الطُّرُق الثمان

> كان أجدادنا القدامى يهيئون الطريق للسير في الجبال والأودية، وهم أيضاً من علّمَنا خُلُق إماطة الأذى، فالمزارع بفأسه الذي يحمله على كتفه لا يدع غصناً ذا شوك في طريق الناس حتى يقطعه أو ينحّيه.

كَمْ يحلم الناس اليوم بطريق خالٍ من الحجارة والأشواك، وتبدو طُرق مليئة بالصخور المعنوية، لطالما أعاقت حركة الساسة من أجل إصلاح الوضع.

تبدو عظمة الإنسان في هذا البلد أنه يستطيع أن ينحت طريقاً في عرض الجبل، يسلكها الناس بيسر وسهولة.

إنك ترى القمة الشامخة وأنت أسفل الجبل فتظن أن الصعود إليها عسير ويقطع الأنفاس، فإذا بك تجد القدامى قد رصفوا فيه طريقاً بصورة بديعة، فتمشي كأنك على صرحٍ من رخام، طريق يسلكه الرُعاة ومَن يرِد الماء كما تسلكه الدواب التي تحمل حاجات الناس وأشياءهم من محاصيل الأرض وما يبتاعونه من "مقاضي" الأسواق، لكن في الزمن المتأخر أهمل الناس الطريق، فلا يصلحونها من أجل السير وحركة الناس والدواب، رغم أن عمر الفاروق خشي لو عثرت بغلة عرض الطريق في زمن خلافته أن يُسأل يوم القيامة.. "لِمَ لم تصلح لها الطريق يا عُمر؟

لم يكن لدى أولئك الرجال إيرادات بالمليارات، لكن كان لديهم عدالة وخلق الأمانة.

نملك اليوم الأموال الضخمة والطرقات المليئة بالخراب في مناقصات وصفقات مشبوهة مع مقاولين يتقاسمون المال الحرام مع أركان السلطة.

أحببتُ أن أكتب عن الطريق، لأن كل واحد من الناس معه قصة، وهو المكان الذي يوصلك إلى الهدف والغاية، مثلاً الأدباء يرسمون صورة بديعة مفعمة بالاشتياق عن "الوصال"، كصورة قيس وهو يهيم على وجهه في الطريق إلى دار ليلى.

من الجَمال أن يكون الطريق الذي يسلكه الناس بسياراتهم ودوابهم سهلاً في القرية أو المدينة.

يسُرّني أن أدعو أهل هذا البلد إلى أن يبادروا لإصلاح الطريق، كما كان يفعل الأوائل.

عندما يكون الطريق سليماً من العيوب والأذى والآفات تمضي كل الأشياء بسلاسة حتى السياسة.

حُكي أن مجلس الرئاسة في هذا البلد أراد أن يختط طريقاً واحداً فتعثّر وافترق في بداية الطريق حتى صارت طُرُق الثمانية، حيث تشعّبت وتفرّعت:

تجمّعْنَ شتّى من ثلاثٍ وأربعٍ

وواحدةٍ أخرى فصارت ثمانيا

سُلَيمى وسَلْمى والربابُ وأختُها

وسُعدى ولُبنى والمُنى وقطاميا

بإمكانك مثلاً أن تمشي صاعداً في طريق "هيجة العبد"، ستجد أمامك أهوالا يشيب لها رأس الصغير، بالضبط مثل طريق مجلس الرئاسة، أولئك القوم تفرّقوا من الوهلة الأولى فلربما رأى كل واحدٍ منهم في الطريق رأس أفعى.

من صنع الحبكة هل عبدربه منصور هادي وإلاّ التحالف؟

لننظر كم طريق ظللنا في هذا البلد، طريق الحكم الرشيد، طريق العدالة، طريق التنمية، الطريق إلى الخير، والطريق إلى السلام.

إنّ طريق الساسة غير المعبّد هو انعكاس لهذا الإسفلت المخروم المليء بالحُفَر والمطبّات.

ستجدون في عدن مثلاً طرقات لا تسع السيارات لضيقها، وستجدون طرقات أكلتها مياه المجاري، وطرقا جديدة تهبط مع مرور شاحنة على ظهرها.

وفي السياسة ستجدون طريق رشاد، وطريق عيدروس، وطريق طارق، وطريق عبدالله، وطريق عثمان، وطريق فرج، وطريق عبد الرحمن، وطريق سلطان.

لم تكن هناك رغبة لتهيئة الطريق للسير، ونرى اليوم أن بمجرد أن تنفّذ الحكومة مشاريع ناجحة في عمل وإصلاح وتوسعة طرقات لكي يمشي الناس بأمن وسلام بلا حوادث حزينة، فإن الطريق سوف يكون سالكاً أمام الساسة، لأن التنمية ستكون نصب أعينهم وليس المماحكات السياسية والمكايدات الحزبية.

لقد مضت 8 سنوات من الحرب والصراع والعصبيات ظللنا خلالها الطريق إلى بر الأمان، والعالم حاول أن يبحث معنا عن طريق نحو السلام فلم يجد، وعساه أن يجد.

لافتة
يقول المراقب الجنوبي، "لدينا طريق واحد فحسب يجب أن نسلكه وهو طريق الحرية والاستقلال، وبقية الطرق لا تعنينا". انتهى.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى