​التوجه نحو تسوية منقوصة في السودان يعقّد الأزمة السياسية

> الخرطوم«الأيام»العرب:

> عادت عجلة المفاوضات للدوران مرة أخرى في السودان تزامنا مع اقتراب الذكرى السنوية الأولى لقرارات اتخذها قائد الجيش عبدالفتاح البرهان وأقصى بمقتضاها المكون المدني من الشراكة التي أفرزتها الوثيقة الدستورية عقب الإطاحة بنظام عمر البشير، وسط مخاوف من أن تقود إلى تسوية منقوصة تسهم في استمرار الانسداد وتفاقم الأزمات السياسية والأمنية والاقتصادية.

وأعرب المبعوث الأممي فولكر بيرتس عن أمله بقرب حل الأزمة، لافتا إلى محادثات جارية بين المكونين العسكري والمدني تفضي لاتفاق على فترة انتقالية لمدة عامين.

وشدد فولكر في تصريحات إعلامية الجمعة على ضرورة ألا يكون العسكريون جزءا من المؤسسات خارج السياسة، مشيرا إلى استعداد البرهان للخروج من الحياة السياسية، ودمج الحركات المسلحة في الجيش.

وتجري حاليا المفاوضات برعاية اللجنة الرباعية المكونة من الولايات المتحدة وإنجلترا والإمارات والسعودية، والآلية الثلاثية التي تضم الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والإيغاد، بين المكون العسكري والمجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير بقصر الضيافة في الخرطوم.

وغابت بعض القوى الفاعلة، على رأسها لجان المقاومة والحزب الشيوعي المصران على التمسك باللاءات الثلاثة (لا مفاوضات، لا شراكة، لا شرعية) إلى جانب عدم وضوح رؤية الحركات المسلحة التي ستقبل تسوية تضمن استمرارها في هياكل السلطة والتمسك باتفاق جوبا للسلام الذي وقعته الجبهة الثورية والسلطة الانتقالية.

وكشف رئيس لجنة السياسات بحزب الأمة القومي إمام الحلو لـ”العرب” عن تفاصيل المحادثات الدائرة حول كيفية الانتقال إلى حكم مدني وتشكيل مؤسسات انتقالية مدنية بالكامل بدءا من مجلس السيادة الذي سيرأسه أحد المدنيين والاستقرار على اسم رئيس الوزراء وتشكيل حكومة مدنية بعيدة عن المحاصصة السياسية ووضع أساسيات تشكيل مجلس تشريعي، وتمثيل القوات المسلحة في مواقع السلطة.

وأضاف أن المباحثات تطرقت إلى أن يبقى البرهان في موقعه قائدا للجيش وتمثيله ونائبه في مجلس السيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) في مجلس الدفاع والأمن القومي على أن يرأسه رئيس الوزراء المدني وعضوية قادة الأسلحة الرئيسية في الجيش، وتم فتح نقاش حول تشكيل مجلس أعلى للقوات المسلحة لكن لم يجر التوافق عليه حتى الآن.

وترى دوائر فاعلة في المكون المدني أن تشكيل المجلس قد يصبح هيئة موازية لمجلس السيادة ويشكل استمرارا في تداخل الجيش في قرارات السلطة، ويشكل تراجعا عن أساسيات التفاوض التي تقضي بإعادة الجيش لثكناته وإبعاد قادته عن المشهد السياسي.

وأوضح الحلو لـ”العرب” أن المفاوضات تناقش آليات استقلالية القوات المسلحة عن دوائر السلطة بشكل تام، والتفاوض حول إعادة هيكلتها ودمج الجيوش الأخرى في جيش وطني موحد، على أن تتم الترتيبات الأمنية داخل المؤسسة العسكرية بشكل داخلي بعيدا عن التدخلات السياسية لتستمر الفترة الانتقالية الجديدة لمدة عامين، ويتم خلالها الإعداد للانتخابات الرئاسية المقبلة.

وبرر اقتصار المفاوضات على المكون العسكري والمجلس المركزي كون باقي التيارات المدنية الفاعلة في الشارع ترفض التفاوض.

كما أن قوى الحرية والتغيير (التوافق الوطني) جزء من السلطة الحالية، وتتحالف مع المكون العسكري، وسيجري عرض ما يتم التوصل إليه على القوى التي لم تشارك فيها، الباب مفتوح للانضمام إليها، حال قبلت بما جرى التوصل إليه.

وتدور المفاوضات على أرضية مشروع الدستور الانتقالي لنقابة المحامين الذي نجح في جمع طيف واسع من الفاعلين السياسيين حوله، واكتسب زخما داخليا وخارجيا.

وينص المشروع على إقامة دولة مدنية تتبع نظام الحكم الفيدرالي وتنأى بالمؤسسة العسكرية عن العمل السياسي والحكم ودمج القوات العسكرية في جيش مهني واحد، وحدد مشروع الإطار الدستوري مهام الفترة الانتقالية في مراجعة اتفاق جوبا للسلام الموقع في أكتوبر 2020 وصولا إلى سلام عادل يشمل جميع الحركات غير الموقعة.

وأشار الحلو إلى أن الدستور المعد من قبل نقابة المحامين يحظى بموافقة مبدئية، ويخضع الآن لتعديلات بسيطة سيجري طرحها على القوى السياسية الأخرى، وما ستفرز عنه المباحثات “لن يكون تسوية أو شراكة جديدة بين المدنيين والعسكريين، لكنه تأسيس لسلطة مدنية تُنهي الحالة الانقلابية الحالية”.

ويحقق الوصول إلى تفاهمات أكثر من هدف للمكون العسكري الذي يحاول تهدئة الشارع مع التصعيد المتوقع مع مرور عام على الانقلاب في الخامس والعشرين من أكتوبر الجاري، والاستفادة من الرغبة الدولية في الوصول إلى حل يُنهي الانسداد القائم، والبحث عن مخرج يضمن له استمرار نفوذه بالسلطة دون أن يتركها بشكل كلي وبما يشكل تراجعا عما ذهب إليه في السابق عندما أعلن انسحابه من الحياة السياسية في أثناء المفاوضات التي جرت منذ ثلاثة أشهر برعاية الآلية الثلاثية.

ويعود بمقتضاها المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير إلى رأس السلطة التي خطفها العسكريون بقرارات أكتوبر الماضي، ويكون قد حقق أهدافه، وأبرزها العودة للمسار الديمقراطي وبقاء المدنيين فترة جديدة في السلطة التي تسبق الانتخابات.

وقال أستاذ العلاقات الدولية والدراسات الإستراتيجية بجامعة النيلين اللواء محمد خليل الصائم لـ”العرب” إن الرغبة في الوصول إلى تسوية تُنهي الوضعية الحالية أمر يتوافق عليه المكون العسكري والقوى المدنية، وكافة المواطنين الذين تضرروا من الانسداد.

ويشير الواقع إلى أن فرص إنهاء الأزمة السياسية ضئيلة، لأن المفاوضات تجري بين أجزاء من مكونات مدنية وعسكرية، وهناك خلافات بين الجيوش والكيانات العسكرية، كذلك الوضع بالنسبة إلى القوى المدنية التي تفتت إلى تيارات متباينة.

وشدد الصايم في تصريح لـ”العرب” على أن ما جاء على لسان المبعوث الأممي يبدو متناقضا، لأنه تحدث في تصريحاته الإعلامية عن ضرورة محاسبة الحركات والقوات المسلحة التي ارتكبت جرائم الفترة الماضية، في وقت منح فيه الحق لقادة الجيش الخروج بصورة سليمة من السلطة.

وتصطدم التسوية القائمة بردة الفعل القوية للحزب الشيوعي الذي هدد بإفشال التفاهمات الجديدة، ويشكل ذلك موقفا عاما للحزب ولجان المقاومة، وهما عازمان على إسقاط التسوية والانقلاب، فيما لدى المجلس المركزي للحرية والتغيير قناعة أن هذه المعارضة لن تؤثر على نجاح المباحثات وإنهاء الحالة الانقلابية ولجان المقاومة تتابع عن كثب ما يجري في المباحثات، وليس مستحيلا إقناعها بما يتم التوصل إليه.




> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى