​الزواج المبكّر في اليمن.. تعنيف ثم سعي للطلاق

> نادر الشرفي

> قد يكون الزواج المبكّر مدخل الفتاة نحو حياة قاسية ومستقبل كئيب. فاطمة محمد، فتاة من محافظة ذمار، تحكي قصة مؤلمة عن حياتها بعد الزواج، والمآسي التي ظلت تلاحقها منذ أن صارت عروسًا في السادسة عشرة من عمرها.

بعد أن وصلت فاطمة إلى الصف الخامس الابتدائي، قرر أبوها فصلها عن المدرسة، وقال حينها إن فاطمة أصبحت كبيرة، ولم يعد من المناسب لها الخروج من البيت إلا للضرورة. يغلب هذا النوع من التفكير على الكثير من الأسر في المناطق الريفية في اليمن.
لم تستطع فاطمة أن ترفض قرار الأب، أو تخالف رأيه. وبعد أيام من إيقافها عن المدرسة، أخبرها أن شخصًا من نفس المنطقة طلب خطبتها لابنه. تمت الخطوبة، وعقد القران، ثم الزواج بعد شهر واحد.

تقول فاطمة لـ ”المشاهد”: “كان عمري حينها ١٦سنة فقط، ولست على وعي بهذه الأمور، ولم يكن بيدي أن أقول أي شيء، لأن الكلمة الأولى والأخيرة عندنا هي للأب، وعلى البنت أن تقول  "حاضر" لكل شيء يُقال لها. وعلى هذا كان زواجي من شخص لا أعرف عنه شيئًا أبدًا، وابتدأت قصتي مع المعاناة والعذاب" .

تزوجَتْ فاطمة تلبية لقرار أبيها، على رجلٍ لا تعرف عنه شيئًا، وكان يبلغ من العمر 28 سنة. لم تكن تعلم أنه سيجعلها تعيش في جحيم منذ الشهر الأول من الزواج، ويعاملها كأنها أسير.
تقول فاطمة: "عشت طيلة ست سنوات من العذاب، لا أذكر أنني سمعت كلمة طيبة واحدة من الرجل الذي كان زوجي. أخذ مني تلفوني بعد أسبوع واحد فقط من زواجنا، وحرمني من التواصل مع أهلي، كان يسمح بالتواصل معهم مرة أو مرتين بالأسبوع بتلفونه، ويظل بجانبي أثناء اتصالي بهم".

لم تكن تعلم عن عمله شيئًا، وحينما تسأله، كان يصرخ في وجهها، ولا يسمح لها أن تتدخل في هذا الأمر. ظلت فاطمة في البيت وفي خدمة والد زوجها وإخوانه، بينما هو لا يعود إلا في وقت متأخر من الليل، وأحيانًا لا يعود.
صمدت فاطمة أمام تلك المأساة، وأنجبت طفلتين (أريج ونورة)، وكانت فترات الحمل والإنجاب من أسوأ الأيام التي عاشتها في ظل غياب الرعاية والاهتمام. بعد إنجاب الطفلة الأولى، اعتقدت فاطمة أن زوجها سيتغير بعد أن يصبح أبًا، لكن لم يحدث ذلك.

السعي للطلاق

مع مرور الوقت، لم تستطع فاطمة تحمل المزيد. قررت بعد ست سنوات من الوجع والمعاناة أخذ الطفلتين والعودة إلى منزل أبيها بهدف الإفصاح عن رغبتها في الطلاق النهائي من زوجها. تقول: "عدت إلى أهلي مع طفلتيَّ، وأخبرتهم بكل الذي أعانيه مع زوجي، وأني أريده أن يطلقني، لأني وصلت لدرجة أتمنى فيها الموت".

المجتمعات المنغلقة والمحكومة بالعادات والتقاليد، ترى في المرأة المطلَّقة عيبًا وشيئًا من النقص عن بقية النساء، وتعتقد تلك المجتمعات أن كمال المرأة مرتبط بشرفها ووجودها على ذمة رجل، بغض النظر عن سيرة هذا الرجل وإنسانيته وأخلاقه.
ما إن عبّرت فاطمة عن رغبتها في الطلاق، صرخ والدها في وجهها، ورفض طلبها. أمرها بأن تعود إلى بيت زوجها، وهو سيتكفل بالأمر ويتكلم مع زوجها، وكل شيء سيكون على ما يرام.

لم تعترض فاطمة على قرار أبيها. رجعت إلى بيت زوجها، وعندما وصل الزوج إلى البيت في المساء، اقترب منها، وضربها على وجهها، وسحبها بشعرها، وشتمها وأهلها بصوت مرتفع. كان الزوج غاضبًا لأن والد فاطمة طلب منه أن يحسن من تعامله.
ظلت فاطمة هادئة حتى الصباح، ثم أخذت طفلتيها، وهربت إلى أهلها مرة أخرى، وأخبرتهم بكل شيء. وجد أهلها آثار الضرب على وجهها، وحينها وافقوا على أن الطلاق هو الحل. تواصلوا مع الزوج لكي يطلق وتنتهي القصة، لكنه رفض رغم كل الوساطات والتدخلات من الأقارب والجيران.
اتجهت فاطمة بدعم من أبيها إلى القضاء بحثًا عن الطلاق. توجهت مع والدها وإخوتها إلى محكمة ذمار، وقاموا برفع دعوى خُلع ضد زوجها، وبدأ فصل جديد من المعاناة.

تحكي فاطمة لـ ”المشاهد" قائلةً: "قُمنا بتوكيل محامٍ من طرفنا، وبدأت الجلسات في قضية طلاقي. استمرت الجلسات ثلاث سنوات، وحتى الآن لم أصِل إلى نتيجة. قام أبي ببيع قطعتَي أرض خلال فترة المحاكمة، ليتمكن من دفع مستحقات المحاماة، وتكاليف الجلسات، ومصاريف تنقلنا من قريتنا الريفية إلى المدينة لحضور بعض الجلسات وغيرها".

مازالت القضية عالقة حتى اليوم، بحسب فاطمة. كانت آخر جلسة قبل أربعة أشهر. بالرغم من المعاناة التي عاشتها فاطمة، والخسائر التي تكبدتها أسرتها، فقد طُلِب منها التنازل عن حقوقها المالية وإعادة المهر الذي دفعه الزوج.

مماطلة المحاكم

تلجأ بعض النساء إلى المحاكم للخلاص من علاقة زوجية كانت بمثابة زنزانة يتعرضن فيها للضرب والتعذيب. تضج أروقة المحاكم اليمنية بمئات الملفات العالقة لدعاوى الخُلع التي ترفعها نساء مضطهدات من قبل أزواجهن. لكن الذهاب إلى المحاكم يعني دخولهن في نفقٍ آخر من المعاناة التي يعِشنها أثناء فترة إجراءات المحاكمة الطويلة، والتي قد يصل عمر بعض القضايا فيها إلى أكثر من أربع سنوات، كما هو الحال في قضية فاطمة.

في حديثه لـ ”المشاهد" يوضح الناشط الحقوقي أحمد الفقيه أن القانون اليمني يقدِّم نظامَيْن مختلفَيْن للطلاق، نظامًا للرجل، وآخر للمرأة. يرى الفقيه أن في هذَيْن النظامَين مزيَّةً للرجل على حساب المرأة، حيث يتمتع الرجل بحق الطلاق غير المشروط ومن طرف واحدٍ دون الحاجة إلى اللجوء للقضاء، بينما يتوجب على المرأة الذهاب إلى المحاكم لطلب الطلاق، وهناك تبدأ رحلةً جديدة من المعاناة تستمر لسنوات في سبيل الحصول على حكم الطلاق.

ويشير الصحفي أشرف الوصابي لـ ”المشاهد" إلى أن الإجراءات القضائية في بلدنا، خصوصًا في ما يتعلق بدعاوى الخُلع، إجراءات مليئة بالعوائق، وتأخذ فترات طويلة، كما أن تكاليفها باهظة، ومعاييرها قائمة على منح الموقف الأقوى للرجل.
الناشطة مها خالد ترى أن تعاطي القضاء في قضايا الطلاق يمثل حصانة للرجل في ارتكابه الانتهاكات بحق زوجته دون أن يردعه أحد.
تضيف خالد لـ ”المشاهد" أن المرأة حين تطلب طلاقها تبقى في ساحة المعركة وحيدة، والجميع يعترض قرارها ويقف ضدها، حتى المجتمع والقانون عندنا يُلزِمان المرأة التي تطلب الطلاق من زوجها أن تخضع لمحاولات الصلح الإجباري، ولو كانت الزوجة قد طلبت الطلاق نتيجة تعنيفها وتعذيبها، فيما لا أحد يعترض على الزوج حين يقرر طلاق زوجته.

يقول الكاتب نزار محمد لـ ”المشاهد" إن التعامل مع المرأة اليمنية يتم على أنها كائن ناقصٌ في حدِّ ذاته، ولا يكتمل نقصه إلا بتبعيته للرجل، كما يُنظَر إلى المرأة بأنها عاجزة عن اتخاذ قرارات هامة ومفصلية في حياتها دون تدخل من أحد، وهذا الفكر - للأسف - مستشرٍ وضارب جذوره في أعماق الذهنية المجتمعية التي مكَّنت الرجل من وصايته الكاملة على المرأة، مستندًا على سطوة المجتمع وشللية القانون وتماهي القضاء مع مثل هذه المسائل الوجودية.

بعد سنوات من البقاء في جحيم الحياة الزوجية، وسنوات من البحث عن حلول في المحاكم، لم تعد فاطمة تحب نفسها أو حياتها. تختم حديثها قائلةً: "بدأت أكره نفسي من هذه الحالة التي أنا فيها، وأشعر بأنني أصبحت ثقيلة على أهلي، فقد خسروا كل شيء يملكونه في سبيل تطليقي من هذا الرجل، وصرت عالة أنا وطفلتاي، دون أن يرسل لهن أبوهن فلسًا واحدًا… لا أدري متى ستنتهي هذه القضية، وأبدأ أعيش حياتي الطبيعية".

 "المشاهد نت"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى