متى تنتهي مأساة الجنوب؟

> لماذا تتوجه السهام نحو الجنوب؟ ما هو ذنبه وما هي جريرته التي ارتكبها حتى أنهم يتداولون توجيه اللكمات نحوه منذ ولادة الدولة الجنوبية حتى الوحدة الكسيحة بين دولة الجنوب ودولة الشمال؟

صنعاء كانت محاصرة سبعين يوما ويعرفون أن دولة الجنوب تقف معهم وتدعمهم إلا أن هناك من المتنطعين في قيادة الشمال من لا يرغب بالاعتراف بدولة الجنوب، ولو طال الحصار كان يمكن أن يعمل هؤلاء صفقة مع الملكيين لتحويل المعركة نحو الجنوب وما أشبه الليلة بالبارحة.

شنوا حرب العام 72 ليعيدوا الفرع إلى الأصل وسموها حربا مقدسة إلا أنهم هزموا وذهبوا ليستجيروا بالجامعة العربية لوقف زحف الجنوب نحو صنعاء.

شنوا حرب عام 79 م وكانت حربا مزدوجة وهزموا مرة أخرى شر هزيمة، وكعادتهم ذهبوا إلى الجامعة العربية لإنقاذهم واتخاذ قرارات تجبر الجنوب بسحب قواتهم من أراضيهم.

كان لهم اليد الطويلة في كل ما جرى للجنوب من أحداث دامية والهدف إسقاط الجنوب من الداخل، وبعدها تم اقتياد الجنوب إلى حضيرة صنعاء في وحدة غير متكافئة كان الهدف ضم الجنوب إلى الشمال عبر ما عرف بدستور الوحدة الذي وضع لبناته الأولى بعد حرب 79م، وكانت أهم نتائج تلك الحرب التي وافق رئيس الجنوب آنذاك عبدالفتاح إسماعيل على صيغتها الاندماجية دون الرجوع إلى مؤسسات الدولة الجنوبية القائمة آنذاك، الذي أصبح لغما استطاع نظام صنعاء ومعاونوه في الجنوب تفجيره في اللحظة المناسبة عند التوقيع عليه في نوفمبر من عام 89م.

بعد حل دولة الجنوب أصبح قادتها مواطنين في الجمهورية اليمنية وبدأ تنفيذ خطة تصفيتهم وفقا لرؤية الرئيس صالح التي استعرضها في لقاء مع شيوخ وفقهاء الشمال المعارضين للوحدة لإقناعهم بخطته للوحدة في لقاء يسبق الوحدة، وكان أن بدأ مسلسل الاغتيالات للقيادات الجنوبية مباشرة بعد الوحدة، وتم تعطيل ميزانيات تشغيل المؤسسات العاملة في الجنوب والتحكم بها عبر وزارة المالية والبنك المركزي، مما أدى إلى موت الكثير من تلك المؤسسات العامة وتهيئتها لتحويلها إلى أملاك شخصية، وقبل ذلك وجهت ضربة قاسية للجنوبيين من خلال تخفيض سعر الدينار إلى ثلاثين بالمائة من قيمته الأصلية لصالح الريال، وبهذا فقد كل جنوبي في أول يوم للوحدة الكسيحة ثلاثين بالمائة من مدخراته الشخصية وهي تضحية بلا ثمن ولا مردود اقتصادي البتة، وبعدها فتحت شهية النخبة الحاكمة الشمالية وفقا لأجنداتها المسبقة بالتهيئة لالتهام الجنوب وابتلاعه دفعة واحدة، وكان تشكيل حزب التجمع اليمني للإصلاح أحد النماذج الفاضحة المتفق عليها بين الرئيس والشيخ، والهدف العمل ضد اتفاقات الوحدة وكانت الحرب التي شنها نظام صنعاء ضد الجنوب وحشد له كل ما لديه من قوى عسكرية وقبلية وفيالق المجاهدين الأفغان العرب والمعارضة الجنوبية المتحفزة للانتقام وكل مناصري النظام من الإقليم والعالم وكانت حرب صيف 94 التي أكلت أخضر الوحدة ويابسها وانتهت إلى غير رجعة، وأصبح الجنوب محتلا بالقوة المسلحة، وعندها بدأ نظام صنعاء يتعامل مع الجنوب كأرض ضمت إلى ممتلكاتهم الشخصية وسرح مئات الآلاف من الموظفين الجنوبيين عسكريين ومدنيين، وتم إحلال بديل عنهم موظفون شماليون يتصرفون بممتلكات الدولة الجنوبية والممتلكات الشخصية للمواطنين الجنوبيين كدولة احتلال في القرون الوسطى.

ومع أول تبديل للنظام بعد ثورة الشباب برئيسين جنوبيين أحدهما رئيس الدولة والآخر رئيس الوزراء، لكنهما تعاملا مع الجنوب بأسوأ مما كان نظام عفاش وشركائه الشماليين ولم يتغير من الأمر شيء غير أن بدلا من أن يقوم جنود الاحتلال في الجنوب بإطلاق الرصاص الحي على النشطاء الجنوبيين في الرأس والصدر، تم إطلاق النار عليهم في الأرجل، وقس على ذلك بقية الأمور الأخرى.

استمر النهب للثروة في الجنوب واستمر تعطيل التنمية في الجنوب واستمرت الممارسات الخاطئة تجاه الجنوب في كل المجالات المعيشية والخدمية، ومع ظهور انقلاب صنعاء أول عمل قام به الانقلابيون هو حشد الجيوش الشمالية نحو الجنوب بحجة مطاردة الدواعش، وهذه الحجة أقنعت البيت الأبيض ودولا أخرى وسياسيين جنوبيين كانوا متناغمين مع هذه الدعاوى الباطلة، والهدف الحقيقي استعادة عدن إلى ممتلكاتهم الخاصة حتى بعد أن أصبحت صنعاء تابعة لطهران وأعلن قادتها أنهم استولوا على العاصمة العربية الرابعة، وعلى الرغم من خوض أبناء الجنوب وعدن خاصة معارك بطولية تمكنوا بمساعدة التحالف العربي من طرد الغزاة الجدد وتحرير الجنوب في غضون ثلاثة أشهر، إلا أن قيادة الشرعية الهاربة بعباءات النساء من صنعاء لم تصفح لعدن والجنوب بأن أعادت لها شرعيتها، فقد كان الجزاء أسواء مما كانت تمارسه أنظمة صنعاء تجاه الجنوب من الحروب المتنوعة من الإرهاب ومنع صرف المرتبات وتعطيل الخدمات وضخ مئات الآلاف من النازحين كطوفان بشري من مناطق الشمال ومن القرن الأفريقي ملأوا الشوارع والجبال والمتنفسات ومزاحمة السكان الأصليين على استئجار الشقق بمبالغ خيالية وعلى لقمة عيشهم وخدماتهم ووجودهم في الشوارع والمتنفسات والشواطئ والجبال يشكلون خطرا أمنيا عدا أن وجودهم يشكلون عبئًا فوق ما تتحمل عدن ولم يكتفِ الأمر عند ذلك، بل إن الشرعية سيرت قوات من مأرب وسيئون باتجاه عدن تحت راية القاعدة والدواعش وتحت مسمى عملية خيبر، وكادت تسقط عدن لتصبح أمارة داعشية لولا لطف الله ومبادرة الخيرين بمساعدة مقاومة الجنوب في توقيفها على مشارف عدن وعادت خائبة من حيث أتت.

جاء التغيير للشرعية بأخرى في بداية العام الماضي وتوقع الجنوبيون أن هناك انفراجا وجدية في معالجة كل الأخطاء التي مورست ضد الجنوب وخاب ظن الجميع وسارت الأمور بنفس الوتيرة، بل بطرق ناعمة وتحاول السيطرة على مفاصل السلطة من خلال تمكين كوادر من لون سياسي كان سببا في سقوط الدولة بيد الحوثيين.

استمر الوضع في الجنوب أكثر تدهورا ولم نلمس أي تغييرات جدية لا على المستوى العسكري ولا السياسي أو التنموي أو الخدمي، بل أصبح الوضع أكثر سوءا، وفي آخر المطاف يطل المجلس الاقتصادي برئاسة رئيس الوزراء الفاشل بقرارات اقتصادية تزيد من احتقان الوضع في الجنوب وتوجيه الضربة القاضية لما تبقى من اقتصاد جنوبي، لأن تلك القرارات ستنفذ في الجنوب فقط وهي بهذا التصرف تخدم حكام صنعاء وتقدم لهم خدمات جليلة بوعي كامل، ومع سبق الإصرار والترصد كل هذه الإجراءات تمهيدا لفرض تسوية سياسية لغير صالح الجنوب ولصالح النخب الشمالية التي نعتقد أنها متفقة جميعها شرعية وانقلابية على الحل الذي يريدون فرضه على الجنوب وطبعا بمساعدة إقليمية ودولية، والنتيجة أن مصالح الإقليم والعالم والنخب الحاكمة اليمنية متفقة وما معهم إلا أن يوجهوا ضربات قاسمة للجنوب ليجعلوه يعيش في حالة اللا وزن ليتسنى لهم افتراسه دون أي مقاومة.

إن كانت هناك مبررات لاتخاذ مثل هذه القرارات فهناك طرق أخرى يمكن اتخاذها غير تلك التي تمس في الصميم حياة الناس، وأظهرت الحكومة أنها غير جادة في تصحيح الأوضاع الاقتصادية ومحاربة الفساد ووضع برنامج للإصلاح الاقتصادي وبرامج التقشف غير أن الهدف من هذه القرارات تدمير موانئ الجنوب (عدن والمكلا) وغيرها، حيث إن تلك القرارات ستنفذ في الجنوب حتى ميناء المخا المحرر لا تسري عليه هذه القرارات والهدف إضعاف اللحمة الجنوبية وزيادة إفقار الجنوبيين ومضاعفة معاناتهم حتى يستسلموا لأي قرارات تسوية قادمة تطبخ على نار هادئة في الكواليس الإقليمية والدولية لا ترضي شعب الجنوب ولا تعالج قضيته العادلة وإنما تدخله في عدة احتلالات قادمة منها محلية ومنها إقليمية وبرعاية دولية.

تلاحظون لمجرد التهديد بوقف تصدير النفط ومجرد ضرب ناقلة على الرصيف من قبل الحوثي، تم توقيف تصدير النفط وعلى وجه السرعة وضع مفاوضون غير مخولين للتحدث عن الجنوب، واشترط الحوثي صرف مرتبات موظفيه من عائدات النفط التي لا يعرف أحد كيف تصرف في الأساس لمدة ثمان سنوات، وتم تمرير ذلك على الرغم من أن موظفي الجنوب ومتقاعديه لا تصرف لهم مرتبات منتظمة لمدة ثمان سنوات ولا أحد التفت إليهم ولا سأل عن أوضاعهم، لأن لا يوجد لديهم داعم إقليمي ودولي يساعدهم في وضع شروطهم على الطاولة، لكن فُرضت عليهم حكومة زادت من معاناتهم ومارست عليهم شتى صنوف العذاب.

الشمال فيه متناقضات لا تعد ولا تحصى ولكنهم في نهاية المطاف تجدهم كلهم متفقين على الجنوب حتى من عاش منهم في عدن والجنوب، وكنا نعتبرهم جزءا من الجنوب فتجده قد اصطف تلقائيا مع جماعته الشماليين.

لم نجد من الشماليين منصفا واحدا تجاه الجنوب إلا فيما ندر، وهذه المعضلة التي لا يفهمها (أو يفهمها ويتجاهلها لأسباب تخصه) الإقليم والعالم بأن الجنوب بالنسبة لكل الشمال أرض بلا شعب حتى أنهم لفقوا له تاريخا من خيالاتهم ومحو التاريخ الحقيقي لتطور الجنوب واستبدلوه بما يخص تخيلاتهم في السيطرة عليه، لكن لم تصل الأمور إلى ما وصلت إليه هذه الأوضاع الرديئة في الجنوب لولا تخاذل النخب الجنوبية وتصارعها على السلطة الضائعة من خلال أنانيتها المفرطة في حب ذاتها وإلغاء ما عداها، وكانت النتيجة أن تم هدم المعبد على رؤوس الجميع في يناير 86م، ومن ثم الهروب لتسليم الجنوب إلى عصابة صنعاء بدون ثمن وإلى الآن مازال البعض لم يتعظ من كل المآسي التي كانوا سببا فيها وعرضوا شعب الجنوب لكارثة وجودية.

لا يوجد سبيل لاستعادة زمام الأمور إلا أن يقف الجميع صفا واحدا لإنقاذ الجنوب وشعبه من براثن الضياع والاضمحلال والتمزق، وهذا أقل واجب على الذين كانوا سببا في ضياع الجنوب، أما شعب الجنوب فله كل الإكبار والتقدير والاحترام على صموده وصبره وتحمله أعباء كل المراحل ولم يستسلم لأنه شعب أثبت أنه حي ولا يقبل الظلم والاستسلام، وسيكون بالمرصاد لكل مِن تسول له نفسه المساس بكرامته وحريته.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى