الدعوى المستعجلة في القضاء الإداري

>
بعد الاطلاع على أحكام المحكمة الإدارية في عدن الخاصة  بقبول دعاوى مستعجلة والحكم بتعليق وعدم تنفيذ قرارات وزير الخدمة المدنية وعددها خمسة قرارات وزارية، كان لابد لي كمختصة أن أدلوا بدلوي وأوضح مفهوم الدعوى المستعجلة في القضاء الإداري وذلك على النجو الآتي:

القاعدة العامة أن القرار الإداري الصادر من الإدارة قابلًا للتنفيذ بمجرد استكمال عناصره، أي أنه يُعد نافدًا من تاريخ صدوره، وأي قرار صادر من الإدارة يُعد نافد من تاريخ التوقيع عليه، ويجب تنفيذه تنفيذا مباشرا ضمانا لاستقرار المعاملات الإدارية وهو قرار نهائي ويحقق أثره القانوني، والتنفيذ المباشر للقرار رخصة للإدارة تترخص في إجرائه بحسب مقتضيات المصلحة العامة.

وعلى المتضرر من القرار الإداري الطعن بالإلغاء أمام المحكمة الإدارية خلال فترة ميعاد الطعن.

أما من حيث الترتب على التنفيذ أضرار، لا يمكن تداركها، فإنه يمكن اللجوء قضائيا لتوقي تلك الآثار ووقف تنفيذها بصفة مؤقته إلى أن تحكم المحكمة في دعوى الإلغاء وذلك بشروط:

1 - أن يكون طلب وقف التنفيذ مستندا إلى دعوى إلغاء القرار المطلوب وقف تنفيذه، ذلك أن وقف تنفيذ القرار ليس بغاية في ذاته، ولكنه تمهيد لإلغاء القرار، وحكمة اشتراط طلب وقف تنفيذ القرار في نفس صحيفة دعوى الإلغاء ضد هذا القرار،  هي أن طلب وقف التنفيذ هو أمر متفرع عن طلب الالغاء الأصلي، فهو- أي طلب وقف التنفيذ - لا يعدو أن يكون طعنا في القرار المطلوب الغاؤه، وإن وجه الاستعجال الذي يبرر هذا الطلب وفقا للقانون هو أن يترتب على تنفيذ القرار الإداري نتائج يتعذر تداركها، واحتمال هذا الخطر يكون متلازما زمنيا مع القرار ذاته من يوم صدوره تبعا لقابلية هذا القرار للتنفيذ المباشر بوصفه قرارًا إداريًا، يضاف لما سبق أن جمع طلب وقف التنفيذ حتما مع طلب الإلغاء له حكمة ثانية وهي أنه يحقق اتحادا في بدء ميعاد الطعن في القرار إلغاءً ووقفًا ، ويمنع بالتالي الاختلاف والتفاوت في حساب هذا الميعاد بداية ونهاية، وهكذا جمع طلب وقف التنفيذ مع الطلب الأصلي بالإلغاء في دعوى واحدة هو شرط جوهري إذا تخلف يحكم القاضي بعدم قبول طلب وقف التنفيذ.

2 - شرط الاستعجال فهو يعني أن تنفيذ القرار يرتب نتائج يتعذر تداركها فيما لو حكم بإلغاء القرار، كما لو صدر قرار بهدم منزل أثري، أو حرمان طالب من أداء الامتحان أو بمنع مريض من السفر إلى الخارج للعلاج، كذلك القرار الإداري المعدوم الذي ينزل إلى حد غصب السلطة، لا يعدو أن يكون مجرد عقبة مادية في سبيل استعمال ذوي الشأن لمراكزهم القانونية المشروعة مما يبرر بذاته مطالبهم إزاء تلك العقبة بصفة مستعجلة.

3 -  شرط المشروعية أو الجدية: فهو يعني أن يكون طلب وقف التنفيذ مبنيا على أسباب جدية، والاسباب الجدية هذه تفيد المحكمة أن ترى من ظاهر الأوراق بناء نظرة أولية أن القرار معيبا بأحد العيوب القانونية مما يرجح معها احتمال إلغائه عند بحث موضوع دعوى الإلغاء، وهكذا نرى أن وقف التنفيذ من الأمور المستعجلة وموقف القاضي الإداري منه يماثل موقف القاضي المستعجل في القضاء العادي.

 فالقاضي في بحثه للجدية يضطر لتكوين نظرة أولية تشير لأول وهلة بترجيح عدم مشروعية القرار ولكن دون بحث تفصيلي متعمق لعيوب القرار من حيث تحققها فعلا أو عدم تحققها.

أن رقابة القضاء الإداري للقرارات الإدارية – سواء في مجال وقف تنفيذها أو في مجال إلغائها- هي رقابة قانونية لمراقبة مدى مشروعيتها من حيث مطابقتها للقانون نصًا وروحًا، فينبغي ألا تلغي قرارًا إداريًا إلا إذا شابه عيب من هذا القبيل والا تقف تنفيذ قرار إلا إذا كان على حسب الظاهر من الأوراق ومع عدم المساس بأصل طلب الإلغاء عند الفصل فيه، متسماً بمثل هذا العيب وقامت إلى جانب ذلك حالة الاستعجال. 

ومن المسلمات أن سلطة وقف التنفيذ مشتقة من سلطة الإلغاء وهي فرع منها، مردها إلى رقابة المشروعية التي هي وزن للقرار الإداري بميزان القانون.

 ومن ثم يتعين على المحكمة الإدارية ألا توقف تنفيذ قرار إداري إلا عند قيام ركن الاستعجال وركن الجدية.

 بعد الاطلاع على الأحكام الصادرة من المحكمة الإدارية في عدن وتعليق قرارات وزير في الحكومة الحالية هدفه ترتيب وتنظيم وضع الإدارات التابعة لوزارته خاصة بعد تقرير الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة ووجوب تغيير القائمين على هذه المؤسسات.

وعليه نرى أن قاضي المحكمة الإدارية في عدن كان عليه الا يقبل طلب وقف قرار إداري دون وجود دعوى أصلية ( دعوى إلغاء) أمام المحكمة توازي الطلب المستعجل لوقف القرار.  وذلك مخالف لنص المادة 244 من قانون رقم 40 لعام 2002م  بشأن المرافعات والتنفيذ المدني بحكم ان الدعاوى المستعجلة في القضاء الاداري لابد من ان يسبقها أو يوازيها  دعوى منظورة امام القضاء( دعوى الغاء)،  قد يشير البعض إلى أن النص يشير كذلك الى الاستقلال في رفع الدعوى. صحيح ولكن ذلك ينطبق وفق المادة رقم (239) من القانون فقط على المسائل المدنية والتجارية والأحوال الشخصية، فالقضاء الإداري في اليمن كتجربة جديدة لم ينظم كيفية الاجراءات والمرافعات الإدارية مثله مثل بعض الدول العربية التي أخذت بالقضاء الإداري ولم يكن لديها قانون إجراءات ومرافعات إدارية ولذلك طبقت في البداية قانون المرافعات المدنية وحاولت أن توازن بين المصلحة الخاصة والمصلحة العامة  وترجيح المصلحة العامة فيما يتعلق بتسيير المرافق العامة وحسن سير عملها ولا تُغلب المصلحة الخاصة على حساب المصلحة العامة، وعليه كان يجب على القاضي الاداري اليمني كقاضي انشائي وليس كقاضي تطبيقي ان يجتهد ويأخذ بتجارب الانظمة الاخرى وفي حالة عدم وجود النص يأخذ بروح القانون، وخاصة أن القانون يقول أن تكون المسائل المستعجلة تبعاً لدعوى منظورة أمام المحكمة، وأن يكون محايدًا في تطبيق القانون.

ثانياً: كان على قاضي المحكمة الإدارية المذكور البحث في عريضة طلب التنفيذ بوقف القرار المقدم من مقدم الطلب وجه للاستعجال و الجدية في الطلب، ويرى هل إلغاء قرار اداري معيوب بأي عيب من عيوب المشروعية ( الاختصاص، والسبب، والمحل، والشكل، والغاية)، أمر لا يمكن تداركه في دعوى إلغاء ممكن يقدمه المدعي أمام المحكمة الادارية وهل هناك ضرر خطير وجسيم على المدعي طالما أن المدعي يستطيع رفع دعوى إلغاء القرار أمام القضاء، وحتى لو تحجج قرار حكم المحكمة المذكورة أننا في حالة ظروف استثنائية، العكس صحيح ففي الظروف الاستثنائية تتمتع الإدارة بسلطات واسعة لتنفيذ قراراتها، وبعد انتهاء الظرف الاستثنائي يحق للمدعي اللجوء للقضاء لرفع دعوى الغاء لأنه في الظروف الاستثنائية من أولويات الإدارة ( السلطة التنفيذية) أن تحافظ على النظام العام بعناصره كافة، وتعمل على حسن سير عمل المرافق العامة باتخاذ كافة التدابير القانونية لذلك. وبالرجوع لقرار الحكم الصادر من المحكمة الإدارية في عدن بوقف أو تعليق تنفيذ القرارات الإدارية بحجة الظرف الاستثنائي وتعليق تنفيذ القرار الإداري لحين انتهاء الظرف الاستثنائي وإيجاد مقر للمحكمة، فهذا يخالف طبيعة حكم وقف تنفيذ القرار الإداري في القضاء الإداري الذي هو عبارة عن وقف مؤقت، لان قرار وقف التنفيذ في هذا الحكم  ليس معلق لحين النظر في دعوى إلغاء أمام المحكمة الإدارية التي تنظر في ميعاد تقادم معروف بفترة محددة أي مدة الطعن في القرار الإداري وإنما هو تعليق لحين انتهاء الظرف الاستثنائي أو لحين وجود مقر للمحكمة وهي فترة تطول بطول فترة الظروف الاستثنائية، وهذا يخالف نص المادة رقم (252) من قانون المرافعات والتنفيذ المدني المذكور، وبهذا يكون الحكم الصادر بتعليق أو تنفيذ القرار الإداري الصادر من المحكمة متعمد عرقلة الإدارة في نشاطها وعرقلة عمل و سير المرفق العام بانتظام واضطراد وهو مبدأ مهم من المبادئ العامة في القانون الإداري، والوزير له أسبابه الموضوعية في التغيير وهو تجفيف منابع الفساد التي تنغمس به هذه المؤسسة الإيرادية.( تقرير الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة).

وعليه يجب الإشارة إلى أن أي طلب لا يحمل صفة الاستعجال والضرر البليغ الذي لا يمكن تداركه لا يمكن قبوله، لأن وقف تنفيذ هذه القرارات الإدارية يشل ويعطل نشاط الإدارة، وخاصة أن هذا النشاط يعتمد في معظمه على القرارات الإدارية لتسيير المرافق العامة، و منطوق حكم القاضي الإداري في هذا الجانب يشير إلى الظرف الاستثنائي كما أشرنا أعلاه وتعليق تنفيذ القرار لحين تحديد مقر المحكمة وهذا أمر خطير وهو تغليب مصلحة فرد على مصلحة عامة، وعدم تنفيذ قرار الوزير واستمرار الفاسدين في مناصبهم.

وعليه فأن القرارات المتعلقة بمرافق عامة أو التي تتعلق بحفظ النظام العام ( الأمن العام أو السلامة العامة أو الصحة العامة) لا يجوز باسم استعجال فردي من المدعي تعطيل تنفيذها، والسبيل الوحيد لتعطيلها هو الحكم بإلغاء أحد أو بعض هذه القرارات في الأساس فقط، إذا كانت معيبة بأحد أوجه عدم المشروعية التي أسلفنا ذكرها أعلاه ولكن لا يجوز وقف تنفيذها لاتصالها بالمرافق العامة، وعليه ينفذ القرار أولًا وعلى من له مصلحة الطعن بالقرار أمام المحكمة الإدارية والقاضي الإداري حينها ينظر بمشروعية القرار من عدمه.

* أستاذ القانون العام
نائب عميد كلية الحقوق – جامعة عدن 

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى