التصالح مع التاريخ

> التصالح الحقيقي لا يعني إعادة صياغة أحداث الماضي وفق قناعاتنا ورغباتنا اليوم وتحيزاتنا الراهنة.

فالأحداث تلك أصبحت ملكية حصرية للتاريخ، ولذا فمنطق التاريخ يحتم علينا أن نقرأها كما حدثت، وأن نستلهم منها ما يعيننا في تفاصيل حياتنا حتى لا نقع ضحية لتكرار الأحداث واستنساخها بكل ما فيها من سوء وألم.

صحيح أن كثير من حقائق تلك الأحداث قد تعرضت للعسف في تفاصيلها أثناء كتابة تاريخنا خدمة للحاكم -أكان حزبًا أو فردًا - حتى المروي منها أصابته تشوهات أخرجته عن سياق الوقائع كما حدثت فعلا لا كما يراد لها أن تصل للوعي الجمعي وتستقر في قاعه مؤدية لتشظي العلاقات البينية وتتحكم في طبيعة العلاقة مع الآخر.

ذات العسف يستخدمه البعض اليوم لتشويه تاريخنا المعاصر وتزييف حقائق حية لم تغب بعد عن النظر فكيف بالذهن والذاكرة النشطة المتوثبة لرفض كل زيف ومغالطة.

السياسة وتحيزاتها بطبيعتها تؤثر على موقفنا من التاريخ، وتخلق حالة من الانقسام في النسيج الاجتماعي تبعًا للتموضعات الناشئة استجابة لتداعياتها وما تفرضه من أمور وأن كانت طارئة إلا أن تبعاتها تظل حاضرة في المجتمع وبين أفراده وقواه المختلفة.

محاولات عسف التاريخ المعاصر التي تتم اليوم لا تسعى لخدمة أجندات وطنية بقدر ماهي تلبية لنزوات لها علاقة بمشاريع قادمة من خارج الجغرافيا السياسية.

أتذكر أنني طرحت على الشهيد الشيخ راوي العريقي أحد أهم رموز مقاومة عدن، في اللقاء الوحيد الذي جمعني به وبعض قيادات المقاومة في سبتمبر 2015 في الرياض بعد تحرير عدن ضرورة توثيق يوميات المقاومة وحفظ حقوق المقاومين الحقيقيين، فأثلج صدري وقتها حين أخبرني بشروعه في ذلك، وأنه قد أفرد الفصل الأول للحديث عن مهندس عملية تحرير عدن الشهيد اللواء جعفر محمد سعد.

قتلوا الراوي قبل خروج مذكراته للنور وقتلوا واعتقلوا وشردوا غيره من رموز مقاومة عدن ليتصدر المشهد رفاق لهم كان حريًا بهم أن ينحازوا لإنصاف التاريخ.

الشعوب الحية التي تنتصر لقضاياها العادلة هي التي تتصالح مع ماضيها وتستفيد من اخطاءه لضمان عدم تكرارها راهنًا ومستقبلًا، بما يعزز من المصالحة الوطنية والبناء على المشتركات وفي المقدمة منها تضحيات المناضلين دون انتقاصًا أو نكران.

غير ذلك سيظل التصالح مجرد علكة تلوكها ألسن الساسة وأصحاب النفوذ كلما اقتربت مصالحهم من الضياع.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى