الجيش الجزائري: لا للتدخلات الخارجية بدعوى «مكافحة الإرهاب»

> الجزائر "الأيام" العرب:

> ​تروج الجزائر لاعتماد مقاربة أفريقية خالصة في التعاطي مع كبرى التحديات المقلقة للقارة، على غرار الإرهاب والجريمة العابرة للحدود والهجرة السرية، معلنة عن تمسكها برفض أي تدخل عسكري أجنبي بدعوى محاربة الإرهاب، رغم ما للمسألة من تعقيدات وتأويلات مع تحول أفريقيا تدريجيا إلى ساحة صراع بين مختلف القوى الكبرى من أجل الاستحواذ على مواطئ نفوذ فيها، خاصة منذ اندلاع الأزمة الأوكرانية.

وعبر قائد أركان الجيش الجزائري الفريق أول سعيد شنقريحة عن رفض بلاده أي تدخل عسكري داخل القارة السمراء بدعوى محاربة الإرهاب، مشيرا إلى أن القارة في حاجة إلى مقاربة وجهود تجنب إشعال المزيد من بؤر التوتر والاقتتال.

ولم يشر الرجل الأول في مؤسسة الجيش إلى هوية الأطراف الإقليمية أو الدولية التي تريد التدخل في أفريقيا عبر بوابة الحرب على الإرهاب، ولو أن الخارطة توحي بأن هناك أكثر من لاعب يريد توجيه الأحداث وفق مقاربته.

وبدا قائد الجيش الجزائري يحاول تفادي إحراج طرف بعينه وسعى إلى أن تكون الرسالة شاملة.

وتعتبر الولايات المتحدة وفرنسا من أكبر القوى النافذة عسكريا في أفريقيا، فالأولى تملك قاعدة “أفريكوم”، والثانية ترعى القوة الأفريقية لمحاربة الإرهاب، قبل أن تدخل روسيا على الخط، وتحاول عبر مجموعة “فاغنر” مد نفوذها في عدد من الدول الأفريقية منها مالي وبوركينا فاسو وأفريقيا الوسطى.

وفي جميع الحالات فإن الجزائر لا يمكن لها أن تدخل في مناكفة مع أي من الأطراف المذكورة، فهي قبل ذلك تمثل شريكا إستراتيجيا وأمنيا لروسيا في القارة الأفريقية، كما أنها ترتبط بشراكات مع واشنطن وباريس، ولذلك فإن رسالة قائد أركان الجيش ليست سوى تعبير عن دعم المؤسسة العسكرية لرؤية الرئيس عبدالمجيد تبون في مقاربته للوضع الأمني بأفريقيا، على اعتباره منسق الاتحاد الأفريقي لمحاربة الإرهاب والتطرف.

ويقول متابعون للشأن الجزائري إن الجنرال شنقريحة لا يستهدف طرفا بعينه في الرسالة المذكورة، بقدر ما يعبر عن دعم مؤسسته للأفكار التي رافع لها الرئيس تبون، في رسالة وجهها لمنتدى مجلس الأمن حول الإرهاب والتطرف في أفريقيا، حيث شدد على أن الحل يستوجب أن يكون أفريقيا، وأن المعالجة الأمنية ستبقى غير مجدية إذا لم ترافقها معالجة اجتماعية لتفكيك بؤر الفقر والتخلف التي تشكل المستنقعات الحقيقية للظاهرة الإرهابية العابرة للحدود.

وقال شنقريحة كلمة أمام ضباط بمقر قيادة القوات البرية في الجزائر العاصمة، جاء فيها إن الجزائر “ترفض أي شكل من أشكال التدخل الأجنبي في المنطقة بحجة مكافحة الإرهاب، لأنها مقاربة أثبتت فشلها الذريع، وأن إرادة الجزائر على إضفاء ديناميكية جديدة على جهود مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل والصحراء”.

وكان الرئيس الجزائري قد ذكر في رسالة وجهها للنقاش في مجلس الأمن الدولي، حول محاربة الإرهاب والتطرف، بأن بلاده “وبحكم توليها مهام منسق الاتحاد الأفريقي للوقاية من هذه الآفة والتصدي لها، تواصل مساعيها الرامية للمساهمة في تعزيز العمل الأفريقي المشترك في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف”.

وذكّر تبون بـ”وضع خطة عمل جديدة للاتحاد الأفريقي في مجال مكافحة الإرهاب، وتفعيل الصندوق الأفريقي الخاص بمكافحة الإرهاب، ووضع قائمة أفريقية للمجموعات والكيانات والأشخاص المتورطين في أعمال إرهابية، بما في ذلك المقاتلون الإرهابيون الأجانب، وتجسيد مشروع الأمر بالقبض الأفريقي”.

وأضاف “تواصل بلادي دعمها للآليات والوكالات الأفريقية المتخصصة في هذا المجال، خاصة المركز الأفريقي للدراسات والبحوث المتعلقة بالإرهاب وآلية الاتحاد الأفريقي للتعاون الشرطي، وهما الآليتان اللتان تحتضن الجزائر مقريهما، فضلا عن لجنة أجهزة الأمن والاستخبارات الأفريقية الكائن مقرها بأديس أبابا”.

وجاءت رسالة الرجل الأول في المؤسسة العسكرية، لتكرس المزيد من التناغم والانسجام بين مؤسسات الدولة، رغم ما للملف من تعقيدات أمنية وإستراتيجية، خاصة في الظروف الحالية المتسمة بتصاعد الصراع والضغوط على الجزائر لإبعادها عن المحور الخصم في ما يتعلق بالأزمة الأوكرانية.

وتبقى الجزائر من الدول القليلة التي تبدي تشددا كبيرا في التعامل مع التنظيمات الإرهابية، وترفض الخضوع للابتزاز أو تقديم الفدى أو إبرام صفقات سرية بدعوى حماية المصالح والأفراد، ولذلك كانت منزعجة مما أقدمت عليه في أكثر من مرة السلطات الفرنسية في منطقة الساحل، لما أبرمت صفقات من أجل حماية رعايا لها.

ويبدو أن الجزائر التي تمتلك البعض من مفاتيح اللعبة الأمنية في القارة الأفريقية ومنطقة الساحل تحديدا، تريد التأكيد للقوى الفاعلة في المنطقة تحت مسمى الحرب على الإرهاب، أنه لا يمكن تجاوز دورها، وأن المقاربة هي أمنية اجتماعية، وأنها من خلال رصد مبلغ مليار دولار للاستثمار في أفريقيا، إنما تسعى لتجفيف المستنقعات الخصبة لزرع الإرهاب والتطرف.

ودعا حينها الرئيس تبون، أيضا الشركاء الدوليين إلى “العمل بصفة ثنائية وجماعية، في إطار الأمم المتحدة، على دعم الجهود الأفريقية في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف، لاسيما عبر السعي لتحقيق جملة من الأهداف، بدءا بتعزيز قدرات الدول الأفريقية، وكذلك منع استخدام أراضي الشركاء الدوليين كمنصات للتحريض أو دعم أنشطة إرهابية في دول أخرى، مع مضاعفة الجهود لتفادي المساهمة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في تمويل الإرهاب”.

وشدد على ضرورة “دعم الآليات والعمليات المشتركة المفوضة من قبل الاتحاد الأفريقي لمكافحة الإرهاب، خاصة عبر الفصل في مسألة تمويلها باللجوء إلى ميزانية الأمم المتحدة، والعمل على بلورة جيل جديد لعمليات حفظ السلام بحكم أن النموذج التقليدي لهذه العمليات لم يعد يتماشى مع الواقع والتهديدات الجديدة، لاسيما مواجهة الإرهاب والجريمة المنظمة”.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى