الهند والباكستان تحكمان المملكة البريطانية

> في هذا عبرة، لا ريب في ذلك، يا أولي الألباب، فالمملكة البريطانية تُحكم لأول مرة من رعاياها تحت التاج البريطاني الاستعماري، و تتنازعها فكرة الانفصال بدوافع تاريخية و اجتماعية و حتى دينية آتية بقوة - هذه المرة - من اسكتلندا كما من ايرلندا ، قبل أن يكتمل عقد الربع الأول من القرن الـ 21، بعد أن كانت بريطانيا - الامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس - في القرن الـ 19 و نصف القرن الـ 20 .

ليس في هذا العبرة، و قد أخبرنا ابن خلدون و شبنجلر و سواهما : إن الحضارات و الدول يجري عليها ما يجري على الإنسان من مراحل نمو و قوة ثم وهن و ضعف و زوال.

إنما العبرة : أن رجلين من الأقليات من شبه القارة الهندية، درة التاج البريطاني يوما ، يجلسان على كرسي الحكم في انجلترا و اسكتلندا هما : ريشي سوناك الهندوسي من أصول هندية و حمزة يوسف المسلم من أصول باكستانية بالتوالي في انجلترا و اسكتلندا و اللذان سيبحثان قطعا مسألة انفصال اسكتلندا عن الاتحاد البريطاني ، بعد 75 عاما من صنيعة بريطانيا(العظمى) بفصل الباكستان عن الهند و ما جره ذلك من صراع مرير بين البلدين المصنفين قوة نووية مذ حين .

ما زلت أتذكر التوصيف الدقيق لبريطانيا من رئيس تحرير مجلة "العربي " الكويتية الشهيرة العالم الجليل د. أحمد زكي ، في إحدى افتتاحياته الشهرية ؛ حين وصف بريطانيا بعقادة العقد فهي لا تخرج حاملة عصاها من مستعمراتها دون أن تعقد عقدة مستعصية دينية كانت أو أثنية أو اجتماعية في هذه المستعمرة أو تلك ، و تبقي خيوط الحل - غالبا - بيدها .

فقد خرجت بريطانيا من الهند بعد أن آزرت الباكستان للانفصال في إقليم السند، و أخذت جزءا من إقليم كشمير المسلم و أخضعته لدولة الهند كعقدة نزاع دائم بين دولتي الهند و الباكستان .

و لا نبرئ بريطانيا من تشجيع الأقلية البيضاء في جنوب أفريقيا من حكم البلد الأفريقي بنظام الفصل العنصري المقيت و تحميل أهل البلد الأصليين صنوف الإرهاب و القتل والتمييز العنصري قبل أن تركع ثورة الشعب جنوب أفريقيا بقيادة الثائر الكبير نيلسون منديلا الأقلية الأوروبية الحاكمة و إخضاعها لإرادة شعب جنوب أفريقيا البطل.

ثم أن بريطانيا خرجت من السودان بعد أن عقدت عقدتها بين جنوبه وشماله، و إشعال حرب أحرقت الأخضر واليابس، و روعت سكان البلاد على مدى أكثر من ثلاثة عقود قبل أن يصل السودانيون إلى حل بانفصال الجنوب وتأسيس دولته ولكن دون أن تنتهي مشاكل هذا البلد الشقيق شمالا وجنوبا.

أما انتدابها الاستعماري - سيئ الذكر - على فلسطين العربية فإن عقدتها هناك هي أم العقد كلها و مازال جرحها ينزف حتى الآن. فقد هيأت لليهود إقامة دولة عنصرية صهيونية بموجب و عد بلفور عام 1917 م و ليتم فعلها المشين تحت جناح حرابها الاستعمارية و رعايتها للمهاجرين اليهود من شتى الأصقاع لينزرعوا في أرض فلسطين مكونين كيانهم العنصري الاستبدادي.

إن أوروبا العجوز غير قادرة على الإيفاء بمتطلبات وجودها دون الوافدين من أفريقيا وآسيا ، ولسنا بصدد المحاكاة الاستعمارية بما فعلته الحقبة الاستعمارية في القارتين بقدر ما يتطلب الأمر نوعا من المساواة القانونية بين السكان، أصليين أو وافدين، دون تشنجات عنصرية من القوميين المتعصبين أو سواهم تجاه الوافدين الذين هم أبناء لهذه الدولة أو تلك بموجب القوانين السائدة في عالم اليوم، فالإنسان أين ما وجد لا أين ما ولد.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى