ثقافة الاعتذار

> لا تحلو الحياة من غير وجود الأحبة، ولا يستقيم العيش من دون حضور الأصدقاء، ولا يمكن أن نستمر ونواصل العيش بسعادة وهناء بعيداً عن الآخرين الذين من المفترض أن نشاركهم حياتنا، فلو ركزنا في اسم "إنسان" حسب معجم المعاني الجامع من الفعل «أنس» أي اطمأن وألِف الصحبة، وهو فعل يعبر عن حال الأغلبية العظمى من بني البشر وحاجتها للائتناس والعشرة والتفاعل الاجتماعي، فيقال في لسان العرب «أنس جاره» أي لاطفه وأزال وحشته، وكما قيل في الأمثال الموروثة: «جنة من غير ناس ما تنداس»، بمعنى أنه حتى لو كان الإنسان في روضة تشبه في صفاتها الجنة بدون ناس لا تستحق العيش فيها، فوجود الناس في الحياة يعلمنا ويدربنا كيف نحيا الحياة ذاتها، فنحن نعمل ونسلك في دهاليز المجتمع المحيط بنا، لذلك وجود الناس له أهمية لكي نعرف كيف نحيا ونسلك ونتصرف في أمورنا الحياتية.

إن رغبتنا إلى الصداقة والحب انبثقت إلى الوجود في اللحظة التي وطئت أقدامنا على الأرض. من أول يوم لنا في هذه الحياة وبكاؤنا يعبر عن حاجتنا لمن يرعانا ويحيطنا بالدفء والحنان، فما قيمة الحياة إذا لم يكن إلى جانبنا من نشاركهم الحياة؟

نلج إلى العالم صغاراً نحتاج إلى الرعاية، ثم نكبر ونحن نبحث بشغف شديد عن الأصدقاء ومن نؤسس معهم تلك العائلة التي لطالما حلمنا بها، وحتى لو لم نحظَ بأسرة فإن الشريك بحد ذاته حلم يتجسد باقتراننا بكيان آخر نتوحد معه في بوتقة واحدة، ونقضي بقربه العمر كله كما نأمل.

أحلامنا وردية، وشغفنا بالحب أصيل، لكن الحياة ليست بلون واحد، فهناك أطياف الألوان جميعها، فلا أبيض وأسود فحسب، وإنما تدرجات ألوان متباينة، وفي كل إنسان أضداد مجتمعة في كيان واحد، لهذا فإن احتمالية ارتكابنا للأخطاء عالية، ولا بد من أن نخطأ في تعاملنا مع الآخرين وأحياناً نُخطئ ولا نعرف كيف نعتذر لمَن أخطأنا في حقه، لذا يمكننا أن نعتبر الاعتذار ثقافة، لها معايير وأصول يجب الالتزام بها حتى يكون فعّالاً ويُحقِّق هدفه.

إن الاعتذار كلمة لو نُطِقت بصدق ومحبة ومن صميم القلب لذابت الحواجز وزال الغضب و انحلت الكراهية ولعالجت قلباً مكسوراً أو كرامة مجروحة ولعادت المياه إلى مجاريها ورممت تلك العلاقات المتصدعة.

إن للاعتذار أسلوب وثقافة، فكلمة "آسف"، "اعتذر"، "سامحني" أو "أنا ندمان" يجب أن تدمج مع صدق الرغبة والإحساس، ودون إدخال كلمات سخيفة لتزيف معناها الحقيقي، مثل أنا آسف ولكنك....، أنا أعتذر بس أنت السبب، فأي اعتذار له 3 أجزاء؟

1 - أنا آسف حقك عليّ

2 - لقد أخطأت في....

3 - ما الذي يمكنني القيام به لتصحيح ما فعلته؟

ومعظم الناس ينسون الجزء الثالث.

لذا، إن كان الاعتذار صادق ومن قلب سليم وشامل لتلك الأجزاء الـ 3 فهو فضيلة، ويبقى التسامح في هذه الحالة جزءا من العدالة، فلنكن شركاء محبة نرافق بعضنا البعض بسلام أو نتركهم بسلام، دمتم ودامت المحبة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى