بعد توسُّع رقعة الفقر في اليمن.. التحرُّش أبرز نتاجات التسوُّل

> بسمة توفيق

> تقف هاجر (9 سنوات)، وأختها هديل (11 سنة)، في إحدى الجولات، متنقّلتين بين السيارات المختلفة طلبًا للمساعدة أو لبيع مناديل متهالكة، حينًا، أو مسح زجاج السيارات حينًا آخر، لكسب تعاطف العابرين والظفر ببعض المال، خلال هذه الحركة اليومية تتعرّض الفتاتان لشتى أشكال التحرش، سواء كان تحرش لفظي أو حسي، في هذا الصدد، تقول هاجر لـ"خيوط": "أذهب أحيانًا لبيع المناديل الورقية لأصحاب السيارات، وأجدهم يمسكون يدي بقوة، ويسألونني عن عمري، ويتغامزون فيما بينهم ضاحكين، لحظتها أشعر بالخوف، وأبتعد خوفًا منهم، وإذا اضطرني الأمر، أتجول وبجيبي حجارة في حال تحرّش أحدُهم بي أو بأختي ".

سارة، إحدى المتسولات الصغيرات، تتحدث، بصوت مرتجف يخالطه غضب، وهي تتذكر ما حدث لها ذات مرة، قائلة: "اتجهت لتنظيف زجاج إحدى السيارات، فوجدت بها رجلًا عجوزًا، في البداية ظننته وقورًا ومحترمًا، لكن سرعان ما بدأ بالغمز والتمتمة بكلمات قبيحة، طالبًا منّي أن أذهب معه، الأمر الذي أخافني ودفعني للركض سريعًا، رغم سقوطي وتعثري إلّا أنّي استمررت بالركض خوفًا من لحاقه بي".

يتعرّض المتسوّلون - وأغلبهم من الأطفال والنساء - للكثير من الإهانات والتحقير للكرامة الإنسانية، ما يضع الأُسَر أمام مسؤولية اجتماعية وقانونية للحفاظ على أولادهم ذكورًا وإناثًا، والبحث عن بديل آخر للرزق يصون فلذات أكبادهم من عبث وإهانة الآخرين.

المتسولات صيدٌ سهل

ويبدو أنّ هناك علاقة طردية بين ارتفاع معدلات الفقر، ولجوء الفتيات للشارع بحثًا عمّا يسد رمق جوع أسرهن، وبين ارتفاع نسبة التحرش بهن، أستاذ علم الاجتماع، الدكتور محمود البكاري، يؤكّد ذلك قائلًا: "تعد ظاهرة التسول مصدرًا من مصادر التحرش الجنسي بالنساء والأطفال على وجه التحديد، كون هاتين الفئتين أكثر عرضة للاستغلال والابتزاز من قبل ضعاف النفوس وفاقدي الضمير والأخلاق، نتيجة استغلال حاجتهم المادية كوسيلة للتحرش، بهم دون وازع أو رادع".

تجدر الإشارة إلى أنّ هناك الكثير من حالات التحرش والاغتصاب وغيرها من الجرائم التي تحدث بحق الأطفال والنساء، بسبب إهمال بعض الأُسَر، والاعتماد على هاتين الفئتين لتوفير الاحتياجات المعيشية.

البكاري يشير إلى أنّ هناك الكثير من هذه الحالات يتم التستُّر عليها من قبل الأطفال أو النساء خوفًا من العقاب وسوء الفهم.

جشع واستغلال

الناشط الحقوقي والإعلامي، لؤي العزعزي، يتحدث عن تجذر ظاهرة التحرش في الأسواق والتجمعات المزدحمة منذ زمن طويل، حيث يقول: "التحرش بالمتسولات ظاهرة معروفة، ومتجذرة في الأسواق الشعبية، حيث تتفشى ظاهرة استغلال حاجة وعوز الصغار والنساء. بعض هذه الحالات وصلت لحد القتل، خصوصًا في عدن".

ويسرد العزعزي بعض قصص الاستغلال، قائلًا: "في إحدى المرات كان لدينا ملف حول اختطاف فتيات الجولات، بناءً على حادثة اختطاف بنات في جولة قرب منطقة عصر بالعاصمة صنعاء، كانت الفتيات يبعن الماء والمناديل، حيث تفاجأنا بأحد الفتيان يخبرنا أنّه تم اعتقالهن، واقتيادهن لمكان مجهول".

ويتابع العزعزي: "تواصلت بمصادري ومعارفي الأمنيّين، وتم نفي وجودهن في أي معتقل أو دار إيواء، بالمثل تم اختطاف إحدى المهمشات واغتصابها في محافظة مأرب في منطقة (سوق ابن عبود)، والحوادث كثيرة في ظل غياب المؤسسات المستقلة التي تقوم بعملية الرصد والإحصاء والتوثيق، إذ لو كانت هذه المؤسسات موجودة لرأينا أرقامًا مخيفة".

طرق الحماية

تشير الكاتبة والباحثة الاجتماعية، إيناس عبده الزوار، إلى أنّ التسوُّل سببٌ رئيس للتحرش والاستغلال، ولذا وجب توعية هؤلاء بطرق وأساليب الدفاع عن النفس، وحماية أنفسهم، إلى جانب تبنّي الجهات المختصة استراتيجية للحدّ من ظاهرة التسوُّل، وضمان توفير فرص عمل تكفل بدورها حياة كريمة لهؤلاء، وليس انتهاءً بعمل دراسات ترصد الظاهرة من جميع الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية.

من جهته، يقول مدير مركز الدعم النفسي، بمحافظة إب، الدكتور علي حسن الصبري، : "التسول أصبح ظاهرة عالمية، تتفاوت من بلد لآخر، تتنوّع أساليبها وأدواتها، إذ كانت تمارس من قبل بعض الفئات المعدمة، أو من قبل بعض الأفراد الذين يعانون من أمراض نفسية، أو من قبل بعض ذوي الاحتياجات الخاصة، لكنها تفشّت في الوقت الراهن لتصبح مهنة وحرفة، لدى عدد واسع من أبناء المجتمع، حيث انضمَّت فئات جديدة شملت جميع الفئات والشرائح العمرية، ومن كلا الجنسين".

ويؤكّد الصبري أنّه لا يمكن التعامل مع ظاهرة التسول بمعزل عن معالجة المنظومة الكاملة للمشكلات التي يعاني منها المجتمع والمرتبطة بالتحولات الاقتصادية والاجتماعية التي تحدث من فترة زمنية لأخرى، منوّهًا للأضرار النفسية التي تلحق بالمتسوّل، يسردها، قائلًا: "يفقد المتسوِّلون الثقة بأنفسهم وبالمساواة الاجتماعية مع أقرانهم من عامة الناس، ما يولّد لديهم شعورًا بالنقمة من المجتمع، إلى جانب تنامي مشاعر الكراهية والعدوانية لديهم والتي تشكّل بدورها بيئة خصبة لنمو وانتشار الجرائم والإرهاب". ويواصل الصبري حديثه: "ونتيجة لهذا الاستغلال النفسي والمادي للأطفال والنساء، على وجه الخصوص، تنشأ لديهم مشاكل صحية كبيرة بسبب الطقس والمناخ فيما هم بالشارع وجهًا لوجه مع تقلباتهما، إضافةً إلى مخاطر التسرب والانحراف، والإدمان والسرقة، والإتجار بالممنوعات، والتهريب والدعارة، وغيرها من الجرائم الجسيمة وغير الجسيمة التي غالبًا ما يكون الشارع هو المتسبِّب الأكبر بحدوثها".

ضحايا ومذنبون

وكما أن المتسوّلين ضحايا لوضع عام ضحل، هم أيضًا مصادر خطر على المجتمع عمومًا، إذ إنّ الكثير من حالات الإخلال بالأمن والسكينة المجتمعية، تضلع فيها هذه الفئة، سعاد حسن، طالبة جامعية، تحكي لـ"خيوط"، بعض المواقف التي تعرّضت خلالها لمضايقات من قبل متسوّلين، قائلة: "مرات كثيرة تعرّضت حقيبتي للنشل والسرقة من قبل بعض المتسولين المنتشرين في معظم شوارع المدن اليمنية، إضافة إلى تعرضي لسيل من الألفاظ القبيحة، في حال امتنعتُ عن إعطائهم مالًا".

فيما تؤكّد انتصار (اسم مستعار)، وهي فتاة عشرينية، أنّها تعرّضت للضرب من قبل بعض الأولاد المتسوّلين، كانت أعمارهم تبدو تحت الخمس عشرة سنة، بسبب رفضها تسليمهم محفظتها التي بها بعض المال.

ومن الناحية القانونية، يؤكّد عضو هيئة التدريس في كلية الشريعة والقانون، بجامعة صنعاء وجامعة الناصر، المحامي الدكتور أمين صالح الخطمي، تجريم القانون لظاهرتي التحرش والتسوّل على حدٍّ سواء، ويقول في معرض حديثه، لـ"خيوط": "يعاقب القانون كل من يقوم بأيّ نوعٍ من أنواع التحرّش، كما أنّه يجرم التسول إذا تم انتهاجه كعادة وسلوك روتيني يُعتاش منه".

الجدير بالذكر أنّ قانون العقوبات اليمني، قد فنّد وعرّف في مواده: (203)، (273)، (274)، (275)، و(276)، من هم المتحرشون، والمتسولون وعقوبات المتحرّشين والمتسوّلين، بنصوص واضحة ومركزة.

"خيوط"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى