إن تقييم أهمية المواقع الجغرافية للمدن ليس ثابتًا، فالمدن تتغير وتتطور أو تتعرض لغزوات وصراعات لتقف بعدها عجلة التطور فيها، وهذا يؤثر على سمعتها وموقعها الجغرافي بشكل مباشر وعلى الوضع العام للبلد وخاصة الوضع الاقتصادي والأمني.

حتى يومنا هذا لا يزال الموقع الجغرافي لكل مدينة ينعكس على مصير سكانها وتاريخها، إما أن يرفع الموقع شأن المدينة وسكانها نحو قمة الأناقة والتطور مثل دبي والإسكندرية وجدة أو يجرها نحو الهاوية مثل عدن.

أثرت الحروب بشكل سلبي عميق على مدينة عدن والعديد من جوانب حياة السكان، كون القتال في المناطق الحضرية لعدن كان مدمرًا بطبيعته، وأدى إلى نسف البنية التحتية التي يعتمد عليها بقاء السكان وسلامتهم وراحتهم مثل المنتجعات السياحية والشواطئ وقنوات الصرف الصحي وأنظمة النقل ومصادر مياه الشرب والمستشفيات والمصانع ومحطات الكهرباء.

الله خلق الجبال الخلابة في أوروبا والمناظر الطبيعية المذهلة، وخلق كذلك الامتداد الرائع لمدينة عدن بين البحر الأحمر وبحر العرب وجعلها نقطة التقاء لسفن العالم والتجارة وفي نفس الوقت مدينة مغناطيسية ذات جاذبية عالية للطامعين والغزاة الذين اجتاحوا عدن طوال تاريخها سوى بالقوة العسكرية أو الناعمة، وإذا كان هذا الأمر يبدو من الصعب فهمه، فيكفي أن تنظر إلى موقعها على الخارطة وتقرأ تاريخها.

مدينة عدن منذ استقلالها عن بريطانيا لاتزال في علاقة صعبة للغاية مع الزمن والموقع ومع بعض العقليات، وهناك أدلة مقنعة على ترابط ديكتاتورية الجغرافيا وبعض البشر الذين أحيوا فيها ثلاث قضايا رئيسية صعبة الفهم أولها إهمال الموقع الجغرافي الاستراتيجي والمميز، الأمر الذي فتح شهية المطامع لدى القريب والبعيد وأثر سلباً على سمعة وتطور المدينة والاستثمار فيها وكذلك على أمنها القومي، ثانياً انتشار أنواع معينة من الفساد الأسود في المدينة يحتاج إلى جهود جبارة لاستئصاله، ثالثاً قصور الفهم لدى البعض من استحالة أي تنمية في المدينة دون أي دور فعال لأبنائها في ذلك وفي إدارة شؤونها وقراراتها المصيرية.

متى ستظهر نخبة من العقلاء في هذه المدينة قادرة على أخذ زمام المبادرة لعلاج المدينة من متلازمة الدمار والاجتياحات وتوجيه بوصلتها نحو التنمية وتخليصها من الآفات التي تعيش وتستفيد من الفوضى وعدم الاستقرار، والأهم هو تخليص المدينة من عقدة ديكتاتورية الجغرافيا وبعض البشر.