صراع المشاريع.. وأشياء أخرى

> يقول تعالى في كتابه الحكيم ((وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا))، و التعارف كمفهوم( و كما نفهمه) يشمل في طياته كثيرا من الدلالات والمعاني في حياة المجتمعات البشرية، فالمصالح بين الشعوب تُشكّل سلسلة طويلة من الحلقات المتشابكة، تبتدئ من التعارف الإنساني المجرد، ومرورا بالتنمية والاقتصاد والنواحي الأمنية وتبادل المصالح أيا كانت طبيعتها أو شكلها على أساس من العدل والاعتراف بالآخر وعدم التمييز العرقي أو الديني أو الفكري. و في مسيرة التاريخ البشري تعددت الرؤى لدى البشرية في الفكر والسياسة والاقتصاد، وتعددت الأديان والفلسفات وما صاحب ذلك من اختلافات وخلافات وصراعات دموية بين الأمم.  وفي تاريخ الشعوب حدث أن توازت المصالح أحيانا، كما حدث وأن تقاطعات المصالح و كانت أثمان ذلك باهظة على البشرية في أحايين كثيرة. وبرزت من كل تلك الصراعات والحروب نتائج تخدم أطرافا(الأقوى)، وبطبيعة الحال لا تخدم أطرافا أخرى وهي الأطراف الضعيفة أو التي خسرت معارك الصراع.

في التاريخ الحديث أخذت نتائج الحرب العالمية الثانية مداها، وجاءت الحرب الجارية بالوكالة بين أُوكرانيا و الاتحاد الروسي التي لا زالت تداعياتها المتصلة والمتواصلة تلقي بظلالها على العالم، وثبت لكل ذي عقل، صعوبة استمرارية أحادية القطبية -بعد سقوط المعسكر الاشتراكي في بداية التسعينيات من القرن الماضي- سيما وأن الرأسمالية المتوحشة زادت في تكشير أنيابها لنهب العالم و ليزداد الأغنياء غنىً ويزداد الفقراء بؤسا وجوعا. وتبدّى أيضا للمتابعين أن الراسمالية ومحورها الأنجلو سكسوني يريدان إنهاء قوة كل قوي، فشنت حروبها في كثير من دول العالم من يوجسلافيا إلى العراق وسوريا واليمن وليبيا وأوكرانيا، ولا يزال لديها بنك أهداف من الأنظمة السياسية المطلوب تغييرها. سقطت نظرية الضدية إذ ثبت أن النظام الرأسمالي والاشتراكي لم يكونا متضادين من وجهة نظر مفاهيمية فلسفية(كما كان يقال)، كذلك ومن ناحية أخرى أثبتت التجربة الصينية التي استطاعت المزج الفعلي الاقتصادي لخليط من الفلسفات الاقتصادية، أن التجربتين الرأسمالية والاشتراكية تتشابهان في أشياء وتختلفان في أشياء أخرى ولذلك فالنظامان ليس أكثر من متناقضين ولكنهما ليسا متضادين.

اليوم وفي هذه المرحلة التاريخية المهمة التي بدأت تشكل ملامح المرحلة المقبلة من تاريخ البشرية، حيث يتشكل النظام العالمي الجديد المتعدد الأقطاب، أين يجب أن نتموقع، وماهي المعطيات التي يجب أن نتخذها منطلقا لنا لبناء كينونتنا الجديدة إن أردنا أن يكون لنا موقع يتناسب وإمكانياتنا الاقتصادية والجيو سياسية؟ اليوم يجب علينا أن نعترف إننا كنا لعقود طويلة أسرى لمفاهيم خزعبلية مثل مفهوم المشروع العربي، الذي لم يكن له وجود سوى في العقول الصدئة، ومثل ذلك يمكننا القول عن المشروع الفارسي الذي لم يوجد سوى في العقول المهترئة في الطرف الآخر، ذلك أن القادم من المشاريع في المستقبل إنما سيكون مبنيا على أسس جغرافية واقتصادية وامتلاك لقدرات علمية وبشرية وعسكرية، تجعل وجودنا كأمة، ممكنا بين عالم الأقوياء. وقبل ذلك علينا أن ندرس بعمق مقدراتنا بكل أشكالها الجغرافية والاقتصادية والبشرية، وأن نضع أسسا لتحالفاتنا الممكنة مع الأطراف القوية غير المهيمنة، وليس بالأطراف(أو الوكلاء) الذين هم ليسوا في وضع أحسن حالا منا. كما علينا التخلي عن العقلية السياسية المتبلدة التي اجتررناها لعقود طويلة من الزمن. علينا اختيار الحلفاء المخلصين لمبادئ العدل والحرية بعيدا عن حلفاء الابتزاز والنهب للثروات الوطنية للشعوب. أخيرا علينا أن نقيم قدراتنا الذاتية بعيدا عن عقد النقص المركب الذي يجعلنا أتوماتيكيا ليس أكثر من تكملة العدد للدول، المرفوعة أعلامها في ساحة الأمم النتحدة، وأن ندرك جيدا أننا نستحق موقعا في سلم رقي الأمم يليق بنا كأمة قادت العالم لقرون طويلة، قبل أن تتخلى عن قدراتها لصالح الاستعمار القديم منه والجديد. ونقول لمن يقودونا كونوا على مستوى الهدف الوطني لشعب الجنوب، وإن لم تصلحوا الأمور التي خربتموها بأياديكم وعقولكم القاصرة، فإن لعنة الله والناس و التاريخ أجمعين ستحل عليكم وسيضعكم التاريخ في كيس زبالته. والله والشعب المظلوم من وراء القصد.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى