السلام الوطني

> ما زلت أتذكر لحظات وقوفي كل صباح في ساحة المدرسة التي كانت تعج بالطلاب من مختلف الصفوف الدراسية ومن شتى الأعمار والألوان والأجناس والخلفيات ، كنا نقف في طوابير عدة كل منا حسب مستواه الدراسي ، وبعد التمارين الصباحية كنا نردد معاً نشيد السلام الوطني عن ظهر قلب ، كافتتاح ليومنا الدراسي.

بصراحة لم نكن نفهم معناه.

ولم نعلم السبب في قيامنا بتحية الوطن كل يوم وكل صباح.

وعندما سألت معلمتي هذه الأسئلة، أجابت قائلة: نَشَدَ: أي تذكر بصوت مرتفع وعلى إيقاع واحد ، أما السلام فهو تحية إجلال وتقدير واحترام للوطن و السر في النظر للعلم لأنه ولد من رحم قساوة الأيام وترعرع في ظل الوحدة حينما اتحد الشعب وتعاهدوا معاً أن يعيشوا في سلام ، وهذه الأنشودة تثير فينا روح الوطنية وتضاعف حب الوطن في قلوبنا ثم قالت لي : أليس حب الوطن من الإيمان ؟

واليوم: أعيد مع نفسي هذه الذكرى وأنا في بلاد المهجر، وقد تم نفيي مع بقية الأحباء الأعزاء من اليمن بسبب إيماننا بالدين البهائي ، ولم أعلم إذا ما كان وطني قد أحبني وأنا طفلة صغيرة وكل ما كان يشغلني هو الدراسة ومشاركة أقراني رحلة التعلم فلماذا نفاني اليوم مع أسرتي وبقية البهائيين وقد قمنا بترجمة حبنا وفهمنا لما قد تعلمناه إلى عمل الخير والخدمة في الميدان ونحن نسعى في سبيل بناء مجتمعنا ؟

لم أعد أعلم إذا ما كان وطني قد أحبني فعلاً وأنا تلميذة ، فلماذا طردني وأنا زوجة وأم ومربية أطفال ، ولم أقم بما يتعارض مع قوانين البلاد ولم أحمل السلاح يوماً في حياتي ، فحمل السلاح مُحـرَّم في الدين البهائي.

ولكنني أرى أن نشيد السلام الوطني أيضاً قد فقد مفهومه الأصيل والغاية منه، فلم يعد يذكرنا سوى بالحروب الدامية وما عاد السلام يمر بجانب بيوتنا منذ فترة طويلة والوطن نفسه لم يعد وطناً واحداً آمناً كما ضُرِبَ به المثل في القرآن الكريم (بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ).

لذا أرى لزاماً أن ننتقل من حب الوطن إلى حب العالم حتى نبتعد عن شبح الأنانية، والتي تظهر في صورة وطن ينتظر حبك وهو يبادلك الجوع والقهر والاعتقال والخوف والمذلة.

فاليوم مع اتساع رقعة الأوطان وتطور وسائل التواصل الاجتماعي والمواصلات نحن بحاجة لتوسيع هذه الرؤية فإن كان حب الوطن جزء من الإيمان، سيكون حب العالم وخدمة البشرية هما جوهر الإيمان.

وبهذه الرؤية سوف تُمحى علامات الأنانية وتنتهي كل هذه الحروب والنزاعات عديمة الجدوى وسترتاح البشرية.

ولن تنتقص هذه الرؤية من وطنيَّتنا، بل تزيد، فمن يحب العالم بالتأكيد وطنه هو جزء من هيكل هذا العالم الكبير، وكلما عظَّمنا مفهوم الحب والاحترام وتقبل الآخر ووسعنا الدائرة من حب الأسرة، حب المجتمع، حب الوطن، حب القارَّة، إلى حب العالم بأسره، ستتلاشى كل المصطلحات الضيقة و تنمحي علامات الكراهية، لتحل محلها مفاهيم الحياة و التعايش والوحدة في ظل التنوع و احترام اختلاف الآخر.

وهذا هو مفهوم :"ولله ميراث السموات والأرض " ، فالكرة الأرضية هي ملك لله وما الدول سوى مستأجرين لقطعة منها وستفلت من قبضة يد الجميع ولسنا في حياة بعضنا البعض إلا فترة بسيطة لنخلق الذكريات ونجتهد بالأعمال الطيبة الطاهرة وبذلك نخلد أسماءنا إلى الأبد.

ولا ننسى أن المدينة والدولة تصبحان عالماً عندما نحب سكانها.

ودمتم سالمين.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى