ما يتم فرضه من مخصصات مالية لدعم جبهات القتال تحت مسمى "الجهاد بالمال".

ورغم الإيرادات المالية الضخمة التي تجنيها من مناطق شمال الضالع، لم تكلف نفسها حتى القيام بردم حفرة واحدة في أيٍّ من الطرقات المتهالكة.


طرقات تؤرق المواطنين

في مطلع عام 2006، تم ربط عدد من مديريات شمال الضالع بعدد من شبكات الطرق المعبّدة، أبرزها الطريق الرابط بين مديريتي (دَمْت وجُبَن)، وكذلك الطرق الرابطة بين مديرية دمت بالنادرة (محافظة إب)، إلا أنّ هذه الطرقات لم تدم طويلًا، فسرعان ما أصبحت مهترئة بعد 10 سنوات من إنشائها، وذلك بسبب الفساد والغش الذي شاب هذه المشاريع.

وخلال فترة الحرب المستمرة منذ أكثر من سبع سنوات، أصبح وضع هذه الطرق متدهورًا جدًا، وفي كثير من الأماكن لم تعد صالحة للاستعمال، وأصبح السير فيها يمثل مغامرة كبيرة لمعظم السائقين.

 معظم المواطنين في مناطق شمال الضالع باتوا يدركون أنّ من يتولى زمام الأمور في منطقتهم، ليس من أولوياته العمل على توفير الخدمات وإنشاء المشاريع، وتحقيق المصلحة العامة، ولهذا ليس أمامهم إلا أن يتكاتفوا في سبيل تحقيق مصالحهم المشتركة
وتسببت هذه الطرقات المتهالكة منذ 2015 (عام الحرب)، وحتى اليوم، في القضاء على أرواح العشرات من المواطنين. حدث ذلك على مرأى ومسمع مسؤولي جماعة أنصار الله (الحوثيين) دون أن تحرك أي ساكن.


مبادرات مجتمعية

"من رحم المعاناة تولد المعجزات"، مقولة تنطبق على الجهود المجتمعية التي بذلها أهالي مناطق شمال الضالع، لا سيما في مديريتَي دَمْت وجُبَن، تكلّلت بإنشاء طرق فرعية معبدة، وكذلك إعادة إصلاح طرقات رئيسية بجهود ذاتية.

وكانت البداية من قرية الخضيرية، منطقة حجاج، التابعة لمديرية جبن، حيث عمل أهالي القرية على تعبيد الطريق الفرعي الممتد من الطريق الرئيسي الرابط بين دمت وجبن، إلى وسط القرية والذي يبلغ طوله نحو تسعة كيلومترات بتكلفة مالية بلغت مليونًا و765 ألف (دولار).

ولم تكن قرية الخضيرية القريةَ الوحيدة المستفيدة من هذه الطريق المعبدة، بل توجد عدة قرى مستفيدة، تقع في المحيط المجاور للقرية؛ منها قرية القواري، وقرية القحالل، وقرية المحجر، وقرية موث، وقرية الفريع، بالإضافة إلى قرى السراة وميفعان وشعراء، إذ بدأ أهالي هذه القرى يجمعون الأموال لاستكمال مشروع الطريق المعبد إلى قراهم المتجاورة.

وغير بعيدٍ عن قرية الخضيرية، أنجز أهالي قرية محرم حجاج المجاورة الطريقَ الفرعية المؤدية إلى القرية، بعد أن ظلت تشكّل هاجسًا للأهالي والقاصدين إليها، إذ كان الوصول إلى القرية حصرًا على مركبات خاصة، بسبب وعورة الطريق التي تمر عبر سائلة تنفذ منها سيول الأمطار القادمة من الجبال المرتفعة المحيطة بالقرية من ثلاث جهات.

وفي السياق، باشر أهالي قرى منطقتي الحبيشية وحجاج منذ نوفمبر العام الماضي (2021)، العمل لإعادة إصلاح الطريق الرئيسي الرابط بين مديرتي دمت وجبن، حيث جمع الأهالي عشرات الملايين كمرحلة أولى للبدء في عملية إصلاح الطريق المتهالكة والتي باتت تؤرق كل عابريها.

ويبلغ طول الطريق التي تشهد عملية الإصلاح نحو 17 كيلو مترًا، وتمتد من قرية دار الحاج شرقًا وحتى مدينة دمت غربًا، وتُنجز كل هذه الإصلاحات بجهود الأهالي الذاتية القائمة على التبرعات الشخصية ودعم المغتربين من أهالي المنطقة نفسها.

وتكتسب هذه الطريق أهمية كبيرة لكونها تربط بين مديريتين، هما: دمت وجبن، بالإضافة إلى كونها تربط بين محافظة الضالع ومحافظة البيضاء عبر مديرية رداع، فضلًا عن استفادة عشرات الآلاف من المواطنين الذين يقطنون القرى المترامية على امتداد الطريق.

أسباب حتمية

وحين يصل زائرٌ ما إلى تلك المناطق شمالًا، يُبادر إلى ذهنه سؤال: لماذا يقوم الأهالي بإنشاء وإصلاح طرقات على نفقتهم الخاصة، في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يمر بها سكان اليمن بشكل عام؟!

عند ذلك تكون إجابة السؤال بإجماع عدد كبير من المواطنين المهتمين بمتابعة إنجاز تلك المشاريع، أنّ السبب يتمثل في يأسهم المطلق من عدم وجود الدولة التي ترعى مصالحهم وتوفر لهم الخدمات الأساسية، التي تعد الطرقات واحدة منه.

كما أنّ معظم المواطنين في مناطق شمال الضالع باتوا يدركون أنّ من يتولى زمام الأمور في منطقتهم، ليس من أولوياته العمل على توفير الخدمات وإنشاء المشاريع، وتحقيق المصلحة العامة، ولهذا ليس أمامهم إلا أن يتكاتفوا في سبيل تحقيق مصالحهم المشتركة، وهو ما حدث بالفعل بدءًا من حرصهم على استمرار العملية التعليمية وتوفير مرتبات المعلمين وبناء الفصول الدراسية وإنشاء الطرقات وحواجز المياه.

ومن بين الأسباب التي دعت الأهالي في هذه المناطق لتنفيذ هكذا مشاريع، حاجةُ سكان المنطقة لهذه الطرقات بعد تزايد عدد المركبات الخاصة بالمواطنين بأنواعها المختلفة، بالإضافة إلى الشعور بالمسؤولية في ضرورة العمل على تقليل حوادث السير الناتجة عن تهالك الطرقات بنسبة كبيرة.


انعكاسات إيجابية

وعكَسَ التكاتف المجتمعي شمال الضالع، صورةً إيجابية في مدى الشعور بالمصلحة المشتركة والترابط الوثيق بين سكان القرى والمناطق، بالإضافة إلى موقف مغتربي المنطقة، والذين كان لهم الدور الكبير في إنجاز مثل هذه المشاريع الخدمية، والأهم من ذلك ولادة فكرة المبادرات المجتمعية على مستوى المنطقة، التي لها أهمية بالغة في تحقيق المصالح المشتركة، بعيدًا عن التحيزات الحزبية والمناطقية الضيّقة.

أخيرًا، هل يدرك أطراف الصراع والمتسببين بهذه الحرب وهم يشاهدون هذه المشاريع التي تتحقق بجهود ذاتية، أنّ الحرب ليست سوى أداة هدم، لا يقبض عليها إلا من لا يستطيع البناء، وأنه قد آن الأوان لتتوقف، من أجل ترك فرصة للتعافي وإعادة البناء والتعمير وتحقيق أقل ما يمكن في سبيل مصلحة الجميع.

"خيوط".

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى