التنوع والتعايش

> من أروع المناظر في كوكبنا الجميل هي تلك المساحات الواسعة المليئة بالأشجار الخضراء والزهور الملونة والورود التي تزين الأرض، فلكل زهرة سحرها الخاص ولكل وردة عطرها ولونها المميز، والأشجار أيضاً تتنوع في الحجم والنمو واختلاف أشكال أوراقها وأنواع ثمارها، ومع ذلك فإن جميعها تظهر من نفس الأرض وتشرق عليها نفس الشمس وتمطر عليها ذات السحب.

إن هذا المنظر يحيي فينا مفهوم التعايش سوياً وتقبل وجود الآخر والنشاط ضمن تلك المجموعة الزاخرة المتنوعة، وبهذا المشهد نلمس الجمال في التنوع والوحدة في ظل الاختلاف، والأبدع من ذلك حينما نكمل طريقنا إلى نهاية الحديقة ونجد الورود في الزوايا البعيدة منها وهي تنشر عبيرها وجمالها، غير آبهة بوجودها في مكان بعيد ومهجور، قد لا يصلها أو يراها معظم الزائرين، نتعلم العطاء دون أدنى توقع أو انتظار للمردود.

ولو نظرنا لشجرة النخيل على سبيل المثال فإننا نلاحظ أنها كلما كبرت وعلت وامتلأت بالثمار انحنت أكثر، كما لو أنها تمثل لنا مفهوم التواضع لتغدق علينا بظلها وثمارها، وهذا هو شأن الإنسان في عبوديته للخالق عز وجل والتواضع مع الخلق وبها يصبح أكثر عطفاً وعطاء، كلما حقق مزيداً من النجاح والتقدم، يساعد الآخرين في طريقهم إلى حيث يطمحون، وكلما كبر وبدأت ثمار عمله وخدمته تنضج، ينحني للناس من حوله، ليقطفوا من ثماره ما يساعدهم على الارتقاء لأجل خدمة مجتمعهم وسعادة الناس من حولهم.

ومن الأشجار المثيرة للاهتمام أيضاً، والتي يمكن أن نتعلم منها دروساً عظيمة هي شجرة البامبو، هذه الشجرة الفريدة تحتاج إلى سقاية على امتداد خمس سنوات كاملة، بينما هي لا تزال تحت التراب دون أي تقدم خلال تلك السنوات، لكن مع تواصل الرعاية والاهتمام على مدار كل هذه الفترة الطويلة، تبدأ الشجرة في الظهور من باطن الأرض استجابة للعناية التي حظيت بها كل تلك المدة.

فكثيراً ما نيأس عندما نجتهد ونعمل خلال مشوار حياتنا سنة تلو الأخرى، دون أن نرى نتائج ملموسة على أرض الواقع، فنتوقف عن بذل المزيد من المجهود، ونحبط لاعتقادنا بأن كل ما فعلناه ذهب أدراج الرياح؛ بينما لو صبرنا أكثر كما يفعل من يسقي شجرة البامبو طيلة خمس سنوات، ليتفاجأ خلال ستة أسابيع فقط بارتفاع هذه الشجرة إلى ارتفاع يصل إلى 24 متراً؛ فقد نرى نتائج ما قدمناه من عطاء وخير لمجتمعنا بصبر جميل "فكل تأخيرة فيها خيرة» دون استسلام أو توقف.

إن لم نشهد نتائج مجهودنا خلال فترة قصيرة، فليس معنى ذلك أننا لا نتطور، أو قد فشلنا بل معنى ذلك أن جذور تلك الخدمات تكبر شيئاً فشيئاً، إلى أن يأتي اليوم المناسب الذي تنمو فيه شجرة النجاح ونراها تزهر وهي ترتفع إلى العلى بشكل يدعو للدهشة.

ومن المهم أيضاً أن نتذكر دوماً أن الأشجار تثمر ولا تخبئ ثمارها لنفسها، والورود تنشر عبيرها لمن حولها وحتى لو سحقوها تزيد من تركيز عطرها لهم، فالحياة تكتمل بمساعدة الآخرين، أنها قانون الطبيعة.

ومن جانب آخر، نلاحظ أن الرياح تنشر البذور في كل مكان، وأن كل شيء يمر من حولنا سيأخذ منا بذرة ليغرسه في مكان ما من هذا الكون الفسيح، وسيعم أثره على الجميع عاجلاً أم آجلاً، وسيرتد هذا الأثر إلينا أضعافا مضاعفة كما يقال، "الجزاء من جنس العمل".

تخيلوا تأثير الأعمال الطيبة الطاهرة كـ:

- عبير أدعيتنا الطيبة ستحمله الملائكة لتزكي به أنفاس الخلائق أجمعين.

- محبتنا الخالصة ستنفذ في كل شيء حتى في الصخور الصلبة لتنمو فيها ورود الخير والسلام فما بالنا بسريانها إلى قلوب البشر محل عرش الله العظيم.

- إن خدماتنا الخيرة ستؤثر في الغير، فيقومون هم كذلك بردها بأحسن منها فما جزاء الإحسان إلا الإحسان.

إن حياتنا هي حديقة الوجود، ولقد خلقنا الله لنزينها ونجملها بإبداعنا وتنوعنا وأولئك الذين يمرون بأوضاع صعبة أنهم بلا شك يؤدون وظائفهم بكل سرور ودون أدنى توقع أو انتظار.

ومسك الختام هذه النصيحة القيمة التي يقدمها لنا حضرة عباس أفندي حيث يتفضل قائلاً: "دعونا ننظر إلى الجمال في التنوع، جمال التناغم، ونتعلم درساً من خلق النباتات. إذا رأيت حديقة فيها جميع النباتات متشابهة في الشكل واللون والعطر، فلن تبدو جميلة بالنسبة لك على الإطلاق، بل بالأحرى رتيبة ومملة. الحديقة التي تُرضي العين وتفرح القلب، هي الحديقة التي تنمو فيها الأزهار جنباً إلى جنب من كل لون وشكل وعطر، والتباين المبهج للألوان هو ما يصنع السحر والجمال، فينبغي أن يكون هذا فيما بين بني البشر، يجب أن يكون التنوع في الأسرة البشرية سبباً للحب والوئام، فإذا قابلتم أولئك الذين ينتمون إلى عرق ولون مختلفين عنكم، فلا تسيئوا الظن بهم وتنسحبون إلى قوقعتكم التقليدية، بل كونوا سعداء وأظهروا لهم اللطف، فكروا فيهم على أنهم ورود ملونة مختلفة تنمو في حديقة الإنسانية الجميلة، وابتهجوا أن تكونوا بينهم. وبالمثل عندما تلتقون بأولئك الذين تختلف آراؤهم عن آرائكم، لا تصرفوا وجوهكم عنهم. الجميع يبحثون عن الحقيقة، وهناك طرق كثيرة تؤدي إليها. للحقيقة جوانب عديدة، لكنها تظل دائماً وأبداً واحدة. لا تدَعوا الاختلاف في الرأي أو تنوع الأفكار يفصل بينكم وبين إخوتكم فى الإنسانية، أو أن يكون سبباً للخلاف والكراهية والفتنة في قلوبكم. بدلاً من ذلك ابحثوا بجدية عن الحقيقة واجعلوا كل البشر أصدقاء لكم. ودمتم سالمين.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى