​عيسى عليه السلام

> قصة مولد عيسى لم يكن قدوم عيسى - عليه السلام - قدوما طبيعيا البته، بل تم بشكلٍ لم تعهده البشريَّة قط، وظلَّ أمرا فريدا، ولم ينل ذلك الشَّرف إنسان قبله ولا بعده، وفيما يأتي بيان لهذه القصة العظيمة:

* قصة حمل مريم بعيسى عليه السلام
كانت مريم الصِّديقة تقييم في محرابها للتعبد داخل مسجد، وكانت إذا حاضت ذهبت إلى بيت خالتها حتى تطهر ثمّ تعود إلى المسجد لتتمّ عبادتها، إلا أنها ذات مرة ذهبت لمكانٍ بعيدٍ باتجاه شرق الدار للاغتسال فوضعت ساترا واغتسلت، وما أن انتهت وارتدت ملابسها حتى أتى جبريل -عليه السلام- إليها على هيئة رجلٍ سويِّ الخَلق لكي لا تفزع منه وتستطيع مخاطبته.

وقد جاء ذلك في قوله -تعالى- : ((وَاذكُر فِي الكِتابِ مَريَمَ إِذِ انتَبَذَت مِن أَهلِها مَكانًا شَرقِيًّا* فَاتَّخَذَت مِن دونِهِم حِجابًا فَأَرسَلنا إِلَيها روحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَرًا سَوِيًّا))، وعندما رأته فزعت وأخذت تذكر له الله -تعالى- وأن يتَّقيه لتردَّ شرَّه عنها، فهدَّأَ من روعها وأخبرها أنَّه مَلَكٌ من عند الله، وبشرها بغلامٍ، وأنَّ هذا أمرُ الله وقد قُضِي، قال - تعالى - : ((قالَت إِنّي أَعوذُ بِالرَّحمـنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا* قالَ إِنَّما أَنا رَسولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلامًا زَكِيًّا))، وها هي التَّقيَّة الورعة التي حفظت فرجها من الحرام، أرسل الله - تعالى - لها جبريل لينفخ في جيب قميصها ليصل رحمها وتحمِلُ به بإذن ربِّها ويكونا آيةً خالدةً للعالمين، قال- تبارك وتعالى-:((وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ)).

وقال-عز وجل-:(قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كذلك اللَّـهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ).

* قصة ولادة عيسى عليه السلام
عندما بدأت تشعر السيدة مريم بآلام المخاض استندت إلى نخلةٍ، وفي الحال لمع في ذهنها لوم النَّاس لها واتِّهامها في عفَّتها ودينها، فقالت: يا ليتني متُّ قبل هذا الحال، قال -تعالى-:(فَأَجاءَهَا المَخاضُ إِلى جِذعِ النَّخلَةِ قالَت يا لَيتَني مِتُّ قَبلَ هـذا وَكُنتُ نَسيًا مَنسِيًّا* فَناداها مِن تَحتِها أَلّا تَحزَني قَد جَعَلَ رَبُّكِ تَحتَكِ سَرِيًّا).ومن ثمَّ ولدت عيسى-عليه السلام- فأتاها صوتٌ من تحتها - صوت عيسى عليه السلام بحسب قول ابن كثير وغيره- لا تحزني وكلي من الرُّطب واشربي من النَّهر لتقرَّ عينكِ، كما أُمِرت بالامتناع عن الكلام مع النَّاس لكي يُترك الأمر لابنها بالرَّد عليهم، كي يمنع الحرج عن أمِّه وتتحقَّق المعجزة.

* قصة نبوة عيسى عليه السلام ودعوته
كانت رسالة عيسى-عليه السلام- امتداداً لرسالة موسى-عليه السلام- موجهة إلى بني إسرائيل خاصة، ولم تتحوَّل للعالميَّة إلَّا في وقتٍ متأخِّر على يد الإمبراطور قسطنطين وبولس، وجاءت رسالته تحمل مبادئ التوحيد ورفض الشرك،

قال -تعالى-:(وَإِذْ قَالَ اللَّـهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـهَيْنِ مِن دُونِ اللَّـهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ)،إذن كان عيسى موحِّداً على دين الإسلام وعلى ملَّة أبينا إبراهيم حنيفاً، لم يدَّعِ الألوهية قط، وما كان إلَّا كباقي الرُّسل صاحب رسالةٍ وعليه إبلاغها شأنه شأن الرُّسل.

وقد بيَّن الله - عزَّ وجل - أنَّ عيسى- عليه السلام - من أولي العزم في القرآن الكريم، وهو نبيٌّ ورسولٌ كريم، فهو كأيِّ رسولٍ لديه مهمَّة البلاغ والدَّعوة لعبادة الله وتوحيده، قال -تعالى-: ((قالَ إِنّي عَبدُ اللَّـهِ آتانِيَ الكِتابَ وَجَعَلَني نَبِيًّا))،وكان متوجها لقومه بني اسرائيل الذي طغوا وابتعدوا عن شريعة موسى-عليه السلام- أمَّا دلالة نبوَّته من الإنجيل نفسه فهي: "ولما دخل أورشليم ارتجت المدينة كلها قائلة من هذا فقالت: الجموع هذا يسوع النبي الذي من ناصرة الجليل"، وأيضاً: "ولما سمع رؤساء الكهنة والفريسيون أمثاله عرفوا أنه تكلم عليهم، وإذ كانوا يطلبون أن يمسكوه خافوا من الجموع لأنه كان عندهم مثل نبي" أيَّد الله -تعالى- نبيَّه عيسى بعددٍ من المعجزات مثل؛ إبراء الأكمه والأبرص، النَّفخ في الطين كهيئة طير فيصبح طيرا بإذن الله تعالى، إحياء الموتى والإخبار بما يدَّخر النَّاس في البيوت، بدليل قوله -تعالى-: ((وَرَسُولًا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّـهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّـهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)).

بالإضافة إلى هذه المعجزات فقد كانت أيضا إحدى معجزاته المائدة التي نزلت من السماء له-عليه السلام- وللحواريين لكي تكون بمثابة عيد لأولهم وآخرهم، قال -تعالى-: (قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّـهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ).

قضى الله -تعالى- بحكمته بتأييد عيسى -عليه السلام- بالعديد من المعجزات، من بداية الخلق وحتى الرَّفع للسماء، لتلين القلوب المقفلة فكانت له -عليه السلام- معجزة القدوم للدنيا والنطق بالمهد، وشفاء المرض بإذن الله، والإحياء ونفخ الروح وكله بإذن الله تعالى، وكل هذه المعجزات لم تكن أسباب كافية لدى بني إسرائيل للإيمان والرجوع إلى الله تعالى.

وبعد مكر قومه لقتله رفع الله -عزَّ وجل- نبيَّه الكريم عيسى-عليه السلام- إلى السَّماء لحمايته من كيد قومه، وأخبرنا بذلك في كتابه العزيز: ((إِذْ قَالَ اللَّـهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ ))،وقد كان عمره وقت الرَّفع إلى السَّماء ثلاث وثلاثين عاما أو أربع وثلاثين عاما،
ورفعه الله -تبارك وتعالى- تشريفا له وتكريما من أن يقتله اليهود، وسيعود آخر الزَّمان لإحقاق الحقِّ، وليؤكِّد بطلان تحريفهم وما ينسبون إليه وهو بريء منه.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى