​لماذا تسعى الهند لمنافسة الصين في إقراض الدول الفقيرة؟

> لندن«الأيام»فاينانشيال تايمز:

> رصدت صحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية توسع جهود الهند في إقراض الدول المجاورة، موضحة أنه مع انتشار مشروعات مبادرة "الحزام والطريق" الصينية في دول جنوب آسيا والمحيط الهندي، عززت نيودلهي إقراضها لمشروعات البنية التحتية الخاصة بها في المنطقة.

وقالت الصحيفة، في تقرير، الخميس، إنه على الرغم من تخلف نيودلهي كثيراً عن بكين في الإقراض الخارجي، إلا أنها كثفت جهودها في السنوات الأخيرة في هذا الشأن، وقدمت عشرات المليارات من الدولارات في شكل ائتمان للدول المجاورة، بما في ذلك البلدان المتلقية لمبادرة "الحزام والطريق" التي تعاني من ضائقة مالية، مثل سريلانكا، كما توسعت الشركات الهندية أيضاً بسرعة، ما خلق ثقلاً موازناً للنشاط التجاري الصيني في المنطقة.

"أفضل من الصين"

"فاينانشيال تايمز" أشارت إلى أن دور الهند كدولة مقرضة نما بسرعة كبيرة، إذ تضاعفت قيمة الإقراض من خلال إدارة شراكات التنمية في الهند، والتي تُقدم من خلالها خطوط ائتمان للحكومات الأخرى 3 مرات تقريباً منذ أن تولى رئيس الوزراء ناريندرا مودي منصبه في عام 2014، مقارنة بفترة الثماني سنوات السابقة لعهده، بإجمالي 32.5 مليار دولار.

ووفقاً لمركز "RIS" للأبحاث المدعوم من الحكومة، تضاعفت المساعدة الإنمائية التي قدمتها الهند منذ استقلالها عام 1947 تقريباً من 55 مليار دولار إلى 107 مليارات منذ عام 2014.

ولكن هذا المعدل يبدو أقل بكثير مما تقدمه الصين من خلال مبادرة الحزام والطريق التي أطلقتها قبل 9 سنوات، والتي تُقدر مؤسسة "American Enterprise Institute" البحثية أنها وصلت إلى 838 مليار دولار، العام الماضي.

ومع ذلك، قالت وزارة الخارجية الهندية إن نيودلهي قدمت أكثر من 300 خط ائتمان لنحو 600 مشروع، بما في ذلك إقامة مصنع أسمنت في جيبوتي، وجسر في جزر المالديف، كما مولت العديد من المشروعات في الخارج بما في ذلك الدورات التدريبية، وترميم المواقع الثقافية مثل المساجد والمعابد.

وأشار الزميل في معهد "مجتمع آسيا" للسياسات في نيودلهي راجا موهان، إلى أنه "صحيح أن الهند ليس لديها القدرة على الارتقاء إلى مستوى (الحزام والطريق)، لكنها تفعل ما هو متاح في نطاقها لتقديم بعض المنافسة إلى الصين".

وعلى الرغم من أن الهند، التي يبلغ عدد سكانها 1.4 مليار نسمة، ستتفوق قريباً على الصين كأكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان، إلا أن اقتصادها لا يزال يقارب خُمس حجم اقتصاد بكين.

مواجهة "الحزام والطريق"

ويرى صانعو السياسة الهنود أن مواجهة مبادرة "الحزام والطريق" أمر حيوي لتجنب أن تصبح البلاد محاطة بالحكومات المؤيدة للصين والبنية التحتية التي يتوقعون أنها قد تخدم يوماً ما المصالح العسكرية لبكين، إذ خاضت الهند والصين صراعات متعددة على مدى عقود، كان آخرها اشتباك مميت على حدودهما في جبال الهيمالايا عام 2020. ويقولون إن الهند استخدمت مزيجاً من السياسة والدبلوماسية لتشجيع الشركات الخاصة الرائدة على متابعة الصفقات التي تُوفر فرصاً تجارية في الأسواق سريعة النمو وتساعد في تعزيز مصالح نيودلهي.

وفي السنوات الأخيرة، توسعت شركات مثل "أداني جروب"، التي يُديرها رجل الأعمال الهندي جواتام أداني وهو ثالث أغنى رجل في العالم ومدافع صريح عن حكومة مودي، إلى العمل في مشروعات الطاقة والبنية التحتية في كل مكان من ميانمار إلى سريلانكا.

وأشارت الصحيفة إلى أن الهند تُقلل علناً من أهمية المنافسة مع الصين، ونقلت عن برابهات كومار وهو مسؤول في وزارة الخارجية يشرف على شراكات التنمية قوله: "نود أن نرى جيراننا يزدهرون، فالتعاون داخل الجنوب يُعد جزءاً كبيراً من سياستنا الخارجية، فالجنوب العالمي مهم بالنسبة لنا، ونحن نفعل ذلك منذ فترة طويلة، ولذا فإن الأمر ليس للرد على أحد".

ومع ذلك، فإن الهند صاغت تمويلها الإنمائي في عهد مودي بعبارات مصممة لتبدو متناقضة مع ممارسات الإقراض الصينية.

وأصبح دور نيودلهي كمقرض إقليمي موضع تركيز، العام الماضي، إذ أدى ارتفاع التضخم العالمي والقوة التاريخية للدولار إلى وقوع العديد من جيرانها في مشكلات مالية، وهو ما بدا أكثر حدة في سريلانكا، التي أصبحت، في مايو، أول دولة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ تعلن إفلاسها منذ عقدين بعد نفاد احتياطاتها من العملات الأجنبية.

دعم سريلانكا

وفي وقت ترك الانهيار الاقتصادي سريلانكا، التي يبلغ عدد سكانها 22 مليون نسمة تُعاني من نقص في الأساسيات اليومية، قدمت نيودلهي إلى كولومبو، نحو 4 مليارات دولار في شكل قروض ومنح لإمدادات الوقود والأدوية والمواد الغذائية الأخرى، وفقاً لوزارة الخارجية الهندية.

ووفقاً لمبعوث سريلانكا في بكين، قدمت الصين أيضاً مساعدات غذائية ومساعدات مالية بقيمة لا تقل عن 1.2 مليار دولار، على الرغم من أنها قاومت في السابق طلبات الجزيرة لإعادة هيكلة قروضها، والتي يبلغ مجموعها حوالي 7 مليارات دولار.

وبينما تُقدم الهند إقراضها كبديل أفضل من الصين، فإن أولئك الذين يعيشون في الجوار لا يرون الأمر دائماً على هذا النحو، ففي جزر المالديف، على سبيل المثال، دشن زعماء المعارضة حملة تطالب بخروج نيودلهي، زاعمين أن المشروعات التي تمولها في بلادهم مجرد واجهة لمنحها موطئ قدم عسكري.

زيادة القوة الناعمة

تاريخياً، كان لنيودلهي سببان رئيسيان لإنفاق مواردها المحدودة في الخارج، هما زيادة القوة الناعمة من خلال المساعدة الإنمائية، والثاني تمويل البنية التحتية الحيوية للتجارة الإقليمية، مثل الموانئ.

وعلى مدى سنوات عملت شركات الطاقة الهندية المملوكة للدولة في مشروعات الطاقة الكهرومائية في دول مجاورة أصغر مثل نيبال، كما أنفقت 3 مليارات دولار على مشروعات في أفغانستان، في محاولة لمواجهة النفوذ الباكستاني في البلاد.

ويرى محللون أن تحسين التواصل الإقليمي يبدو كضرورة واضحة للهند لتعزيز نموها، ومع ذلك، اكتسبت جهود نيودلهي إلحاحاً إضافياً بعد أن استجابت بكين لنقص الاستثمار في المنطقة من خلال ضخ مليارات الدولارات في جيرانها من خلال مبادرة "الحزام والطريق".

ولإشراك الشركات الهندية في مساعيها الخارجية، أطلقت حكومة مودي عام 2015 مخططاً يقدم قروضاً ميسرة "لمشروعات البنية التحتية المهمة استراتيجياً في الخارج".

وفي حين أن الشركات المملوكة للدولة هي التي كانت تتخذ زمام المبادرة في مثل هذه الصفقات في السابق، فإن المحللين يعتبرون أنه لم يذهب أي رئيس وزراء آخر إلى الحد الذي وصل إليه مودي في الترويج للقطاع الخاص، واستخدام رجال الأعمال الهنود لتنفيذ أجندته التنموية محلياً وخارجياً.

وفازت "أداني جروب" بعقود لإقامة مشروعين للطاقة في سريلانكا، وحصلت بشكل مشترك على امتياز لإقامة ثاني أكبر ميناء في إسرائيل، وأعلنت نيتها الاستثمار في تنزانيا، وستبدأ، الشهر المقبل، إمداد الكهرباء من الهند إلى بنجلاديش المجاورة.

وقال أداني لـ"فاينانشيال تايمز" إنه على الرغم من أن استثمارات شركته في الخارج هي قرارات تجارية جيدة ولكنها تساعد أيضاً الهند ومصالح المنطقة.

وعلق الأستاذ في مركز التقدم الاجتماعي والاقتصادي كونستانتينو كزافييه، على هذا التوجه بقوله إنه "نظراً لارتفاع مخاطر العمل في بعض بلدان جنوب آسيا، فإن الشركات الخاصة الكبيرة تسعى بشكل غير رسمي للحصول على دعم من حكومة الهند للحصول على ضمانات سياسية وسيادية".

وأضاف أن "الشراكة بين القطاعين العام والخاص هي أمر حيوي، لأن أي استثمار في البنية التحتية يتطلب ثقل نيودلهي الدبلوماسي حتى يكون ناجحاً".
"الافتقار إلى الشفافية"

ولكن يبدو أن التقارب بين مودي والرأسماليين الهنود البارزين يتسبب في إثارة الجدل في البلاد، إذ يتهم المنتقدون في الداخل والخارج السلطات الهندية بمساعدة "أداني جروب" على سبيل المثال في الفوز بعقود مربحة، كما صرَح رئيس مجلس شركة الكهرباء في سريلانكا، إم إم سي فرديناندو، لبرلمان البلاد في يونيو، بأنه تم منح مشروع للطاقة المتجددة لأداني تحت ضغط من مودي، وهو الأمر الذي نفته جميع الأطراف بشدة، ويقول المحللون إن مثل هذه المشكلات تنبع جزئياً من الافتقار إلى التنظيم والشفافية.

وفي نهاية التقرير، قالت "فاينانشيال تايمز" إن المشروع الهندي لا يزال في مهده، وحتى في الوقت الذي يُشير فيه النقاد في نيودلهي وأماكن أخرى إلى أوجه القصور في مبادرة "الحزام والطريق" في الصين، فإنهم يتوقعون أن تستغرق الهند سنوات لإثبات قدرتها على توسيع نطاق طموحاتها لترقى إلى مستوى طموحات جارتها الأكبر.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى