​سبتمبر.. رؤية مغايرة

> ​لم يخضع التاريخ لمراجعة نقدية لا تطأطئ الرأس لمسلمات قائمة لم ينزل الله بها من سلطان و إنما هي محض توجهات سياسة الأمر الواقع، فالثوابت الوطنية و تحويلها إلى تابو مقدس هو في الحقيقة شبيه بصنم التمر الذي عبده صاحبه و عند الحاجة أكله.

فكل الظواهر التاريخية في السياسة والاجتماع بحاجة لمعالجات علمية أكاديمية تعتمد المنهج الحيادي للخروج برؤية أقرب إلى الواقع للأحداث التاريخية الخلافية
الحرص كان على تجميع فرقاء العمل الوطني في الجنوب، قادة وسياسيين ومناضلين وفدائيين وحتى تمثيل لسلطنات الجنوب العربي، من قبل التوجيه المعنوي الداعي إلى ندوة (الثورة اليمنية) من خلال مايسترو التوجيه حسن الشاطر رجل الرئيس صالح المقرب.

وكان بالإمكان أن نتسم بسلامة الطوية وحسن النية لو رأينا - كجنوبيين - تمثيلا مماثلا في الجانب الشمالي يضم الطرف الملكي الأمامي مثلا الذي خاض حربا من ثماني سنوات من 1962-1970م لاستعادة مملكة الإمام البدر الذي أسقطته الثورة ليلة الخميس 26سبتمبر 1962م.   
كان بإمكان سبتمبر أن يكتسب بعده الشعبي ويمد حبله السري من داخل تكوين الانقلاب الذي قاده العسكر مجردا من الجماهير إلى الجماهير نفسها ليغدو الحدث - فيما بعد - ثورة وجماهيريا بمعنى الغلبة والغالبية.

سبتمبر لم يكن له أن يجتاز أو يقفز أو يحرق مرحلة الإمامة بمجرد سقوط قذائف (المارد) على قصر البشائر، أو بمجرد سماع الناس لصوت محمد الفسيل أو عبدالوهاب جحاف (الخلاف مازال قائما بين الرجلين حول من قرأ البيان الأول للثورة) ليعلن من إذاعة صنعاء قيام الثورة و تأسيس أول جمهورية في الجزيرة العربية، وإلا لكان الأمر أيسر مما حدث بتنصيب ضابط عالي الرتبة هو الرئيس عبدالله السلال ليعتلي سدة الحكم رئيسا على أنقاض الإمام المخلوع، مشابه لما حدث في مصر عند سلمت الرئاسة لصاحب أعلى رتبة هو الرئيس محمد نجيب.

في اليمن للمسألة بعد آخر غير المرتبة العسكرية، وإنما للبعد الطائفي والمذهبي حضورا وأي حضور في بلاد حكمت الزيدية فيها - ببعديها الديني والقبلي - ألف عام ويزيد بالتفاوت ما بين قوة وضعف.
ولإدراك قائد الثورة المحنك الشهيد علي عبدالمغني لذلك البعد ولنقاوة سريرة ابن وادي بنا وتغليبه أهمية نجاح الثورة على ما سواه لإنقاذ شعبه يذهب لصد هجوم مضاد للثورة في مأرب فيقع في كمين مثير للشك ويذهب قائد الثورة شهيدا.

 ولا يعيب سبتمبر بعد ستين عاما أن تكون حركة الجيش هذه مستقاة من روح ومعنى حركة الجيش في مصر التي غدت - فيما بعد - ثورة بل وثورة عالمية، فالبعض ممن تأخذهم العزة بالإثم يريدون فصل سبتمبر عن سياقه المصري العربي.
 ويكفي هنا أن نذكر دور مصر العظيم المعمد بالتضحيات الجسام لانتصار الثورة في اليمن وبقاء الجمهورية، وإلا لكان مصير سبتمبر مماثلا لما حدث لثورة الدستور في فبراير عام 1948م والتي لم تصمد أكثر من ثلاثة أسابيع فقط أمام زحف القبائل على صنعاء بقيادة الإمام أحمد.

 والأهداف الستة لثورة سبتمبر مستلهمة من أهداف الثورة المصرية أيضا وما في ذلك ما يعيب ثوار اليمن، ولكن السؤال الملح هو: إلى أي مدى وجدت هذه الأهداف طريقها للتنفيذ بعد ستة عقود من الزمان الثقيل، لنشاهد ونشهد قبل ثلاثة أيام فقط عودة الملكية بقوة إلى صنعاء بإنزال علم الجمهورية ورفع أعلام الإمامة الجديدة واستعراض عسكري للقوة يحمل رسالة مفادها، أن الملكية الإمامية بشقها العدناني قد عادت من جديد.

 أما قضية الوحدة اليمنية فلم تتطرق لها أهداف الثورة الستة من قريب أو بعيد، وإنما جرت الأمور بأن يساعد شعب الجنوب إخوانه في معارك الدفاع عن الثورة والجمهورية حين تقاطر الآلاف من أبناء ردفان ولحج والصبيحة والمسيمير ودثينة والضالع وشبوة وعدن وحضرموت ويافع.. إلخ للدفاع عن الجمهورية والثورة واستشهد العديد منهم هناك.

 وكان الدعم المصري لثورة الجنوب انطلاقا من الشمال سببا من أسباب انتصار الثورة ونيل الاستقلال الوطني في نوفمبر 1967م، ولا يجوز تقزيم هذا الدور على حساب دور مجهول ومزعوم لكوبا أو الاتحاد السوفييتي كما ذهب إلى ذلك أحد ساسة الجبهة القومية ثم الحزب الاشتراكي في كتاب له.
 أن العقدة ظلت في الحبل وأن تصفية الملكية الإمامية العدنانية في 1962م، قد مهدت لقيام جمهورية ملكية بصيغة قحطانية لم تكن لتختلف كثيرا عن العهد البائد إلا في بعض التطور الأفقي الذي لم يلامس البنى القبلية المؤثرة مما أعاد البلاد إلى عهد ما قبل الثورة.



> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى