قديمه الجديد

>
ماذا نفعل، ماذا اقول؟

هذا الرجل وإلى اللحظة لم يفهمه أحد!!
أقول لروحه: من قال لك تكون هنا؟
لم يفهموك.. ولن نفهم..
اقرؤوا...

لماذا أكتب المذكرات؟
بقلم: أحمد محمد نعمان  
الشرق الأوسط
مايو 1983م

دعاني الابن العزيز فاروق لقمان على صفحات صحيفتنا العالمية "الشرق الأوسط" التي يتنفس في أجوائها الصافية كل مكروب. والصادرة يوم الاثنين 16/5/1983م تحت عنوان (أبيض وأسود).. دعاني لتسجيل مذكراتي ونشرها.
وقد أثارت هذه الدعوة في نفسي الأسئلة التالية:

هل أكتب المذكرات لملء الصفحات تعاونا مع الأحباب الصادقين الذين أصدروا الصحف والمجلات حرصا على كلمة الصدق، ونشر الحقائق، وإيقاظ الغافلين، وتحريك الجامدين، حتى لا تظهر تلك الصحف والمجلات بيضاء نقية؟ أو للحديث عن النفس وعرضها على الآخرين لكسب رضاهم وإعجابهم؟
أو لتقديم الدروس والعظات حتى يستفيد القراء ويتعظوا ويسعدوا، فالسعيد من اتعظ بغيره.. وما كانت القصص في كتاب الله عن الأمم والرسل والأنبياء إلا عبرة لأولي الألباب كما جاء في القرآن: (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ ۗ) و (وَكُلًّا نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَۚ وَجَاءَكَ فِي هَٰذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِين)؟
والجواب على هذه الأسئلة أضعها كالآتي:

1 - إذا كانت الكتابة لملء الصفحات، ففي أحداث العالم وتطوراته ما يغطي آلاف الصحف والمجلات.. وما نقص فالشعراء والأدباء والكتاب كفيلون بتغطيته" هل غادر الشعراء من متردمِ" . وكما لم يغادر الشعراء في الماضي من متردمِ فإن أجهزة الإعلام في الحاضر لا تقل عنهم إن لم تكن أكثر وأغزر.
2 - وإذا كانت الكتابة للحديث عن النفس فوالله إني لزاهد كل الزهد فيها. بل إني لأشعر بالأسى والندم إذا تذكرت ما أسلفت في هذا السبيل من عرض النفس والحديث عنها قبل (48) وبعدها أيام الكفاح والصراع - بكسر الصاد وضمها - أيام المد الثوري، والاندفاع الثوري، والحماس الثوري لتحقيق الوحدة العربية في ظل الحرية والديمقراطية.
لقد اكتشفنا أننا عشنا أحلامًا وأوهامًا بددتها وحطمتها ثورية الثلث الأخير من القرن العشرين التي جعلت من علم الوحدة كفنًا لها، ومن الحرية والديمقراطية شعارا لأقسى أنواع الظلم والقهر والإذلال.
ورغم الخجل وفقدان الحماس للحديث عن الذات إلا أنني أشعر بالسعادة في أعماقي إذا ذكرني الآخرون بخير وأثنوا ثناءً حسنا، بل وأهتز طربا كما اهتز الرسول صلى الله عليه وسلم حين أنشده كعب بن مالك:
إن الرسول لسيفٌ يستضاء به     مهندٌ من سيوف الله مسلولُ
فقال الرسول صلى الله عليه وسلم  وهو يهز رأسه -كما روى كتاب السير: زه. زه (أي زد. زد) تحدثا بنعمة الله لا زهوا ولا فخرا، والمرء أحيانا يرفض الشيء وهو شديد الرغبة فيه. وقد عبر الشعراء عن هذا المعنى كثيرا مثل قولهم:
إني لأمنحك الصدود وإنني قسما إليك مع الصدود لأميل
 وقولهم:
إذا اشتاقت الخيل المناهل أعرضت عن الماء فاشتاقت إليها المناهل
وأرجو ألا يكون الإفصاح عن هذه الحالة الخاصة والشعور النفسي بالارتياح إلى المدح.. أرجو ألا يكون مبررا لبعض البطانات التي تحيط بالحكام فتندفع للمبالغة والإغراق في مدحهم وإطرائهم والثناء عليهم وتضليلهم عن رؤية الحقائق فتنقلب الصور في نظرهم وتختلط الأمور عليهم فيرون الأبيض أسود، والصباح مساء كما قال شوقي:
يولد السيد المتوج غضًا طهرته في مهده والنعماء
لم يغيره يوم ميلاده بؤس ولا ناله وليدًا شقاء
وإذا ما المعلقون تولوه تولى طباعه الخيلاء
وسرى في فؤاده زخرف القول يراه مستعذبًا وهو داء
فإذا أبيض الهديل غراب وإذا أبلج الصباح مساء
3 - أما إذا كانت الكتابة ليستفيد المتأخرون من تجارب السابقين، ويأخذوا الدرس، والعبر، والعظات ويجتنوا الأخطاء والغلطات.
فإن التجارب علمتني وأقنعتني بما اقتنع به كثيرون من قبلي وهو أن منسوب الذكاء في عالمنا العربي لم يصل بعد إلى مستوى الانتفاع بتجارب الغير. كما أننا لم نستوعب الحكمة القائلة: "الذكي من انتفع بتجارب غيره، والغبي من انتفع بتجارب نفسه".. بل لقد هبطنا إلى المستوى الذي لم نعد ننتفع معه حتى بتجارب أنفسنا.

وحسبنا أن نلقي نظرة على عالمنا العربي خلال الثلاثين عامًا الماضية لنرى أننا نرتكب الخطأ ونكرره في كل مجالات حياتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
خلافاتنا كانت أقوى سلاح بيد إسرائيل لقهرنا وإذلالنا.. ومع ذلك لا زالت تمزقنا الخلافات الطائفية والعنصرية والحزبية والقبلية التي جعلت قلب شيخ من كبار شيوخ القبائل في اليمن يقطر دمًا من هول هذه الخلافات نسأل الله له الشفاء.
ومن المعذب لنفوسنا والمريح لأعدائنا أننا أصبحنا نفخر كل الفخر بانتصارنا على بعضنا وقهر شعوبنا وإذلال أمتنا وخنق الحرية في أعماقنا يصدق علينا:

سريع إلى ابن العم يلطم خده وليس إلى أعدائه بسريعِ
نسأل الله سبحانه ألا يتخلى عنا ولا يؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، ولا يحكم به على أولئك الذي كاد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يهلك حزنًا وأسفًا لعدم إيمانهم بما جاءهم به من عند الله فخاطبه الله رحيمًا به ومشفقًا عليه:
(فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَٰذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا)
(إِنَّا جَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا ۖ وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَىٰ فَلَن يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا).

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى