من ذكريات أيام انقطاع «الأيام»

> كانت أياماً ثقيلة تلك الأيام التي غابت عنها صحيفة "الأيام".. صباحات قاسية كئيبة مرت وما زالت في غياب هذه الصحيفة الجماهرية الأولى في اليمن من غير منازع لا سيما في الجنوب، حتى لقد زهدنا في قراءة سائر الصحف الأخرى بما فيها تلك الصحف إلى درجنا على قراءتها من قبل، عشرة طويلة جمعتنا بهذه الصحيفة الغراء قراء وكتاباً ومحبين والعشرة لا تهون إلا على من كان جاحداً وناكرا للمعروف أو موتوراً لِسبب ما، صرنا من غير "الأيام" نتخبط في الظلام فلا أخبار صحيحة محايدة غير مفخخة ولا مستجدات ومتابعات يومية نقرأها مع شاي الصباح ولا كتابات تجلد الفساد والفاسدين تشعرنا بأن الدنيا لا تزال بخير ما دام هناك من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر بهذه الطريقة الحضارية الراقية.

لقد تركت الأيام فراغاً هائلًا في حياتنا وفي معرفتنا لما يحدث من حولنا وبين ظهرانينا حتى نشاطنا ثقافياً وأدبيا وحراكيا لم يكن هناك من يتابعه وينشره مثل "الأيام"، فضلا عن كتاباتنا في الميادين المختلفة حتى التعازي والتهاني في الاتراح والأفراح حرمنا منها.

كانت الأيام عزاءنا في هذا الزمن الكالح ولكنهم استكثروا علينا حتى العزاء، ألا سحقاً سحقاً للظالمين، إن توقيف "الأيام" بهذه الطريقة الهمجية التي تذكر بظلامية العصور الوسطى هو توقيف لحرية شعب بأكمله ومصادرة لحقه في التعبير والنشر والتغيير والمتابعة الواقعية للمستجدات ومعرفة الحقائق والوقائع والأحداث ومحو أميته السياسية والحقوقية والثقافية والحضارية، فالأيام هي لسان حال الجموع الغفيرة من الشعب الذين باتوا اليوم من غير لسان في ظل إيقافها بكل لؤم وخسة، وفي إيقاف "الأيام" طبع وسام على صدر الفساد وتكريماً للفاسدين المتنفذين وسائر الظالمين وكل خفافيش الظلام الذين شافوا وشمتوا حين توقفت الصحيفة بقوة السلاح، والله المستعان على ما يصفون.

إن "الأيام" هي صوت عدن الحضاري والجنوب عامة، بل روحها التي تبث التحضّر والتمدن والمهنية والانفتاح والتسامح وكل قيم الحق والخير والجمال إلى كل مكان ففي إيقافها إهانة لعدن وامتداد لسلبها ونهبها ومسح هويتها فلم تكتف السلطة بأسر صاحب الحق ولكنها أسرت محاميه كذلك.

أجل إن الأيام هي صوت عدن القضية بل صوت الجنوب العادل المناضل مثلما هي صوت المظلومين في كل مكان بحكم رسالتها المهنية من غير تحيز أو تلفيق، وهذا هو الذي أزعج السلطة وقضّ مضجعها ومضاجع الفاسدين المفسدين مع أن صحيفة "الأيام" لم تختلق المشاكل اختلاقا من لدنها ولكنها نقلتها بأمانة مهنية بما في ذلك تفاصيل القضية الجنوبية والثورة السلمية ولو أن السلطة استوعبت ما كان ينشر في "الأيام" من حرب 1994م من قضايا وشكاوى وتململات وأنين مكتوم وكتابات نقدية ودعوات إلى الإنصاف والحق لما وصل البلد إلى ما وصل إليه اليوم ولا احتاجت السلطة إلى إيقاف هذه الصحيفة، بل ستجد نفسها أمام واجب تكريم هذا الصوت المدني المهني "الأيام"، ولكن للأسف فاقد الشيء لا يعطيه، وكل وعاء بما فيه ينضحُ، فهذه السلطة لا تجيد إلا العسف والهمجية في مواجهة النقد ودعوات الإصلاح والتغيير منذ البداية، وها هي حتى الآن لم تعترف بالقضية الجنوبية التي أضحت أمراً واقعاً داخليا وخارجياً بل تسعى السلطة -عبثًا- إلى وأد الحراك السلمي في الجنوب وإفساد الضمير الجنوبي الحيّ وما برحت تعالج آثار الحرب بالحرب نفسها أو تعالج إجهاض الوحدة السلمية بالمزيد من تمزيق الوحدة الاجتماعية والثقافية في النفوس والعقول بعد أن أجهزت على الوحدة السياسية منذ زمن بعيد.

لقد عادت اليوم كل الصحف الموقوفة من أسرها وبقيت "الأيام" وراء القضبان مع سائر الأسرى الجنوبيين.

فمن هنا ندعو كل مؤسسات المجتمع المدني والمنظمات الدولية، وكل المكونات السياسية والشخصيات الاجتماعية وأرباب الآراء الحرة والضمائر الحية إلى التضامن الواسع مع "الأيام" فقضيتها قضية رأي عام بامتياز والتضامن معها هو تضامن مع الحق ومع شعب الجنوب المنكوب، وقضيته العادلة.

التحية كل التحية إلى صحيفتنا الأسيرة الأثيرة "الأيام" وإلى كل أسرى الجنوب الأحرار.

غدا بإذن الله ستعود "الأيام" وتنتصر القضية، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى