​مقاومة طارق صالح مع حق "تقرير المصير".. حل الدولتين هل ينهي الحرب؟

> حامد فتحي*:

>
ما زالت الشرعية والتحالف العربي بقيادة السعودية متمسكين، على المستوى الرسمي، بثوابت الحل الثلاثة، المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ومخرجات الحوار الوطني وإعلان الرياض، وقرارات مجلس الأمن لاسيما القرار رقم (2216).

مقابل ذلك تتمسك جماعة الحوثي بالسيطرة الكاملة على جغرافيا جمهورية اليمن، وانسحاب التحالف العربي، ثم التفاوض مع الشرعية، وإعادة السيطرة العسكرية على المناطق المحررة متى ما أمكن.

وما بين تلك الرؤيتين متغيرات ميدانية وسياسية عديدة، جعلت كلا الطرحين غير واقعي، فهناك قوى فاعلة لها رؤى مغايرة، على رأسها المجلس الانتقالي الجنوبي حامل قضية استعادة دولة الجنوب، والمقاومة الوطنية في الساحل الغربي، والمصالح الخاصة لحزب التجمع اليمني للإصلاح (الإخوان المسلمين).
  • حلّ الدولتين
تشهد الساحة اليمنية حراكا دبلوماسيا واسعا من أجل التوصل لاتفاق بين الشرعية والحوثيين لتجديد الهدنة، التي انتهت في أكتوبر الماضي، وظلت الهدنة صامدة رغم ذلك، رغم ما تخللها من مناوشات عسكرية محدودة، وعدوان حوثي بالمسيّرات على الموانئ النفطية في المحافظات الجنوبية.

وفي إحاطته أمام مجلس الأمن الدولي، الشهر الجاري، حث المبعوث الأممي الخاص هانس جروندبرج، الأطراف اليمنية على استثمار حالة الهدوء العسكري للتوصل لاتفاق لتجديد الهدنة وتخفيف الأعباء الاقتصادية، ليكون كبداية حلّ للأزمة، وترعى سلطنة عمان جهود الوساطة بين طرفي الصراع، وتداولت مصادر يمنية أنباء عن تواصل السعودية مباشرة مع الحوثيين للاتفاق على تجديد الهدنة.

في سياق الحديث الأممي عن حلّ نهائي للأزمة، نقلت وسائل إعلام يمنية أخبارا عن طرح دول غربية مقترحا لإنهاء الحرب عبر شرعنة المكتسبات الميدانية لطرفي الصراع، بتأسيس دولتين في اليمن، في خطوة قريبة لطرح "حلّ الدولتين" بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

وبخلاف الوضع في فلسطين، ليس هناك مشروع سياسي جامع للقوى المنضوية تحت عباءة الشرعية اليمنية، والتي تتوزع بين حزب الإصلاح الإخواني في مأرب بشكل أساسي، والمجلس الانتقالي الجنوبي في جميع المحافظات الجنوبية بسيطرة عسكرية مباشرة أو بالدعم الشعبي كما في حالة المهرة ووادي حضرموت، والمقاومة الوطنية في الساحل الغربي بقيادة العميد طارق صالح.

وحول موقف الانتقالي الجنوبي من فكرة حلّ الدولتين، صرح نائب رئيس الدائرة الإعلامية في المجلس الانتقالي الجنوبي منصور صالح، بأنّه لو طُرح حل دولتين سيكون بين الشمال والجنوب، لأنّ جزءًا من الشرعية شماليون يتحدثون عن تسوية بين الشرعية الشمالية والحوثيين، وقال لـ"حفريات": شركاء الشرعية حتى الآن لم يتعاملوا مع الجنوبيين بصفتهم أصحاب حقّ في استعادة دولتهم، مؤكدا أنّ "مشروعنا هو دولة الجنوب العربي".

من جانبه، أوضح العميد ركن ثابت حسين صالح، نائب رئيس المركز الوطني للدراسات الاستراتيجية، بأنّ استعادة دولة الجنوب العربي بعد وحدة مرتجلة وفاشلة مع جمهورية اليمن أصبحت ضرورة موضوعية، واستجابة لمطالب شعب الجنوب وكفاحه، وحلا عادلا وجذريا للأزمات والحروب التي شهدها اليمن منذ قيام الوحدة عام 1990.
  • انقسام الشرعية
ومنذ تشكيل مجلس القيادة الرئاسي في (أبريل) 2022، لم يُحرز تقدم في أهم مهامه وهي إنهاء الأزمة سلما أو حربا، وترسخت فكرة تجنب الخيار العسكري لدى جميع الأطراف، بعد جمود الوضع الميداني منذ أشهر، ومن ضمن المهام المنوطة بالمجلس كان تشكيل فريق التفاوض من سائر مكونات الشرعية تمهيدا لخطوة التفاوض مع الحوثيين، لكن على ما يبدو لم يُحرز تقدم في هذه المهمة.

ولا يتعلق الأمر فقط بتشكيل فريق يعبر عن مكونات الشرعية، بل بالاتفاق بين هذه المكونات على حلٍ واقعي للأزمة، بحيث يتحدث الفريق بصوت واحدٍ، بما يحقق مصالحهم في مواجهة الحوثي ذي الصوت الواحد.

ولهذا أمام الشرعية تحدٍ يتمثل في الخروج برؤية واقعية للحكم في مناطقها، في ظل وجود ثلاث قوى رئيسية، الأولى المجلس الانتقالي الجنوبي ومن ورائه الجنوبيون، والمقاومة الوطنية في الساحل الغربي، وحزب الإصلاح في مأرب وتعز.

وحول مشروع المقاومة الوطنية، يقول الصحفي في مكتبها الإعلامي، عبد السلام القيسي، بأنّ رؤية المقاومة الوطنية هي الدخول في شراكة مع الجميع لتحرير البلاد واستعادة صنعاء، وبعد ذلك للشعب الحق في تقرير مصيره، سواء في وحدة أو انفصال.
وأضاف لـ"حفريات" بأنّ موقع المقاومة الوطنية كوسط في الجغرافيا والمعركة، والرؤى بين الشمال والجنوب، منحها التواجد بكل مكان وبناء علاقات متينة مع كل الأطراف.

وحول رؤية الجنوبيين، أفاد العميد ركن ثابت صالح، بأنّه في كواليس المفاوضات والمشاورات التي جرت وما زالت، يرى الجنوبيون أنّ الحل النهائي والجذري هو عودة دولتي اليمن المتعايشيتن، مع بعضهما البعض ومع محيطهما العربي.

وتابع العميد الجنوبي، بأنّ الوحدة التي تمت بين الدولتين انتهت عمليا وقانونيا، وتحولت إلى احتلال للجنوب من قبل نظام صنعاء عام 1994، الذي تحكمه الآن ميليشيات الحوثيين الموالية والمدعومة من إيران.
ولفت إلى أنّ الجنوبيين الآن بقيادة المجلس الانتقالي الجنوبي يسيطرون على معظم مساحة أراضي الجنوب، بل ويدعمون عمليات التحالف العربي والمقاومة لتحرير الشمال من الحوثيين.

أما حزب الإصلاح الإخواني، الذي كان شريكا للحكم في صنعاء مع حزب المؤتمر الشعبي حتى العام 2011، ثم بات المهيمن على الشرعية منذ ذلك وحتى اليوم، فيتبنى خيار دولة اليمن الواحدة، يقول الصحفي القيسي: "كثرت مشاريع الأطراف، الجنوب يريد دولته، والإصلاح معركته الجنوب".
  • مقاربات جديدة
بتتبع العلاقات البينية بين مكونات الشرعية، يتبين أنّ هوة الخلافات بين حزب الإصلاح الإخواني والمجلس الانتقالي الجنوبي تكاد تفوق ما بين كل منهما والحوثيين، خاض الطرفان معارك طاحنة على مدار أعوام، انتهت نسبيا بتوقيع اتفاق الرياض بينهما لعام 2019، ولم تنته فعليا إلا بعد سيطرة الجنوبيين على أبين.

ويتكرر الصراع بين الانتقالي والإخوان في حضرموت والمهرة، يستند الانتقالي إلى الحقّ الجنوبي بدعم من سكان الجنوب، بينما الإصلاح يعمل على تحويل الجنوب لمركز قوى بعد فقدان مواقعه في المحافظات الشمالية، فمعظم الإخوان شماليون بخلاف الانتقالي الجنوبي.
على مستوى الجنوب، يرعى الانتقالي حوار جنوبي - جنوبي بين مختلف المكونات الجنوبية الفاعلة، لبناء رؤية جنوبية جامعة من أجل استعادة دولة الجنوب، وفق نظام فيدرالي، يتبقى للشرعية مناطق الساحل الغربي وهي موحدة مع المقاومة الوطنية، وفي مناطق هيمنة الإخوان الشمالية لا يوجد مشروع واقعي.

ويؤكد الصحفي القيسي بأنّ المقاومة الوطنية منذ انطلاقها، هدفها الأول هو الحوثي فقط، لذلك تشكيلاتها العسكرية على عكس كل المكونات الأخرى، فهي ليست مناطقية ومن كل مدن اليمن وجهاتها، لكنها مقيدة بين كل الأطراف.
ولا يعني ذلك أنّ الإصلاح هدفه تحرير صنعاء وإقامة دولة واحدة، كما لا يعني أنّ الانتقالي الجنوبي قد يتفق مع الحوثيين، لأنّ الحوثيين لا يؤمنون بدولة الجنوب، ويتبنون خيار الجمهورية اليمنية على أساس حدود ما بعد العام 1994.

بسؤاله عن كواليس الحلول الأممية للأزمة، أجاب العميد ركن ثابت صالح، بأنّ من مشاريع الحل تقسيم اليمن إلى عدة أقاليم شكلية، وهناك من يرى حل الدولة الاتحادية بإقليمين، جنوبي وشمالي، مع بقاء السيطرة للمركز في صنعاء.
ويرى صالح بأنّ المشكلة الأكبر تكمن في إطار أطراف المفاوضات، حيث يصر الحوثيون على التفاوض مع السعودية التي يعتبرونها تقود الحرب، فيما ترى قوى شمالية كحزب الإصلاح أنّ الحرب وبالتالي المفاوضات هي بين الانقلابيين الحوثيين وحكومة الشرعية، وأنّ أي حديث عن حل لقضية الجنوب يؤجل إلى ما
بعد إنهاء الحرب، ويتساءل صالح، لكن على أي أساس ستنتهي الحرب؟

وفي ضوء هذه الاختلافات بين مكونات الشرعية، لم يعد من المجدي لمصلحة اليمن غض الطرف عن معالجة ذلك، والخروج بتوافق يحقق مصالح الجميع، ودون ذلك سيكون الحوثيون هم الكاسب الأكبر، ومن لديهم قدرة على فرض شروطهم.
وبحسب بيانات أممية حتى نهاية عام 2022، يفتقر أكثر من 17.8 مليون شخص، من بينهم 9.2 مليون طفل، إلى المياه النظيفة وخدمات الصرف الصحي والصحة، ويحتاج أكثر من 8.8 مليون طفل إلى خدمات الحماية من العنف والاستغلال والتجنيد، ومنهم حوالي 2.2 مليون طفل دون سن الخامسة يعانون من الهزال، منهم 500 ألف على الأقل يعانون من الهزال الحاد.
*"صحفي مصري - حفريات"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى