لماذا ترفض الحكومة إعلان "شرمة" محمية طبيعية؟!

> بسام القاضي:

>
  • مساعٍ لتحويل محمية "شرمة" إلى ميناء جديد لتصدير النفط
> كشف مسؤولون في السلطة المحلية وهيئة حماية البيئة بمحافظة حضرموت جنوبي اليمن عن مساعٍ حثيثة تقف خلفها جهات متنفذة لاستحداث خط ممر نفطي إلى البحر عبر محمية "شرمة" كمنطقة تصدير وإنشاء ميناء جديد داخل المحمية التي تعشش فيها الآلاف من السلاحف البحرية منها المهددة بالانقراض.

تعتبر منطقة "شرمة" محمية طبيعية من الفئة الثانية وفقا لتصنيف الاتحاد الدولي لصون الطبيعة ومواردها IUCN، تحتل مساحة 30 ألف هكتار من الشواطئ والأراضي الساحلية، تستغل كمنطقة للتهريب من قبل "المتنفذين" في تجارة المشتقات النفطية، السلاح والمخدرات، ومنها "الشبو" وغير ذلك، ولهذا السبب كما يفيد المسؤولون في حضرموت ترفض الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا إعلانها محمية طبيعية رغم مرور أكثر من عقد على أول مطالبة بذلك.

إلى ذلك يتطرق مشروع قرار إعلان شرمة محمية طبيعية تقدم فيه وزير المياه والبيئة توفيق الشرجبي، منتصف 2022، إلى رئيس الحكومة الشرعية المعترف بها دوليا الدكتور معين عبدالملك إلى المهددات التي تواجهها المحمية ومنها قتل السلاحف البحرية وأكل لحومها أو تركها كمخلفات، حجز المناطق الساحلية لأغراض البناء الشخصي والعام وتدمير مناطق التعشيش للسلاحف، تجريف أو ردم هذه المناطق، إنشاء مواني جديدة بالرغم من وجود مناطق كافية ومناسبة غير المواقع التي تنتشر فيها البيئات المميزة للمنطقة، التلوث الناتج من تغيير زيوت المحركات القوارب، التلوث الناتج من رمي المخلفات الصلبة والسائلة لمنطقة المد والجزر (القمامة - المجاري المنزلية).

توصلت دراسة أجريت عام 2013-2014م لرصد ومراقبة السلاحف لمدة 11 شهرا من قبل جمعية حلفون لحماية الحياة الفطرية بالشراكة مع جمعية علوم الحياة اليمنية وبدعم مادي من الوكالة الأمريكية لخدمات الأسماك والأحياء البحرية، إلى أن إعداد السلاحف التي تم رصدها في منطقة الدراسة التي تقدر بـ 2 كيلو متر فقط من إجمالي طول الشاطئ (5220) متر في منطقة "يثمون" قدرت بحوالي (41854) سلحفاة.

فيما تشير دراسات أخرى عديدة إلى وجود 5 أنواع من السلاحف البحرية في محمية شرمة الطبيعية بمحافظة حضرموت هي السلاحف الخضراء، سلاحف منقار الصقر، السلاحف الزيتونية، السلاحف كبيرة الرأس، السلاحف ظهرية الجلد، وجميعها مدرجة في القائمة الحمراء للأنواع المهددة بالانقراض وفقا لتصنيف الاتحاد الدولي لصون الطبيعة، وقد أكدت الدراسات سابقا على أهمية شاطئ رأس شرمة باعتباره أكثر مناطق التعشيش أهمية للسلاحف الخضراء في المنطقة العربية بضمنها البحر العربي وخليج عدن، والاحتمال الأكبر هو أنه واحد من أحسن الشواطئ المتبقية بالعالم.

لماذا ترفض الحكومة إعلان "شرمة" محمية طبيعية؟!
لماذا ترفض الحكومة إعلان "شرمة" محمية طبيعية؟!

في أكتوبر 2021 أعلنت الحكومة الشرعية المعترف بها دوليا 3 محميات طبيعية هي محمية "خور عميرة" بمحافظة لحج، محمية "العزيزي ورأس عمران" في العاصمة عدن، محمية ”فرمهن“ بمديرية حديبو محافظة سقطرى، متناسية إعلان منطقة "شرمة" بمحافظة حضرموت كمحمية طبيعية.

ولازال الصيد الجائر للسلاحف البحرية قائم حتى اللحظة داخل بعض المواقع في المحمية الكائنة بمديرية الديس الشرقية بحسب إفادات بعض الصيادين ونشطاء البيئة في ساحل حضرموت، فيما يؤكد المهندس محمد عوض الغرابي مدير محمية "شرمة - جثمون" بأنه تم الحد من عملية الذبح وخاصة في شرمة لأنه يوجد مدخل واحد لها وتأمينها من قوات خفر السواحل وإذا وجد ذبح فإنه قليل مقارنة بالسنوات السابقة كون السلاحف تعشش في أربعة مواقع وهي شرمة، وجثمون، وضرغم، ورأس باغشوة حيث يشكل طول ساحل التعشيش أكثر من 8 كيلو متر، وله مداخل كثيرة وقد يحصل ذبح في هذه المواقع بين الوقت والآخر استطعنا الحد منه بيقظة وتعاون قيادة قوات خفر السواحل بمحافظة حضرموت، بعد عقد سلسلة من الاجتماعات الطارئة شملتهم، والجهات المختصة بمديرية الديس الشرقية.

يقول الغرابي، بإن أبرز المخاطر والمشكلات والتحديات التي تواجهها محمية "شرمة" هي التمدد العمراني والمخططات السكنية والحجوزات العشوائية في حرم المحمية، عدم توفر لائحة عقوبات للحد من ظاهرة ذبح السلاحف، وكذلك لائحة تنظيم الدخول إلى المحمية للحد من العبث بمقدراتها، غياب مستوى الوعي البيئي بأهمية السلاحف لدى سكان القرى المجاورة وزوار المحمية، مؤكدا أن تأخر الإعلان الرسمي عن محمية شرمة يشكل التحدي الأكبر.

وحدد المهندس بدر عوض السييلي مدير إدارة الموارد الطبيعية والمحميات بالفرع ما يميز منطقة "شرمة" كمحمية طبيعية، وهو وجود التنوع الحيوي الموجود من السلاحف الخضراء كونها مصدر بيئي ضمن التنوع الحيوي لأي بيئة بحرية أو شاطئية، والذي يعد من أهم مواقع تعشيش السلاحف في اليمن ووجود الشعاب المرجانية والحيوانات والطيور البرية مثل الضباء والأرانب والحباري وغيرها، وأيضا وجود مواقع أثرية تاريخية والكهوف الطبيعية يعود تاريخها إلى مئات السنين.


إلى ذلك يشير المهندس محمد الغرابي مدير محمية "شرمة - جثمون" بأن الحفاظ على المحمية من التدهور وإيقاف استمرار الصيد الجائر والمتوحش للسلاحف البحرية يكمن في سرعة إعداد لائحة تقليدية تنظم العقوبات للمخالفات بما يتناسب مع نوع المخالفة المرتكبة وتطبيقها من خلال الوحدات التنفيذية وهذا لا يأتي إلا من خلال إصدار قرار حكومي لإعلانها محمية رسمية يشمل القرار هيكل إداري للمحمية وضمها إلى شبكة المحميات الإقليمية والدولية، بالإضافة إلى إعداد خطة لإدارة وتطوير المحمية بميزانية تشغيلية. كما إن إدراجها ضمن المواقع السياحية البيئية الاستثمارية ضرورة ملحة.

ويؤكد الغرابي أن موقف المجتمع المحلي والسلطات الرسمية وحماية البيئة في حضرموت تجاه استمرار التعدي على المحمية والصيد الجائر والمتوحش للسلاحف البحرية في المنطقة غير مُرضٍ، ولكن في ظل الظروف التي تمر بها البلاد أصبحت غير قادرة على تطبيق الحماية والصون بموجب البرامج المعد لها من قبل الهيئة وإنما العمل يقتصر على التنسيق المشترك مع قيادة قوات خفر السواحل بمحافظة حضرموت القطاع الشرقي.

وعن الإحصائيات الحديثة المتوفرة حول عدد السلاحف البحرية في محمية "شرمة" من حيث التواجد والاصطياد، يشير المهندس بدر عوض السييلي مدير إدارة الموارد الطبيعية والمحميات بالفرع، أنه لا توجد إحصائيات حديثة ووفقا لعملية مسح في دراسة أجريت العام 2013-2014م تم رصد (41854) سلحفاة خرجت للشاطئ، باضت منها حوالي (37069) سلحفاة خلال فترة الدراسة التي امتدت 11 شهرا، لكن الثغرات في معلوماتنا تظل حول ديناميكية أعداد السلاحف البحرية وتاريخ حياتها والتهديدات والمخاطر التي تواجهها وغياب البحوث المنشورة والموثوقة حول السلاحف في الجمهورية اليمنية كونها مصدر حيوي مهم حيث تناقصت أعدادها بسرعة على النطاقين العالمي والمحلي عبر التأثير السلبي للإنسان وتجمعت ضدها الكثير من فعاليات التمدن والتحضر وغيرها من الأنشطة.

لا ينكر السييلي عدم وجود دراسات وأبحاث علمية وتقارير نزولات ميدانية للباحثين والمختصين في الهيئة حول محمية شرمة ويعتبرها بحسب قوله "محدودة جدا" كما فسر غياب البحوث المنشورة حول السلاحف، إلى عدم خلق تعاون مشترك بين الهيئة والجامعات البيئية وأيضا بعد المنطقة وعدم توفر الإمكانيات المادية لإجراء مثل هذه الدراسات البحثية ودعمها وتشجيعها من قبل الدولة.


يفيد الباحثون في علوم البحار والبيئة بأن السلاحف البحرية بأنواعها المختلفة، إلى جانب أنواع عديدة من النباتات والشعاب المرجانية تشكل كنزا حقيقيا للاقتصاد الوطني الزاخر بالتنوع الحيوي، لكن هذا التنوع أصبح مهددا، ويواجه تحديات كثيرة أخطرها العامل البشري الذي لا يتوانى عن الممارسات التي تهدد هذه السلاحف البحرية النادرة والمهددة بالانقراض بشدة.

الباحث البيئي جمال الحراني، أشار في ورقة بحثية وفقا لـ منصة "حلم أخضر" إلى أن التجمعات التي تكونها الكلاب الضالة في الشواطئ، تشكل مخاطر أخرى تهدد السلاحف البحرية في محمية شرمة - جثمون مما يجعل السلاحف الصغيرة عرضة للخطر المستمر، وتم رصد هذه التجمعات فوق مواقع التعشيش للسلاحف الخضراء في منطقة رأس شرمة الطبيعية، حيث تصطاد الكلاب أيضا بيض السلاحف.

في العام 1997 صادقت اليمن على اتفاقية الاتجار الدولي في الأنواع المهددة بالانقراض "اتفاقية سايتس CITES" وقد أدرجت السلاحف البحرية في الملحق من هذه الاتفاقية التي تعد اليمن أحد الدول العربية الموقعة عليها وبموجبها تحظى السلاحف البحرية بالحماية من التجارة الدولية.

تنص المادة (52) من القانون اليمني رقم (2) لسنة 2006م بشأن تنظيم واستغلال الأحياء المائية وحمايتها بـ "يحظر على كل شخص طبيعي أو اعتباري صيد الحيتان أو الثديات البحرية أو صيد السلاحف أو استعمال بيضها عدا المخصص للأبحاث العلمية بترخيص من الوزارة".

كما أن المادة (53) من القانون نفسه تنص على الآتي "أ - يحظر على المصانع والمعامل والمختبرات المختلفة ومحلات تصنيع وتداول المواد الكيماوية والبتر وكيماوية تصريف مخلفاتها إلى المياه البحرية. ب - يحظر تصريف مجاري المياه العامة الملوثة في المياه البحرية إلا بعد معالجتها. ج - يحظر على كافة أنواع وأحجام العائمات البحرية تصريف مخلفاتها المحتوية على الوقود والزيوت أو الشحوم أو المواد السامة أو أية مواد أخرى ضارة مباشرة إلى البحر".

تتميز المناطق الساحلية بتعدد النظم البيئية تبعا لتنوع التركيب الجيولوجي والجغرافي للشريط الساحلي وتعتبر مناطق "شرمة - جثمون" مناطق تعشيش للسلاحف البحرية الخضراء وجلدية الظهر وغيرها من الأنواع النادرة على مستوى منطقة المحيط الهادي وهذه المناطق تعتبر محطات للتعشيش وسجلت فيها نسب عالية من أعداد هذه السلاحف البحرية النادرة. أيضا توجد مناطق ذات تنوع عالي بالشعب المرجانية والطحالب والقشريات والقواقع وكذا من الطيور البحرية التي تتواجد بأعداد كبيرة.


أن مناطق رأس شصر، رأس جثمون، بن رمضان، ورأس باغشوة، وكريف، مناطق مؤهله لإعلانها كمحميات طبيعية نظراً لما تحتويه من ندرة للنوع وأهمية لسكان المناطق الساحلية لوفرة مصادرها من أنواع سمكية وقشريات، الأمر الذي يؤدي إلى انتعاش الحركة الاقتصادية والتجارية والعمرانية والسياحية في المنطقة الساحلية.

إلى جانب ما سبق كونها تمثل حواجز طبيعية لحماية المواطن الرئيسية للشعب المرجانية في المنطقة الساحلية والبحرية وتمثل الشعب المرجانية المتواجدة بالقرب من السواحل المرجانية والصخرية والجزر البركانية مناطق ذات أهمية سياحية لهواة الغوص والسباحة السطحية ومأوى للعديد من الأحياء البحرية وأسماك الزينة ومصائد للمجتمعات الساحلية بمحافظة حضرموت، وبالتالي تشكل واحدا من أهم مناطق التنزه السياحية لسكان المحافظة وزوارها وكذلك تعتبر من أهم مناطق تعشيش السلاحف البحرية والطيور المستوطنة والمهاجرة.

كما تتميز منطقة شرمة - جثمون بوجود وانتشار مناطق تعشيش السلاحف البحرية الخضراء والأنواع الأخرى المهددة بالانقراض على مستوى المحيط الهادي والعالم، تواجد أنواع من مختلفة من الطيور النادرة والمستوطنة وكذا المهاجرة، كما تتميز الجزر البحرية في المنطقة بانتشار الشعب المرجانية، وتمتلك مناطق سياحة بيئية من الدرجة الأولى.

مسودة مشروع القرار الذي حصل معد التحقيق على نسخة منه يشير إلى مجموعة من الحلول العاجلة لوقف التعديات على محمية شرمة منها منع قتل السلاحف البحرية النادرة والمهددة بالانقراض، بناء محطات معالجة مجاري لمدينة قصيعر والقرن والغريفة الديس الشرقية، وقف رمي الزيت والعبوات الحاوية إلى البحر من قبل الصيادين، إلى جانب بناء مقالب قمامة وتوفير معدات نقلها وموازنة تشغيلها.


وبخصوص الوضع الراهن للمحمية يقول المهندس الغرابي مدير محمية شرمة ـ جثمون: توجد أسوام ترابية في المحمية نفذت من قبل مشروع برنامج الإدارة المستدامة للموارد الطبيعية وهذا المشروع ممول من قبل (UNDP) بتنفيذ وإشراف الهيئة العامة لحماية البيئة وعدد 3 غرف حراسة غير مؤهلة بالإضافة إلى التعاقد مع سبعه حراس للمحمية للفترة من (2005– 2011) كما لا توجد تدخلات وأنشطة بشرية سواء بعض الرحلات في المناسبات ونهاية الأسبوع، وأيضا وجود هواة الصيد التقليدي بالشص، هذه الجهود تعود لتواجد قيادة قوات خفر السواحل والسلطة المحلية والهيئة العامة لحماية البيئة بمحافظة حضرموت حد قوله.

لكن إعلاميين وناشطون في مجال البيئة بمحافظة حضرموت "فضلوا عدم ذكر أسمائهم" في حديثهم لمعد التحقيق يؤكدون بأن وضع المحمية لا يسر صديق ولا عدو، وأن ممارسات ممنهجة لتدميرها ترصد بشكل مستمر من قبل مسؤولين نافذين، ويبدون مخاوفهم من تحويلها إلى ميناء نفطي، وهذا ما حذر منه وزير المياه والبيئة توفيق الشرجبي والمسؤولين الحضارم في السلطة المحلية وهيئة حماية البيئة.

محمية "شرمة" الطبيعية معترف بها محليا بقرار المجلس المحلي لمحافظة حضرموت رقم (49) لسنة 2013 وهذا لا يكفي للحصول على كل الامتيازات أسوة بالمحميات المقرة من قبل مجلس الوزراء، وهي لا تنضوي تحت إطار المحميات الطبيعية الدولية، على الرغم من كونها منطقة تنوع حيوي واقتصادي وما يؤهلها لذلك وجود تنوع حيوي من السلاحف التي اتخذت الشواطئ الرملية لها أماكن للتعشيش وذات موقع جمالي جاذب للزوار، كما أن التشكيلات الصخرية جعلت منها مكان جذب سياحي بيئي وفقا للمهندس السييلي.

يذكر أنه في العام 2002 تم ترشيح ووضع محمية "شرمة - جثمون" في القائمة الإرشادية المؤقتة لمواقع التراث العالمي في اليمن وفقاً لموقع "Archiqoo ".

*بسام القاضي صحفي علمي متخصص في تغطية قضايا المناخ والبيئة
"نقلًا عن المركز الأمريكي للدراسات جنوب اليمن"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى