مزيدا من الفقر

> عندما تحل الأزمات الاقتصادية بكافة انواعها وخصائصها في اي دولة ، متقدمة أو متأخرة، فإن أضرارها الاقتصادية عادة تصيب العموم ، وبدرجة أكثر تأثيرا وضراوة وقساوة على الطبقة الدنيا من المجتمع.

- وأن كانت هذه الأزمات ومسبباتها تختلف من بلد إلى آخر، فإن الحصيلة النهائية واحدة، هي "تباطؤ وانكماش الحركة والنشاط في أغلب/ كل قطاعات ومحركات الاقتصاد " وتحديدا تراجع فعلي في حجم ومستوى الإنتاج والاستهلاك والاستثمار والتوظيف (البطالة) ومستوى الأجور والحساب الجاري... إلخ، وهو واقع راهن عاصف تعيشه أقطار العالم، غنيها وفقيرها، كبيرها وصغيرها من الأزمات والمشاكل الاقتصادية منذ العام 2020 م، بسبب جانحة الكورونا، ونرى ذلك بوضوح فريد في اقتصاديات دول متقدمة كالولايات المتحدة وأوروبا تحديدا واليابان والتي أصيبت جميعها بالمعضلة الاقتصادية الكبرى "التضخم".

تعريفه: هو انخفاض القوة الشرائية للعملة مع زيادة مستمرة في متوسط مستوى الأسعار لسلعة من السلع والخدمات خلال فترة زمنية معينة. وقد وصل مارد التضخم هذا إلى مستويات لم تجرب منذ اكثر من 4 عقود كانت محصلته تدهور ملموس بمستوى معيشة الغالبية العظمى من "الطبقة العاملة المتوسطة" .وتمثل هذه العمود الفقري لاقتصاديات تلك الدول خاصة وعموم الاقتصاديات الناشئة.

- وبرغم أخذ هذه الدول مجتمعة بسياسات مالية /نقدية (تدابير بنحو 17 تريليون دولار أمريكي - صحيفة الاقتصادية ) في وضع مخارج وحلول لهذه للأوضاع، إلا أن عموم تلك الدول لم تتعافَ إلى مستويات ماقبل "الجانحة".

- أما فيما يخص اليمن فقد ارتفع فيه معدل التضخم السنوي إلى 45 % في العام 2021م (عدن تايم).

علما أن اليمن يعاني من " كساد اقتصادي Economic Depression " نتيجة الحرب الأهلية المستمرة منذ قرابة 8 سنوات أدت إلى "ضمور مخيف" في حجم الناتج الوطني الإجمالي -GDP ، من نحو 44 مليار دولار أمريكي في العام 2014م إلى أقل من 20 مليار دولار أمريكي في العام 2021م، كما صاحب هذا التدهور الكارثي في الاقتصاد اليمني، ارتفاع غير مبرر وغير منطقي في حجم الدين العام (نحو 100% من حجم الاقتصاد ). وهنا يلتقي خطر وقوع أزمة غذائية ومديونية متداخلة في اليمن التي أصبحت بالفعل في خطر كبير يهدد ببلوغها مرحلة المديونية الحرجة أو أنها بلغت هذه المرحلة بالفعل(البنك الدولي).

وكان القطاع المصرفي أحد الضحايا الرئيسين لهذا الواقع والذي أصابه شلل ميؤوس تعافيه ( الجفاف المالي - الدين العام بالريال) احجمت مرغمة بسببه البنوك عن الوفاء بكامل التزاماتها لمودعيها وعملائها (رغم التحسن النسبي لهذا الوضع لدى بعض البنوك)، ولكن ما يدعو إلى الاستغراب والسخرية معا هو إقدام البنك المركزي "مؤخرا" على طرح أُذون الخزانة التمويلية بالريال اليمني و"كأنك يا أبو زيد ماغزيت".

- ومن السلبيات الخطيرة منذ العام 2015م تدهور سعر صرف الريال مقابل الدولار الأمريكي بحوالي 85 % (طبع تريليونات عملة بدون غطاء ). وقد تسبب هذا في تراجع "مميت وفتاك" في القدرة الشرائية للمواطن نتج عنها زيادة مضطرة وغير مسبوقة ومستمرة في أعداد "الفقراء" على مستوى الوطن، ومعلوم أن هناك الآن شريحة واسعة من الشعب تعيش على "وجبة غذائية متواضعة واحدة في اليوم ".

- وبناءً على تقرير من اليونيسيف فمن المتوقع أن يتفاقم الوضع الإنساني في اليمن خلال الفترة من يونيو إلى ديسمبر 2022، واحتمال أن يصل عدد الأشخاص غير القادرين على "تلبية الحد الأدنى" من احتياجاتهم الغذائية إلى رقم قياسي يبلغ 19 مليون شخص، نحن دولة تستورد أكثر من 90 - 95 % من احتياجاتنا الأساسية عامة والغذاء على وجه الخصوص، ولدينا معضلة الانفجار السكاني والذي يعتبر واحد من "أعلى النسب" عالميا مما يودي بدوره على الضغط في اتجاه زيادة الطلب على السلع الأساسية وبالتالي زيادة الواردات منها متسببة في "اختلالات أساسية" في الميزان التجاري (الواردات أكثر من الصادرات) يصبح الريال فيها وسعر صرفه مقابل الدولار الأمريكي أول "القرابين/الأضحية"، وتستمر بذلك "دوامة غلاء الأسعار " (التضخم)، ويبدو أن مصر العروبة ،يحفظها الله من كل شر وسوء ومؤامرة، تختبر حاليا تبعات مثل هكذا وضع أدت إلى انخفاض سعر صرف الجنيه المصري بأكثر من 20 % مقابل الدولار الأمريكي. وبدأت أسعار السلع والخدمات، خاصة المستوردة، بالارتفاع (تضخم).

- ومن ناحية أخرى، فمن الواضح للعيان ان موضوع الوصول إلى "التسوية السياسية" (كما تسمى) بين الفرقاء المتحاربين هي أولا وأخيرا الهدف والمبتغى لكل الأطراف الإقليمية والدولية، ولكن في واقع الأمر هي خاوية وعقيمة طالما بقي التجاهل المتعمد للوضع الاقتصادي الغير إنساني ويستمر المواطن، كرها، في الانزلاق في "حفرة الفقر العميقة والمظلمة".

- هناك من يدعي أن حالة "وقف الحرب" ستعكس إيجابا / ستقضي على "حالة الفقر" الراهنة وستأتي بتحسن في الأوضاع الاقتصادية عامة وأحوال المواطن الحياتية تحديدا، وهو ادعاء واستنتاج باطل من أساسه طالما وأن هناك استمرار وتدوير للقاعدة السياسية الحالية والتي ستتمحور منها (التسوية) وفي حينها، ولنا في لبنان مثال حي وعبرة لمن يعتبر.

- على متعهدي التسوية السياسية، وإن حسنت النيات، الإعداد والبدء بانتقاء قيادات ونخب وطنية مؤهلة تبحر المواطن ومستقبله الاقتصادي إلى بر الأمان ولعل دول كفيتنام وإثيوبيا وبروندي وموزمبيق هي خير برهان في هذا الشأن، خرجت من حروب عسكرية/أهلية ومن خلال استقرار سياسي (بالدرجة الأولى ) ونخب حاكمة قيادية وطنية صادقة فقد أصبحت اقتصاداتها من الأسرع على مقام العالم نقلت شعوبها إلى مستويات اقتصادية معيشية أفضل وأعلى مما كانوا عليه تاريخيا ومازالت هذه الإنجازات مستمرة دون هوادة.

- في " أيام السلم" فإن عملية الإعمار وإعادة الإعمار تمثل "التحدي الجبار" و "الأصعب المطلق" وفيه تسخر كل الموارد والإمكانيات السيادية لبلوغ هذا الهدف( إن وجد).

ومن خلال تجارب ووقائع الدول، ففي أثناء هذه المرحلة (البناء/إعادة الأعمار) تزداد المعاناة الحياتية والمعيشية خاصة لدى شرائح القاعدة الشعبية العريضة والمتضررة في الأصل، ولقد عانت وقاست كثيرا شعوب أوروبا الغربية حياتيا - معيشيا لمدد تقارب الـ15 عاما أثناء أعمال البناء/إعادة الاعمار بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، هذا برغم توفر الامكانيات المالية والائتمانية (مشروع مارشال).

اذا، نأخذ هذا السيناريو بالاعتبار ونحضر المخارج والحلول الكفيلة بتخفيف وطأتها المؤلمة، مثال تبني مشروع مارشال سعودي إماراتي /خليجي خاصة لمعالجة آثار الحرب القائمة خلال فترة زمنية تمتد من 5 إلى 10أعوام، ومن حيث الإمكانيات المالية لهذه الدول فيمكن تحقيقه دون أدنى صعوبة إذا علمنا أن دول مجلس التعاون الخليجي ستمتلك ،بفضل من الله، فوائض مالية تقدر بنحو 400 مليار دولار أمريكي في إيراداتها السيادية خلال 2022/2023 نتيجة ارتفاع أسعار النفط (تقرير بنك HSBC). كما أن مثل هكذا مشروع وبجزء لا يستهان منه أن يعود بالنفع والفائدة الاقتصادية والمالية لاقتصاديات دولها من خلال مشاركة شركاتها ومؤسساتها التخصصية وقطاعها الخاص.. إلخ في مشروع "الأعمار /أعادة الأعمار".

- مستقبلا نريد حياة كريمة ولو بحدها الأدنى للمواطن بعد معاناة مستدامة تطورت لعقود طويلة (شمال وجنوب) لم تتوقف أو تنتهي حتى مع قيام الوحدة في العام 1990م.

- ولكن ،وبالمقارنة لقياس فداحة الوضع الحياتي الصعب، يمكن القول ان بلاء ومحن السبع سنوات الماضية ونتائجها المعيشية القاتلة القائمة والمستمرة تكون قد فاقت وبمراحل، كمًّا وكيفًا المعاناة الحياتية( السبع العجاف) لشعب مصر الفرعونية فترة "سيدنا يوسف" عليه السلام

-"لا نريد مزيدا من الفقر" .

والله المستعان.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى