عناوين ومسميات عدن بين ثوابت الجغرافيا ومتغيرات التاريخ والسياسة

> - اكتسبت عدن أهميتها الجيوسياسية مع الاكتشافات البحرية في أوائل العصر الميلادي وما ترتب على ذلك من انتقال مركز الثقل من الاعتماد على المواصلات البدائية (الجمال والاحصنة والحمير والبغال وغير ذلك)، إلى الاعتماد على المواصلات البحرية.

2- بين الزمنين تشكلت وحدة النسيج الاجتماعي لشعب الجنوب، ففي الزمن الأول ازدهرت الحضارات الزراعية وظهور ممالك الحضارة القديمة: حضرموت وأوسان وقتبان بمراكزها الحضارية على خط التجارة البرية في "ميفعة، شبوة، مرخة، تمنع" وكان ذلك سبباً في اتجاه حركة السكان من المناطق الغربية (عدن ومحيطها) إلى مراكز الحضارة الزراعية في الشرق، أما في الزمن الثاني ومع الاكتشافات البحرية في بدايات العصر الميلادي تحوَّل الثقل من المواصلات البدائية للقوافل التجارية إلى المواصلات البحرية، فتحولت الخطوط التجارية من البر إلى البحر، وحدث الحراك العكسي للسكان من الشرق إلى الغرب، فأصبحت عدن المركز التجاري الاجتماعي والسياسي وتعززت فيها وحدة النسيج الاجتماعي لشعب الجنوب، وبهذا المعنى تشكل في عدن الأساس الذي قامت عليه الهوية الوطنية المستقلة لشعب الجنوب وتفولذت وازدادت رسوخاً مع انتظام علاقة الإنسان بالمكان في هذا الحيز الجغرافي الممتد من باب المندب غرباً الى أقصى المهرة شرقاً، وزادها رسوخاً التكامل بين الإنتاج الزراعي في مراكز الحضارة الزراعية في الشرق وعدن ومحيطها بوصفها مركز التجارة والتسويق عبر خطوط التجارة البحرية، على هذا النحو لعبت ومازالت تلعب الحتمية الجغرافية دوراً حاسماً في رسم مسار التاريخ الواحد لشعب الجنوب.

3 - الاتساع الأفقي الجغرافي للعاصمة عدن والرأسي العددي لسكانها، وعلاقة الإنسان بثوابت المكان عبر الزمان تركت بصماتها القوية على صناعة محطات وأحداث تاريخ هذه المدينة التي تمثل الثغر الباسم للجنوب والبوابة الجنوبية للعالم العربي، فالتحمت في عدن مسارات التاريخ الثلاثة، التاريخ العام للجنوب مع التاريخ الخاص لمدينة عدن من جهة والتاريخ العربي الإسلامي من جهة أخرى.

4 - على هذا النحو تظهر بوضوح حقيقية أن الهوية الوطنية لشعب الجنوب ووحدة نسيجه الاجتماعي نشأت في الامتداد الجغرافي والسكاني لشعب الجنوب، ونمت وتطورت وتفولذت في عدن التي أصبحت المركز الاقتصادي والاجتماعي والسياسي للجنوب كله واتصلت على نحو وثيق بمسارات التاريخ العربي.

5 - يمكننا تمييز ثلاث محطات كبرى في سلَّم التطور التاريخي لشعب الجنوب على كامل امتداده الجغرافي عامة ومدينة عدن خاصة:

- محطة تشكل ممالك الحضارة القديمة (حضرموت وأوسان وقتبان)، ثم ظهور الاتحاد الحميري الذي فرضت ظهوره ضرورات الدفاع عن الجنوب.

- محطة نشؤ وتطور سلطنات وإمارات الجنوب العربي .

- المحطتان الأولى والثانية كانتا فصول في التاريخ الاجتماعي والسياسي الذي أفضى إلى انطلاق المحطة الثالثة - محطة قيام الدولة الوطنية المستقلة بحدودها الدولية المعروفة والمعترف بها من قبل مؤسسات الشرعية الدولية - محطة رسوخ الهوية الوطنية وثباتها والتحديد والإقرار بثوابت حقوقها الوطنية.

أمَّا الأحداث البينية التي تخللت الأزمنة الفاصلة بين المحطات الثلاث فكانت مجرد إرهاصات ومقدمات لبلوغ المحطات الكبرى في مسار التاريخ العام المحلي والعربي.

6 - أن بناء عاصمة وطنية عصرية لدولة وطنية حديثة ينبغي ان تبرز فيها وتخلد الجوانب التاريخية التي أفضت الى قيام هذه الدولة وترسخ هويتها الوطنية المستقلة، وبوصف التسمية عنوان الهوية ينبغي التركيز على التسميات وإعادة التسميات لكل الخرائط التفصيلية للعاصمة عدن بكل مدنها وشوارعها وجولاتها ومدارسها ومستشفياتها ومؤسساتها وأحيائها السكنية والوحدات الفرعية، ساحاتها وحدائقها، المكتبات والمتاحف، أسواقها ومجمعاتها التجارية، جسورها وشواطئها ومعالمها السياحية وملاعبها الرياضية ومراكزها البحثية ومؤسساتها الاعلامية والصحافة مع الحفاظ على التسميات المكانية والمواقع الأثرية وغير ذلك.

ينبغي للتسميات وإعادة التسميات أن تكون ذات طبيعة عامة تشمل الأبعاد الوطنية للدولة وتعزيز هويتها، وتجنب إطلاق الأسماء الفردية ذات الطبيعة الشخصية وإطلاقها على الأماكن العامة إلا ما ارتبط بالتحولات الكبرى في التاريخ والبطولات الاستثنائية.

7 - يمكننا اقتراح إطاراً عاماً تتحرك فيه حملة التسميات وإعادة التسميات في العاصمة عدن يشمل ثلاثة مستويات وفروعها:

أ - المستوى المحلي:

- ما يرتبط بتشكيل ممالك الحضارة القديمة.

- ما يرتبط بقيام سلطنات وإمارات الجنوب.

- ما يرتبط بقيام الدولة الوطنية المستقلة وتقسيمها الإداري.

- ما يرتبط بمسار التحرير والاستقلال الثاني واستعادة الدولة.

ب - المستوى العربي الإسلامي:

- العواصم العربية.

- الزعامات الخالدة في التاريخ العربي الإسلامي.

- ما يرتبط بنوابغ العلم والشعر والأدب والفلسفة في تاريخ الأمة.

- البطولات البارزة في العصر الحديث في الدفاع عن الأمة من غزوات واطماع القوى الخارجية.

ج - المستوى الإنساني:

- ما يرتبط بكل ماهو إنساني عام من بين نوابغ العلم والأدب والفلسفة حمل في مضمونه فوائد للإنسانية لا تقدر بثمن.

8 - في ضوء حملة التسميات وإعادة التسميات السابقة تتم عملية إعادة نشر اللوحات التعريفية الكبرى المرشدة لحركة السير في المدينة، وتحديد محطات الباصات ومحطات الوقوف في الطرقات وتنظيم فرزات سيارات الأجرة وإعادة تزيين الجولات والشوارع، والشوارع الفرعية والتقاطعات بإشارات المرور والقضاء كلياً على الحركة العشوائية لحركة السيارات في المدينة.

9 - تنظيم حركة الشاحنات وسيارات نقل البضائع دخولها وخروجها من العاصمة وتنقلها بين مديرياتها.

10 - إعادة تأهيل المدرسة التدريبية الخاصة بشرطة السير، وتكون لها وظيفتين: وظيفة تأهيل الرجال العاملين في شرطة السير، وتأهيل سائقي سيارات الأجرة ونقل المواطنين والبضائع وفحص جاهزيتهم للعمل في الشبكة العامة للمواصلات في المدينة.

11 - تصميم أرقام جديدة للسيارات تختلف باختلاف أنواعها وباختلاف طبيعة الوظائف الخاصة بالمركبات، بحيث تحتوي الأرقام على تقنية تجعل الرقم مضيئاً.

12 - ارتباطاً بالعناوين والتسميات الجديدة يتم إلزام الدوائر المختصة السياحة، المنطقة الحرة، الاستثمار، الأراضي والمشاريع السكنية وغيرها، أن تقوم كلاً في مجال اختصاصه بإصدار كتيبات ترويجية إرشادية تسهل إيصال المعلومة لأصحاب الاهتمام في هذا المجال أو ذاك.

*أستاذ الفلسفة السياسية المساعد ، كلية الآداب جامعة عدن.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى