في كل بلدان العالم يُدار الحكم بالأنظمة والقوانين ثم رضى الشعوب عن أنظمتها، إلا في اليمن والجنوب العربي، لا تُدار هذان البلدان بل تُساق، لا تُحكم بل يُستولى عليها من قبل عصابات عقائدية أو دينية أو جماعات لصوصية، اليوم يتناوب على الناس ظلامان، ظلام باسم العقيدة المذهبية المسلحة في صنعاء، وآخر باسم الشرعية المتخشبة التي نُصّبت أو تم تنصّيبها على الجنوب كما يُنصّب الوصي على قاصر. إذًا، نحن أمام مشهد سريالي، لا يكتبه خيال، بل واقع يكاد يعتذر عن نفسه من فرط ما فيه من سخف ودناءة.
في صنعاء، سلطة لا تعرف من الدولة إلا بدلتها العسكرية وشعاراتها المذهبية والعنصرية المُوغلة في التاريخ، ترى في الجمهورية بدعة، وفي المواطن مجرد زنبيل ومشروع تابع يجب أن يُربّى على يد السيّد العلم صاحب الولاية الخرافية كما يُربّى الحيوان الأليف. وهكذا، صار شعب كامل يدار بخطبة جمعة، توزع عليه الجرعات الغذائية مقدمة من العدو الأمريكي الصهيوني تتحول كمنّة من السيّد، لا حقًا من حقوقه.
أما في الجنوب، حيث ظن الناس أنهم أفلتوا من هذا الجحيم الحوثي، فإذا بهم يُؤخذون رهائن بفعل فاعل بيد من يدّعي تمثيل الشرعية، تلك الكلمة التي شُوّه معناها حتى صارت أقرب إلى تهمة. حكومة منفية غارقة في الفساد تملك كل شيء إلا السيادة، وتقرر في حياة الناس عن بُعد، كأنها تلعب لعبة إلكترونية على جهاز مهترئ.
الجنوب، الذي حلم بدولة، وجد نفسه تحت وصاية مزدوجة: واحدة باسم ثورة لم تكمل مسارها، وأخرى باسم شرعية دون شرعية وكلاهما لا يعترف بحقه في الحياة فما بالنا في تقرير مصيره، إلا إذا أقرّ ما تريده الأطراف المسيطرة. كلما طالب بحق، وُصف بالانفصالي. كلما صرخ بالجوع، أُسكت بالتخوين. وكلما قاوم، جاءته الخُطب والنصائح من فنادق مريحة خارج الحدود ليس وقته.
اللصوص هنا لا يخفون نهمهم، ولا حتى يعتذرون عن فسادهم. فهم يرون في الوطن مجرد حساب بنكي مفتوح، وفي الشعب مجرد رصيد سياسي يمكن السحب منه الحاجة. والمعنيّون بثورة الجنوب وبالشرعية، لا يهتمون إن أكل الجنوبي أوراق الشجر أو باع أثاثه ليشتري الدواء، مادام أن البيانات تُكتب، والخُطب تُبث، والولاء محفوظ.
الأشد مرارة، أن الناس لا يعيشون تحت سلطة تُخطئ وتُحاسب، بل تحت سلطات تُقدَّس أفعالها، وإن أخطأت، فالخطأ في الشعب لا فيها. سلطات تتحدث عن دولة لم تؤسس وهي لم تؤمن بها، وتدّعي تمثيل الناس بينما لم تُنتَخب حتى في مجلس حارة.
لقد بلغ العبث مداه، من ينهبك يتحدث باسم الوطن، ومن يقمعك باسم الثورة، ومن يسرقك باسم الشرعية. أما أنت، المواطن، فعليك أن تصمت، تصبر، وتصفق... وإن متَّ جوعًا، فسيرثونك على شاشات التلفزيون بكلمات ركيكة ودموع تماسيح.
في صنعاء، سلطة لا تعرف من الدولة إلا بدلتها العسكرية وشعاراتها المذهبية والعنصرية المُوغلة في التاريخ، ترى في الجمهورية بدعة، وفي المواطن مجرد زنبيل ومشروع تابع يجب أن يُربّى على يد السيّد العلم صاحب الولاية الخرافية كما يُربّى الحيوان الأليف. وهكذا، صار شعب كامل يدار بخطبة جمعة، توزع عليه الجرعات الغذائية مقدمة من العدو الأمريكي الصهيوني تتحول كمنّة من السيّد، لا حقًا من حقوقه.
أما في الجنوب، حيث ظن الناس أنهم أفلتوا من هذا الجحيم الحوثي، فإذا بهم يُؤخذون رهائن بفعل فاعل بيد من يدّعي تمثيل الشرعية، تلك الكلمة التي شُوّه معناها حتى صارت أقرب إلى تهمة. حكومة منفية غارقة في الفساد تملك كل شيء إلا السيادة، وتقرر في حياة الناس عن بُعد، كأنها تلعب لعبة إلكترونية على جهاز مهترئ.
الجنوب، الذي حلم بدولة، وجد نفسه تحت وصاية مزدوجة: واحدة باسم ثورة لم تكمل مسارها، وأخرى باسم شرعية دون شرعية وكلاهما لا يعترف بحقه في الحياة فما بالنا في تقرير مصيره، إلا إذا أقرّ ما تريده الأطراف المسيطرة. كلما طالب بحق، وُصف بالانفصالي. كلما صرخ بالجوع، أُسكت بالتخوين. وكلما قاوم، جاءته الخُطب والنصائح من فنادق مريحة خارج الحدود ليس وقته.
اللصوص هنا لا يخفون نهمهم، ولا حتى يعتذرون عن فسادهم. فهم يرون في الوطن مجرد حساب بنكي مفتوح، وفي الشعب مجرد رصيد سياسي يمكن السحب منه الحاجة. والمعنيّون بثورة الجنوب وبالشرعية، لا يهتمون إن أكل الجنوبي أوراق الشجر أو باع أثاثه ليشتري الدواء، مادام أن البيانات تُكتب، والخُطب تُبث، والولاء محفوظ.
الأشد مرارة، أن الناس لا يعيشون تحت سلطة تُخطئ وتُحاسب، بل تحت سلطات تُقدَّس أفعالها، وإن أخطأت، فالخطأ في الشعب لا فيها. سلطات تتحدث عن دولة لم تؤسس وهي لم تؤمن بها، وتدّعي تمثيل الناس بينما لم تُنتَخب حتى في مجلس حارة.
لقد بلغ العبث مداه، من ينهبك يتحدث باسم الوطن، ومن يقمعك باسم الثورة، ومن يسرقك باسم الشرعية. أما أنت، المواطن، فعليك أن تصمت، تصبر، وتصفق... وإن متَّ جوعًا، فسيرثونك على شاشات التلفزيون بكلمات ركيكة ودموع تماسيح.