معادلة الحكم الجائرة على طريق إضاعة القضية الشمالية

>  تشكيلة الحكم الحالية التي نتجت عن مشاورات الرياض غير عادلة، ولذا نتج عنها هذا الهرج والمرج والذي سببه تصريح الرئيس العليمي لترحيل القضية الجنوبية إلى ما بعد تحرير صنعاء، وكل همه هو التسريع بالوصول إلى اتفاقات مع الحوثي من خلال مباركته للمفاوضات الجارية والموافقه على شروط الحوثي كاملة ومن ناحية أخرى رئيس الوزراء يقوم بمواصلة إحكام الحصار الاقتصادي، من خلال إصدار قرارات اقتصادية جائرة على الجنوب والتعمد في تعطيل الخدمات وعدم دفع المرتبات وغيرها. وأما رئيس البرلمان البركاني كل همه الالتقاء بالهيئات الأجنبية لصب جام غضبه على الجنوب ووصفه بالإرهاب وغير ذلك.

نحن في الجنوب أمام معضلة كبيرة، لأن الإقليم ممثل بمجلس التعاون، كان مشرفا على هذه التشكيلة كيف مرت عليهم؟ وكيف لم يعترض عليها ممثلو الجنوب في المشاورات ؟ لا أحد يدري هل استخدمت طلاسم وسحر حتى تم التوافق على هذه التشكيلة القيادية لثلاث مؤسسات هامة للدولة، التي تمثل اتجاها واحدا، ومعروف دورها في الماضي تجاه الجنوب فقد كانوا أعمدة نظام عفاش ما بعد 7/7 وعند الثورة السلمية التحررية التي فجرها شعب الجنوب وما تعرض له من قمع وحشي بل كان بعضهم في لجان شكلت لقتل النشطاء الجنوبيين خارج نطاق القانون. واستنجدوا بالقاعدة لتقوم بهذه المهمة بحجة عودة ( الشيوعيين ) الجنوبيين حسب زعمهم للواجهة وكيف بالله تريدونهم أن ينصفوا الجنوب وهم يحملون نفس السياسة الشمالية المدمرة تجاه الجنوب ولم تتغير ؟

من الواضح أن العليمي لم يصرح إلا وهو يستند إلى دعم قوى إقليمية وحتى دولية، حتى يضع الجنوبيين أمام الأمر الواقع، إما أن يقبلوا التنازل عن حقهم في استعادة كرامتهم، وهذا مستحيل أن يقبل بتفجير الوضع الجنوبي من داخله وخلق معارك جانبية يشغلهم بها. وكانت الشرارة التي لم يتوقعها هو ولا داعموه بأن الجنوب انتفض عن بكرة أبيه ضد هدا التصرف الغبي ووقف وقفة رجل واحد رافضا تهميش قضيته العادلة.

يلاحظ المراقبون بأن ما يجري هو تماهي هذه المعادلة الجائرة مع انقلاب صنعاء، حيث توافق على كل شروطه وتفتح له الموانىء والمطارات بل وتوافق على صرف مرتبات موظفيه من ثروات الجنوب، علما بأن ملكية حقول النفط والغاز ما زالت بأسماء حكام 7/7 وهم الآن يقدمون جائزة لانقلابي 21 سبتمبر، تسليمهم إنتاج النفط والغاز تحت حجة دفع المرتبات. السؤال ماذا تبقى للشعب؟ وكل ذلك يجري تحت نظر وبصر الإقليم والعالم، وهذا الأمر الذي يقود إلى تقويض حق شعب الجنوب في الوجود.

فالجنوب لديه قضية عادلة وحاملها السياسي هو المجلس الانتقالي، وهناك إجماع جنوبي على ذلك رغم أن هناك من يحاول إفراغ ذلك الإجماع من خلال إبراز مكونات جنوبية لم تدخل في نطاق الانتقالي، للتقليل من الإجماع الجنوبي ويظلون يعزفون على هذا الوتر الحساس. ليس من أجل إنصاف تلك المكونات ولكن من أجل تهديم المشروع الجنوبي. ونحن نعرف ذلك ولكننا نثق بأن قيادة الانتقالي، وأي مكون جنوبي خارج إطاره، بأنهم يعملون بجد واجتهاد لسد هذه الثغرة بكل الوسائل وعلى وجه السرعة، من أجل تشكيل جبهة وطنية عريضة، لمواجهة التحدي القادم الذي يظهر بأن هناك من يريد أن يمرر صفقة لا تتناسب مع تطلعات الجنوب باستخدام شق الصف الجنوبي.

اليوم تبرز لنا قضية يتجاهلها أصحابها، وحتى الإقليم يسير بنفس درجة التجاهل وهي القضية الشمالية، التي تعاني من تشرذم وانهزام وخاصة بعد استيلاء جماعة أنصار الله المدعومة إيرانيا على الحكم في صنعاء، وادعاؤها بأنها تمثل الشرعية اليمنية. الآن وبعد أن تكشفت كل أوراق اللعبة هل ستظل النخب الشمالية تتجاهل قضيتهم الشمالية؟ وهل يعتقدون أنهم عبر حركاتهم البهلوانية السياسية سيجدون الجنوب وطنا بديلا، ويتركون الحوثي يوطد أركان حكمه؟ وهل يعتقدون أن الجنوبيين لا يعرفون ذلك؟ مع الأسف ما زالت هناك قوى سياسية شمالية تعتقد أنها تملك مفاتيح حل الازمة بمساندة عمياء من الإقليم والعالم، بينما هي من مكنت أنصار الله من الاستيلاء على العاصمة صنعاء، وتسليمها كل أجهزة ومؤسسات الدولة وأصبحت قوة على الأرض، فمن يعتقد بأنه سيقبل الحوثي التنازل عن الحكم أو يشرك أحدا معه فهو واهم أو يعيش في كوكب آخر، لما تعتبره حقها الإلهي في الحكم وأصبحت تلك النخب يمينها ويسارها ووسطها ومشائخها وقبائلها مشردين في أصقاع الأرض، ولن يقبلهم الجنوب إن لم يشمروا السواعد لاسترداد عاصمتهم صنعاء، والعمل على لم صفوفهم لاستعادتها بدلا عن التفرغ لضرب اللحمة الجنوبية، وتوطين وجودهم في الجنوب بمختلف الوسائل. ولديهم وهم أن ذلك حقهم في الحكم كما هو الحال بالنسبة لأنصار الله في صنعاء ولهذا تجدهم باسم الشرعية والدعم الإقليمي والدولي يحاولون تثبيت حكمهم في الجنوب ومساومة الحوثي بالموافقة على كامل شروطه، لإرضائه لكي يقبل أن يشركهم في الحكم، مع تقديم الجنوب ترضية له للقبول بمشروعهم. ولهذا كان تصريح العليمي في ذلك السياق. ونعرف أن بعد العودة إلى صنعاء والتفاهم مع الحوثي للمشاركة معه بأي حصة، سيكون هناك طرح آخر لحاجة اسمها قضية جنوبية، التي ستصبح حينها لا عادلة ولا يحزنون وستطرح للمناقشة كإحدى القضايا الحقوقية، وستضاف إليها قضيايا حقوقية أخرى لمناطق مثل تهامة وصعدة وغيرها، بينما تحولت قضية صعدة بقدرة قادر من قضية محلية إلى قضية حق إلاهي، يستحقون حكم الشمال كاستحقاق تاريخي وإلاهي، مع إضافة حكم الجنوب لهم عبر هذه التشكيلة، ومن يتحدث بعد ذلك عن استعادة الدولة من الجنوبيين، حينئذ سيكون انفصاليا و ملاحقا وسيقدم للمحاكمة تحت تهم العمالة والخيانة.

نصيحة للنخب والمعادلة الجائرة الشمالية بان تعيد حساباتها، فالحوثي قد ملك صنعاء بالحديد والنار وينفذ أجندات إيران في اليمن. وبدأ بتوطيد حكمه ولن يتنازل لأحد لمشاركته في الحكم، ولديكم تجربة غير بعيدة، كيف تعاملوا مع حليفهم عفاش لمجرد أنه أبدا رأيا معارضا لأدائهم، وهو من هو الذي سهل وصولهم إلى صنعاء وسلمهم مفاتيح الحكم، فما بالكم أنتم المشردون في أصقاع الأرض. ولهذا نقول اتركوا الجنوب يقود نفسه، ولديه خبرة دولة محترمة، فهو سند لكم إن رغبتم في استعادة دولتكم، ولكنه لن يكون وطنا بديلا أو قاطرة تجرونها إلى حضن الحوثي وإيران، وشكلوا جبهتكم الوطنية وتوحدوا على خطة عمل مشتركة، الهدف منها تحرير صنعاء من هذه الإدارة التي تديرها طهران وستجدون كل الدعم من الجنوب، غير ذلك فأنتم تسيرون وراء الأوهام وتضيعون فرصة ثمينة، فالجنوب لن يقبل السمسرة و الوصاية عليه واقتياده من جديد إلى باب اليمن، فقد دفع ثمن تحريره غاليا، ولن يسمح لأحد باستغفاله من جديد تحت أي مسمى كان.
خاص بـ "الأيام"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى