الحق الشخصي وحقوق الناس

> بداية نقول إن الأمم التي لا تستطيع أن تتجاوز عثراتها وماضيها الصراعي، فهي بالتاكيد لا تستطيع أن تلحق بركب العصر، وتبني وطنا آمنا ومستقرا لأبنائها ليتعلموا ثقافة التعايش بدلا من ثقافة الصراع.

لم يكن اليمن (الشمال) متطورا في ظل سلطة الإمامة، لكنه كان مستقرا، كما لم يكن الجنوب العربي وطنا مزدهرا بمقاييس ذاك الزمان في ظل السلطنات والمشيخات الجنوبية لكنه كان مستقرا أيضا. هذه ليست دعوة لإعادة العجلة إلى الخلف لكنها تقييما لواقع كان سائدا.

انقلاب سبتمبر 1962م لم يكن ثورة قلبت ثقافة المجتمع في اليمن، ونهضت به ليلحق بركب العصر، فهي فقط استبدلت الملكية الإمامية بملكية جمهورية وهكذا أصبح لدينا ملكا جمهوريا بدلا من الملك الإمامي.

كل ما عملته الملكية الجمهورية أنها أنشأت جيوشا تحرس عرشها وتبخرت هذه الجيوش بين عشية وضحاها عند أول اختبار، وصنعت هذه الجمهورية أثرياء سلطة، وأقفلت لمنتجاتهم السوق اليمنية بمنع استيراد اي سلع منافسة، وهكذا نشأ هناك رأسمال طفيلي، لم يحدث أي نهضة في أي مجال سوى زيادة ثرواتهم على حساب شعب جائع.

وفي الجنوب قامت ثورة على الاحتلال البريطاني وحكم السلاطين وتقاتلت القوى الثورية فيما بينها قبل نيل الاستقلال، وتم القضاء على كل التراكمات في المعرفة والثروة، بتأميم الأملاك الخاصة وطرد الرأسمال الوطني والكوادر المؤهلة وهكذا، وبفعل حكم (الصبيان) أصبحت السلطة هي مصدر الثروة والنعيم وأصبح الاقتتال عليها يشهد طابعا دوريا، وكل دورة صراع تقضي على كل من فهم الدرس وأفاق من نشوة الخطيئة (ثقافة الإقصاء).

تحول ميناء عدن كثالث ميناء عالمي، إلى أطلال وهاجرت الثروات والعقول الجنوبية إلى دول الجوار العربي والأفريقي، وما نراه اليوم يجعلنا نتحسر على المجد الذي كان.

وبالنتيجة أصبح الحال في اليمن قائما على التسول، والحال في الجنوب قائما على الكفاف، فهرول كل من النظامين إلى الوحدة طلبا للنجاة لندخل في طور آخر من ثقافة الصراع، طابعه طمع كل منهما في الآخر ، وإن كان الطمع في أرض وثروات الجنوب هو سيد المشهد، فقد قيل إننا مجرد بقايا هنود، ولهذا رفع صالح شعار (الوحدة أو الموت) مستفيدا من أرتال أبناء الجنوب الذي تم إقصاؤهم، ونسمع اليوم شعارات شبيهة بمقولات (الحشاشين) من نوع أن الجماهير ستحمي الوحدة أو أن الحرب الماضية هي بروفات للحرب الحقيقية ضد أمريكا.

ثقافة الصراع في الجنوب أهلكت الحرث والنسل، كما يقولون، وقضت على كل الإرث المعرفي وعلى مصادر نمو الثروة في الجنوب، ومع ذلك ما زال هناك من هو مشبع بثقافة -ظنا منه- أن عجلة الصراع ستتوقف عنده، ونتمنى على الرؤوس الحامية أن تتأمل في تجربة دولة رواندا، فالسلطة التي أتت هناك لم تكن على هوى تجار الصراع لكنها مع ذلك نهضت برواندا.

نجحت لجنة الحوار الجنوبي في التقريب بين (24) مكونا جنوبيا، وهي تسعى الآن لاستكمال من تبقى، وتجارب ماضينا المؤلم، البعيد والقريب، تقتضي أن نضع حدا لثقافة الصراع، وأن نبني أسسا تضمن حقوق الإنسان والجغرافيا المحلية في الجنوب، فنحن زائلون لكن من حق الأجيال علينا أن نورثهم ثقافة غير ثقافة الصراع التي ذقنا مرارتها منذ أيام صبانا، فهل نحن فاعلون؟

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى