خالد الوافي.. قصة شاب يمني أصم وأبكم يهوى التصوير

> هشام سرحان

> رغم انتقال الشاب الأصم والأبكم خالد عبده مهيوب الوافي (17 عاما) إلى الدراسة في مدينة تعز، إلا أن شغفه المزمن بممارسة التصوير الفوتوجرافي يعيده في أوقات فراغه إلى قرية قشيبة التابعة لمديرية جبل حبشي غربي المدينة، حيث مسقط رأسه الذي ولد وترعرع فيه، وعاش طفولة معذبة وسنوات قاسية، ولم يجد مدرسة لذوي الاحتياجات الخاصة ليتعلّم فيها، لكنّه وجد فيه هوايته ومتسعا لممارستها.

ومع كل رحلة يستيقظ في أعماق الوافي حلمه في أن يكون مصورا بارعا، فيتجول في أنحاء قريته والقرى المجاورة لها، وبحس الفتى الموهوب يمعن النظر في تفاصيل المكان وتضاريسه وأجوائه، ويبحث عن ملامح الماضي والمناظر الفاتنة والنباتات والطيور والفراشات، ليلتقط لها صورا بهاتفه المحمول المتواضع، الذي أهداه إليه أحد أقاربه، كما يقول لموقع "بلقيس".


وبالرغم من تواضع إمكانياته وافتقاره إلى الكاميرا ومعدات التصوير الأخرى، وعدم توفّر الدعم، وتردّي الأوضاع الاقتصادية لأسرته، التي يعيلها والده النّجار (10 أفراد بينهم شقيق وشقيقة يعانيان من الإعاقة نفسها) يحاول التغلّب على إعاقته المزدوجة، والصعوبات التي تعترضه، ويواجه قبح الحرب، وتردي الأوضاع بجمال الصور التي يلتقطها.

ويجيد الوافي اقتناص ملامح الجمال الآسر للطبيعة والأجواء الساحرة، ويختار كعادته زاوية مناسبة ليلتقط صورا بديعة، يوثّق بها تلك التفاصيل الريفية الفاتنة، ويضفي عليها شيئا من براءته وشغفه وإحساسه الفني وبراعته الفِطرية، كما يعطي كل منظر بُعدا جماليا، ويمنحه الكثير من البهاء والنقاء والحياة وأسرار الجذب، وكل ما يشي ببراعته في التصوير الفوتوجرافي.

وينشر بعض الصور، التي يلتقطها، في صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك)، كما يحتفظ بنسخة رقمية لجميع صوره التي التقطها خلال عدة سنوات من عُمر تجربته في التصوير الفوتوجرافي، كما يذكر لموقع "بلقيس" عن طريق الكتابة.


- صناعة الجمال-

ويتفنن في تجميل الصور، التي يلتقطها للطبيعة، في حين يعجز عن إخفاء الكثير من الأسرار التي تبوح بها ملامح وجهه، التي تخفي البؤس والشقاء والمعانات وشدة الاحتياج، ويوضح لموقع "بلقيس": "أوضاعي مع أسرتي صعبة، ولا أمتلك المال اللازم لتوفير احتياجاتي، وعلى رأسها كاميرا".

ويقوم بتصوير مقاطع فيديو، ونشرها في حسابه الشخصي على "فيسبوك"، بعد إخضاعها للمونتاج، الذي يروق له أيضا حسب صديقه أحد أبناء قريته مجد الدين سعيد، الذي لفت لموقع "بلقيس" أن الوافي يستخدم عددا من التطبيقات الخاصة بتحرير الصور والفيديو، ويتطلع نحو اتقان صناعة المحتوى من خلال متابعة مشاهد تعليمية لهذه المهنة، وذلك على اليوتيوب.

ويضيف سعيد "يعمل خالد على نقل الجانب الإيجابي والوجه الجميل لمنطقته الريفية، ويساعد أبناء قريته على التقاط الصور، وتطوير مهاراتهم في مجال التصوير الفوتوجرافي، الذي اكتسبه من خلال الممارسة والتعلّم الذاتي، وهو اليوم يطمح نحو مواصلة التعليم والالتحاق بالجامعة لدراسة التصوير والمونتاج، وتحويل هوايته إلى مهنة مدرّة للمال اللازم لإعالة أسرته".

تعليميا يتصدّر الوافي، الذي التحق بالمدرسة في سن العاشرة، قائمة أوائل الطلاب في فصله، وهو اليوم يدرس في الصف الخامس الابتدائي، يراوده حلم مواصلة التعليم الذي تعثّر بفعل عدم توفّر مدرسة مناسبة في قريته، التي غادرها مع أسرته، وتوجهوا نحو مدينة تعز بحثا عن مرفق لتعليمه، لكن الحرب الدائرة في المدينة تسببت بانقطاعه عن التعليم مرة أخرى.

والتحق عام 2013، بمدرسة للصم والبَكم قرب السجن المركزي، وبعد سنتين اندلعت الحرب، ونزح مع أسرته إلى مسقط رأسه، وأقاموا قرابة عامين، انتهت بقطع مليشيا الحوثيين الطريق المؤدي إليه، الأمر الذي أجبرهم على العودة إلى المدينة، التي أراد فيها مواصلة الدراسة، لكن المليشيا ذاتها دمّرت المدرسة، وأحرقت وثائق الطلبة.

بحث شقيقه عن مدرسة أخرى في مدينة تندر فيها المدارس المخصصة لذوي الاحتياجات الخاصة، وتمكّن من العثور على مدرسة الصمود، التي تقع بالقرب من المستشفى الجمهوري، لكن إدارتها طلبت الوثائق الخاصة بالسنوات السابقة، التي تثبت تخطي خالد الصفين الدراسيين (الأول والثاني)، وهو ما صعب توفيره، واضطره إلى معاودة الدراسة من الصف الأول الابتدائي.


- أبجديات -

ويتعلّم عن طريق لغة الإشارة، وهي الطريقة التي يتلقى بها المعلومات من معلميه في المدرسة، وبعض أفراد أسرته في المنزل، الذي يراجع فيه دروسه.

يلفت أحد أشقائه إلى أنه مجتهد في دراسته، ويتعامل بمسؤولية في توزيع أوقاته، إذ يواظب على حضور الحصص في المدرسة، وبعد العودة منها يذاكر دروسه، التي ما إن ينتهي منها حتى يخرج إلى التجول في الحارة، وممارسة التصوير، أو اللعب مع رفاقه.

ويشير براق الوافي إلى أن شقيقه خالد يعود في العطل والإجازات إلى قريته، ويلتقط فيها صورا متنوعة لمناظر طبيعية وغيرها، كما يقوم بتعليم أقرانه بعض مهارات التصوير، التي يتعلّمها أحيانا في جولاته برفقة الصحفي نائف الوافي.

ويضيف: "ما إن يرى أي أحد من رفاقه يحاول التقاط صورة، يبادر في تعليمه كيف يمسك بالهاتف، ويوجّه العدسة، ويختار الزاوية المناسبة، كما يلقّنهم مهارات التصوير في جلسات المقيل، التي يستعرض فيها الصور التي التقطها بهاتفه المتواضع، ويقارنها بنظيراتها التي التقطها رفاقه بهواتفهم المتطوّرة".

ويقوم خالد الوافي بتصوير كل شيء جميل وملفت لانتباهه، كالمعالم الأثرية والمناظر الخلابة والمكسية بالخضرة والطيور والزهور وتفاصيل الحياة الريفية والأجواء الماطرة.

ويحرص على تطوير مهارته من خلال الاستمرار في ممارسة هذه الهواية، والتنقل من أجل ذلك بين العديد من المناطق، والاطلاع على أعمال المصوّرين المحترفين.

وتشتد حاجته لكاميرا، حيث كتب عن ذلك في صفحته بـ"فيسبوك"، إلى جانب أدوات لتخزين الصور، التي لا تتسع لها ذاكرة هاتفه المحدودة، ما يدفعه نحو نقلها إلى أخرى خارجية، ويمتلك العديد منها، وتحوي قرابة 5 آلاف صورة، إلى جانب قرابة ألف صورة مخزّنة في جواله.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى