لكل شعب تاريخه الخاص الذي تم تكوينه وتطويره في وقت من الأوقات بإرادة الأفراد ووجود أشخاص عقلاء، وجزء أصيل من التاريخ الجنوبي شاركت فيه بريطانيا والاستقلال عنها بالنسبة للجنوب كان علامة واضحة على وجود دولة ورمز للحفاظ على هوية الشعب، فقد كانت فترة ما بعد الاستقلال فرصة حقيقية لاختيار طريق حاضر ومستقبل الأمة، ومزيد من التحرك نحو مجتمع ديموقراطي وقانوني وتعزيز أعراف المجتمع المدني.
بالمقابل لا توجد روابط للسيادة الإقليمية الواحدة بين الجنوب والشمال قبل أو بعد الوجود البريطاني والعثماني في المنطقة، ومع ذلك لم يكن هناك أي اعتراض من قبل الجنوبيين على الوحدة اليمنية، بل على العكس كانت الناس في الجنوب تنتظرها وتتغنى بها وترددها في قسمها الوطني، لكنهم فوجئوا بعد تحقيقها بحروب وظلم وإرهاب وإقصاء ضدهم، وهي ممارسات أثارت الكراهية والانقسامات ولم تعزز الوحدة المجتمعية أو أسس الدولة الواحدة.
أضاع عفاش وأتباعه فرصة إعادة توحيد النسيج الاجتماعي بين مواطني الشمال والجنوب بعد حرب 1994، الحرب التي دمرت روابط الأخوة والشراكة بين الشطرين وبدلاً من استغلال اللحظة التاريخية لإعادة بناء الثقة والتنمية رغم عدم قبول الجنوبيين بالهزيمة ولا بالوضع الجديد، اتجه عفاش وحلفائه بشكل جاهل ومتغطرس نحو نهب الثروات الجنوبية والتلاعب بالوظائف وأراضي الدولة والعامل الديمغرافي، وقمع الإعلام الجنوبي، الذي كانت أولى ضحاياه صحيفة "الأيام".
نخبة الهضبة بعد فشلها العسكري الأخير في الجنوب تحاول اليوم ملامسة الوعي الجنوبي بلطافة زائفة مع تغير محدود في آليات الاقناع والتأثير النفسي اللاشعوري الخفي التي تلجأ إليها في دعاياتها السياسية لاستقطاب أكبر شريحة ممكنة من البسطاء إلى صفها، فهذه النخبة تعمل عبر مجموعتين، الأولى متواجدة في الجنوب تتظاهر بتمسكها ودفاعها عن الوحدة والثانية في الشمال والخارج تهدد وتشن حرب إعلامية، والفرعان يتظاهران بالخصومة وفي الأساس متفقان ومتفاهمان خاصة حول موضوع إخضاع الجنوب وثرواته لهم.