السياسة الخارجية المصرية تجاه المسألة اليمنية

> القاهرة "الأيام" د. إيمان زهران:

> تُبنى الرؤية التنموية المصرية 2030 في محورها السابع "السلام والأمن المصري" ، على النص التالي: "تضع الدولة المصرية أولوية قصوى للأمن بمفهومه الشامل على المستويين الوطني والإقليمي كضرورة حتمية لتحقيق التنمية المستدامة والحفاظ عليها، ويتضمن ذلك ضمان الأمن الغذائي والمائي وأمن الطاقة المستدام والاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي والبيئي والأمن المعلوماتي (السيبراني) وتأمين الحدود المصرية ومكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة". وهو ما ينقلنا بالحديث عن الدور المصري في رأب الصدع بالمسألة اليمنية، وتحركات القاهرة الخارجية للمساهمة في إنجاز متطلبات التسوية السياسية وفقا للرؤى الأممية والتوافقات العربية، وبما يضمن حفظ الأمن والاستقرار لإقليم البحر الأحمر، والعمق الجنوبي للأمن المصري، والمنطقة العربية ككل.
  • مقاربات مصرية
تتسم "المسألة اليمنية" بكونها ذات طبيعة مُركبة، تتفاعل خلالها العديد من الأطراف المحلية الوطنية، والإقليمية، والدولية الأممية. بالمقابل، تأتي القاهرة عبر سياستها القائمة على حفظ استقرار الأمن القومي العربي بهيكلة عدد من المقاربات للتعامل مع الملف اليمني، أبرزها:

- الخصوصية اليمنية: إذ تُدرك القاهرة الأهمية الجيوسياسية لليمن، وانعكاس التطورات السياسية والميدانية على الأمن القومي المصري والعربي، وذلك بالنظر إلى التهديدات القائمة من جانب جماعة الحوثيين لأمن الممرات البحرية، وحركة التجارة العالمية، وإمدادات النفط بالبحر الأحمر، ومحورية مضيق باب المندب، ومركزية قناة السويس في ظل حالة الركود العالمي كإحدى ارتدادات الحرب الروسية الأوكرانية وحالة التباطؤ بالتعافي الاقتصادي عقب جائحة كورونا.

- تعزيز الدولة الوطنية: أحد أهم المقاربات المصرية في رؤيتها لرأب الصدع وإنجاز متطلبات التسوية السلمية في الدول المأزومة بالإقليم العربي، هو دعم سيادة الدولة الوطنية المركزية، ووحدة وسلامة أراضيها.

- محاصرة الفواعل من دون الدول: حيث تحرص الدولة المصرية على محاصرة وتطويق ووأد نشاط الفواعل من دون الدول مثل تنظيم القاعدة وتنظيم داعش، والإخوان المسلمين، ووكلاء القوى الصاعدة بالإقليم مثل جماعة الحوثيين في اليمن وحزب الله في لبنان، وأجنداتهم الرامية لزعزعة استقرار الدولة الوطنية وتفكيك مؤسساتها، وانعكاس أجنداتهم على تهديد أمن واستقرار الإقليم.

- نبذ التدخلات الخارجية: دوماً ما تؤكد القاهرة في سياساتها الخارجية على نبذ كافة التدخلات الخارجية بالدول المأزومة بالمنطقة العربية وفى مقدمتها اليمن، إذ أن أحد أهم المقاربات المصرية ما يتعلق برفض التدخلات الخارجية في إدارة التفاعلات السياسية والميدانية بالداخل اليمني.
  • تخوفات أمنية
دوما ما تُعلي القيادة السياسية المصرية من فرضية الأمن بالسواحل الجنوبية، وحماية الاستثمارات الاقتصادية والثروات الطبيعية ومواجهه التحديات القائمة في نطاق البحر الأحمر وخليج عدن، ويؤسس لذلك كافة التحركات المصرية مع تأزم الأوضاع في اليمن، وتزايد نمط التهديدات المتباينة كارتداد مباشر لحالة الصراع القائم، وذلك بالنظر إلى ما يلي:

- تنوع التهديدات التي تحيط بتلك المنطقة للأمن القومي المصري، والتي من بينها تحول المناطق المتاخمة للجزء الجنوبي للبحر الأحمر لبيئة حاضنة للتجارة غير المشروعة في السلاح والمخدرات، والإتجار بالبشر.

- تنامي تأثير الفاعلين من غير الدول في الجزء الجنوبي للبحر الأحمر على نحو أضعف بنية الدول الوطنية، مثل الجماعـة الحوثية في اليمن، والخلايا "الإرهابية" لتنظيم القاعدة في جنوب اليمن، وهو ما قد يؤدي إلى تهديد حركة وسلامة الملاحة البحرية في باب المندب الذي يُعد المدخل الجنوبي للبحر الأحمر ومنه لقناة السويس التي تظل مقوماً رئيسياً للمقدرات الاقتصادية للدولة المصرية.

وبالنظر إلى حجم التهديدات القائمة والمُحتملة مع تنامي أمد الصراع في الأراضي اليمنية، فثمة عدد من التحركات لتأمين تلك المنطقة، ودرء التخوفات الأمنية، وهو ما يظهر بالنظر إلى النقاط التالية:

- تدشين القاهرة لقاعدة "برنيس" العسكرية، بهدف حماية وتأمين السواحل الجنوبية للبلاد وحماية الاستثمارات الاقتصادية والثروات الطبيعية ومواجهة التحديات الأمنية في نطاق البحر الأحمر. كما تشارك القوات البحرية المصرية عبر "الأسطول الجنوبي" في تأمين مضيق باب المندب، ومداخل البحر الأحمر والجزر المطلة عليه ضد أي اعتداءات محتملة من قبل الجماعة الحوثية في اليمن وغيرها من الجماعات المسلحة النشطة في الدول المجاورة لمدخل البحر الأحمر.

- عضوية مصر في "مجلس الدول العربية الأفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن"، الذي أنشأته الرياض في يناير 2020. وقد صدر قرار الرئيس عبد الفتاح السيسي بانضمام مصر لهذا المجلس في نوفمبر 2020. ويضم المجلس في عضويته ثماني دول، هي: السعودية والأردن ومصر وإريتريا واليمن والسودان وجيبوتي والصومال.

ويهدف إلى رفع مستوى التعاون والتفاهم بين الدول الأعضاء، وتنسيق المواقف السياسية بينها، وتوثيق التعاون الأمني بهدف الحد من المخاطر والتهديدات التي يتعرض لها البحر الأحمر، وتعزيز أمن وسلامة الملاحة البحرية، والحيلولة دون أي تهديد يواجهه أو يعرضه لأية مخاطر، وتنمية العلاقات الاقتصادية والتجارية، وتعزيز الاستثمارات بين الدول الأعضاء وتعزيز النقل البحري وحرية حركة البضائع والخدمات بينها، وتعزيز التعاون بين الموانئ البحرية على طول ساحل البحر الأحمر وتنسيق التعاون بينها، بالإضافة إلى فتح قنوات التواصل مع الدول غير المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن والمنظمات الإقليمية والدولية.

- قيام اليمن في عام 2002، بإنشاء "تجمع صنعاء". وعلى الرغم من أن أحد أهم أهداف التجمع تتمثل في الحفاظ على السلام والأمن والاستقرار في القرن الأفريقي ومنطقة البحر الأحمر، إلا أن هذا التجمع لم يحقق الأهداف التي أنشئ من أجلها، حيث إن التحديات كانت أكبر من قدرات دول التجمع، كما أن اللجان التي أُنشئت لتحقيق أهدافه لم تُفعل، رغم كونها إحدى أهم الخطوات المؤسسية الناجعة لاحتواء التهديدات الأمنية بالمنطقة.
  • مُعالجات قائمة
تُبنى المعالجات المصرية للمسألة اليمنية على ثلاث مسارات رئيسية تشكل أهداف وسياقات تحركات القيادة السياسية المصرية في ذلك الملف، وذلك بالنظر إلى:

- الدعم الدبلوماسي: تدعم القاهرة كافة الجهود الهادفة إلى تحقيق السلام في اليمن وفقًا لمرجعيات الحوار الوطني اليمني، والمبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية، ونتائج المشاورات اليمنية الأخيرة في "الرياض" برعاية مجلس التعاون الخليجي والتي ضمت ممثلين من كافة الأطراف، وقـرارات مجلـس الأمن ذات الصلة، وكذا ترحيب مصر بإعلان الأمم المتحدة في الثاني من يونيو 2022 عن تمديد اتفاق الهدنة في اليمن، وتقديرها لجهود الحكومة اليمنية الشرعية، في احترام التزاماتها وفقًا لما نص عليه الاتفاق، ودعواتها لكافة الأطراف للتنفيذ الكامل لبنود الاتفاق، كإحدى الخطوات الإيجابية والتي يمكن البناء عليها لإطلاق عملية سياسية شاملة في اليمن وإنهاء أزمته القائمة.

- الانفتاح على كافة الأطراف الوطنية: تتبنى القيادة المصرية فرضية "الحوار مع الكافة" والاستماع لكافة الأطراف المنخرطة بالمسألة اليمنية كمحاول لخلق مساحات مشتركة يُبنى عليها مسارات التسوية السياسية، وذلك بالتزامن مع الترتيبات الجديدة وتشكيل مجلس القيادة الرئاسي ليضم ممثلين عن الأطراف في شمال اليمن وجنوب اليمن بالإضافة إلى الإعلان عن تشكيل اللجنة العسكرية والأمنية، مما أضفى مزيدًا من الوحدة والصلابة للجبهة الداخلية في اليمن. فضلاً عن الترحيب المصري بالتفاهمات اليمنية المحلية/ الوطنية، مثل الاتفاقيات التي تم عقدها بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي، وكذا دعم القاهرة للجهود الدولية والإقليمية لمسارات الحل السياسي لتلك الأزمة، ووقف العمليات القتالية، بما في ذلك مفاوضات جنيف عام 2015، واتفاقية ستوكهولم عام 2018، ومحاولات إيقاف إطلاق النار المتتالية، مثل: اتفاق وقف إطلاق النار في ديسمبر 2015، واتفاق وقف إطلاق النار في أغسطس 2016، وصولًا إلى اتفاق الهدنة في إبريل 2022.

- الدعم الإنساني: يتمثل المسار الثالث في مساندة القاهرة للأوضاع الإنسانية بالأراضي اليمنية، فعلى سبيل المثال: إبان جائحة كورونا تم إعداد وتجهيز شحنة مساعدات من المستلزمات الطبية والمطهرات، للمساعدة في مجابهة انتشار فيروس كورونا والأوبئة الأخرى المنتشرة باليمن، حيث تم نقل المساعدات عبر طائرة نقل عسكرية ليتم تسليمها للحكومة الشرعية اليمنية من خلال مركز الملك سلمان للإغاثة والمساعدات الإنسانية بالرياض في يوليو 2020. وقبل ذلك، قدمت مصر مساعدات وشحنات متتالية من الأدوية والأمصال والمستلزمات الطبية والمواد الغذائية، كانت موجهة لمساندة الأوضاع الإنسانية للشعب اليمني في 2015، و2018.

تأسيساً على ما سبق.. اتسمت السياسة الخارجية المصرية فيما بعد 30 يونيو 2013، بقدر كبير من الترابط بدوائرها الجيوسياسية، وهو ما انعكس على المحددات المصرية تجاه المسألة اليمنية والتي انتهت إلى عدة ثوابت رئيسية متمثلة في: الحفاظ على وحدة الأرض اليمنية، ونزع أسلحة الجماعات المتطرفة، وإعادة إعمار اليمن، وتفعيل مؤسسات الدولة الوطنية، واحترام إرادة الشعب اليمني، وإيجاد حل سلمي للأزمة القائمة، بالإضافة إلى الرفض القاطع للتدخل الخارجي في الشؤون العربية عبر الأذرع الممتدة للقوى الإيرانية في المنطقة، وفي مقدمتهم جماعة الحوثي في اليمن. وهي تلك الثوابت قيد الاختبار والتقييم المرحلي بالنظر إلى حجم التنسيقات المصرية - الخليجية لحلحلة الأزمة القائمة، والبناء على المبادرات العربية وخارطة الطريق الأممية لإنجاز متطلبات الحل السياسي للمسألة اليمنية.

"سوث24 ".

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى