فاقدو البصر في اليمن.. منسيّون قلّلت الحرب فرصهم في التعليم

> ضيف الله الصوفي

> لم يكن لفقدان شذى عارف (20 سنةً) بصرها، إثر إصابتها بمرضٍ في طفولتها، أن يقف حائلا أمام تحقيقها حلم إكمال دراستها، ففي العام 2008، استطاعت الحصول على مقعدٍ دراسيٍ في الجامعة الخاصة بتعليم المكفوفين في مدينة صنعاء.

"لكنها الحرب"، تهزّ رأسها قائلةً بأسف، وتضيف: "صباح 26 مارس 2015، أُغلق سكن الطالبات المكفوفات لقربه من معسكر الصيانة شمال صنعاء، ونُقل إلى محافظة إب" (193 كيلومترا جنوبا)، تشير بيدها صوب الجهة المفترضة، وهي تسرد التفاصيل لرصيف22: "ممنوع الخروج من صنعاء من دون محرم، وأنا لا أستطيع تنفيذ هذا الشرط، كما أنني خائفة من ارتياد الجامعة، فقد سمعت بتجارب مكفوفين غيري وما واجهوه من مصاعب لعدم توافر المناهج بطريقة 'برايل' الخاصة بفاقدي البصر، وأسرتي في أي حال ترفض التحاقي بالسكن الجامعي".

و"طريقة برايل" هي لغة كتابة وقراءة خاصة بفاقدي البصر، وتقوم على تجسيد الحروف بنقاط ناتئة يمكن تحسسها باللمس.

شذى تحاول الآن التخفيف من وطأة الإحباط الذي تعيشه من خلال تعلمها مهنة الخياطة، لكنها تبقي للحُلم فسحةً، في انتظار أن تتهيأ الظروف وتحصل على فرصة تعليم جديدة، تبدد شيئا من العتمة المحيطة بها.

شذى واحدة من مئات فاقدي البصر الذين حرمتهم الحرب من مواصلة التعليم، نتيجة توقف أنشطة الكثير من الجمعيات المعنية برعاية ذوي الإعاقة، ما ضاعف حجم معاناة هذه الفئات، وصار "واقع التعليم الجامعي بنحو عام في اليمن مترديا للغاية"، على حد تعبير رئيس "الاتحاد الوطني لجمعيات المعاقين اليمنيين" عبد الله بنيان.

كفيفة: زملاء مبصرين لم يتقبلوا وجودي وتعرضت للمضايقات
كفيفة: زملاء مبصرين لم يتقبلوا وجودي وتعرضت للمضايقات

ويؤكد بنيان أن ما يزيد عن 180 منظمةً ومؤسسةً أغلقت أبوابها أمام ذوي الإعاقة البصرية، لأسباب عديدة من بينها: "استهداف مقارها بالقصف المباشر وغير المباشر، والارتفاع المفرط في أسعار المشتقات النفطية وتاليا أجور النقل، وارتفاع تكاليف الوسائل التعليمية والأوراق الخاصة بالطباعة بطريقة 'برايل'".

ويقارن بنيان بين وضع المكفوفين في اليمن قبيل اندلاع الحرب في مارس 2015 وبعدها: "كان الطالب الجامعي يتلقى مبلغا سنويا مقداره 200 ألف ريال، أي ما كان يعادل ألف دولار في ذلك الوقت، بينما اليوم لا يساوي شيئا، خاصةً مع ارتفاع الأسعار ورسوم الخدمات، كما أن الاتحاد الوطني لجمعيات المعاقين اليمنيين كان يوظف الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة بنسبة 5 % من إجمالي الوظائف الشاغرة في مؤسسات الدولة".

ويرى كذلك أن الحرب أثّرت على إيرادات الجهات المعنية برعاية ودعم وتقديم المساعدة للأشخاص ذوي الإعاقة، وأهمها "صندوق رعاية وتأهيل المعاقين"، "ما تسبب في عدم قدرتها على تحمل نفقات وأجور تشغيل منظمات ذوي الإعاقة وجمعياتهم ومراكزهم".

وإزاء معاناتهم التي فاقمها الإهمال الحكومي، يصف كثيرون فاقدي البصر في اليمن بالفئة المنسية، نظرا إلى ما يتعرضون له من نقص في الغذاء والدواء، بالإضافة إلى توقف الجمعيات المختصة برعايتهم بسبب كوارث الصراعات والحرب التي جففت مصادر الدخل لذوي الإعاقة وتسببت في نزوح العديد منهم.

قانون غير مفعّل

انعكس توقّف بعض المخصصات المالية لفاقدي البصر اليمنيين على العديد من أبناء هذه الفئة، وشكّل عائقا أمام استمرار تعليمهم، أمل ناصر من منطقة خولان في محافظة صنعاء أكملت تعليمها الثانوي، لكنها لم تستطع الالتحاق بالجامعة.

تقول إن هنالك مخالفةً أو في الأقل عدم تطبيق للقانون اليمني الذي يكفل لفاقدي البصر حقهم في التعليم مجانا، وتدعو إلى منحهم فرصةً لإكمال دراستهم ليتمكن الراغبون منهم من الانخراط بعدها في سوق العمل ويصبحوا أعضاء نافعين في المجتمع.

وتنص المادة الرابعة من القانون رقم (61) لسنة 1999، بشأن رعاية وتأهيل ذوي الإعاقة، على أن لكل ذي إعاقة حق التأهيل من دون مقابل، والاستفادة من برنامج التأهيل المهني والرعاية الاجتماعية التي تقدّمها المؤسسات ودور الرعاية ومراكز التأهيل المهتمة بأبناء هذه الفئة.

ويُقصد برعاية وتأهيل ذوي الإعاقة تقديم الخدمات والأنشطة التي تمكّنهم من ممارسة حياتهم بنحو أفضل على المستويات الجسدية والذهنية والنفسية، بالإضافة إلى الخدمات التربوية والتعليمية والرياضية التي تُقدَّم بهدف تلبية حاجاتهم وتنمية قدراتهم ومساعدتهم على الاندماج في المجتمع.

وتشكو الشابة أمل من أن المباني والطرقات في البلاد غير مهيأة لذوي الإعاقات البصرية أو الحركية، تقول: "نحن نعاني كثيرا عندما نخرج إلى الشوارع وحدنا، ونسير من دون حماية، يسقط البعض في الحفر العشوائية، وآخرون يتعثرون بالبسطات الموجودة على الأرصفة، وكذلك نعاني من صعود سلالم مباني الجامعات ومدرجاتها".

وتلفت الشابة إلى أن حياة فاقدة البصر في اليمن تُعدّ أكثر تعقيدا من حياة الرجل فاقد البصر، إذ "يصعب عليها السير وحدها، من دون محرم، وقد تتعرض للسرقة أو التحرش والاستغلال إلى جانب انعدام الإرشادات الخاصة بالمكفوفين".

وتستدرك: "من الصعب التكيّف مع هذه المتاعب للوصول إلى الهدف".

ويرى ناشطون أن هنالك إهمالا في تطبيق الاتفاقيات الدولية لحماية ذوي الإعاقة، بمَن فيهم فاقدي البصر، والتي صادق عليها اليمن عام 2008، إذ لا تُفَعَّل موادها، مشيرين إلى أن الحرب دفعت السلطات نحو اهتمامات أخرى.

وتتضمن اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة (CRPD)، التي رأت النور في العام 2006، وصادق عليها اليمن عام 2008، إقرار الدول المصادقة بأن جميع الأشخاص متساوون، كما تكفل للأشخاص ذوي الإعاقة الحماية المتساوية والفعالة من التمييز.

منح غير كافية

الناشط الحقوقي في مجال قضايا ذوي الإعاقة إبراهيم المنيفي يذكر أن المستحقات التي كان يحصل عليها فاقدو البصر "بسيطة ولا تكاد تُذكر" على حد قوله، ويبيّن أنه "في العام 2014، كان يحصل الكفيف على 200 ألف ريال سنويا، من قبل صندوق رعاية وتأهيل المعاقين التابع للدولة، بالإضافة إلى مبالغ مالية تقدّمها المراكز والجمعيات والجهات ذات العلاقة بدعم المكفوفين"، ويشير إلى أن الحرب تسببت في حرمان ذوي الإعاقة من الكثير من الامتيازات، ولم تُبقِ لهم سوى المبلغ السنوي "الذي لا يغطي التكاليف التي يحتاجها الكفيف".

ونظرا إلى ما أحدثته الحرب من انقسام مالي بين صنعاء وعدن، وقبلها الانهيار الكبير في قيمة الريال، بات المبلغ السنوي المخصص لفاقدي البصر يعادل 375 دولارا فقط، وحتى هذا المبلغ الضئيل، لا يستطيع البعض الحصول عليه، بسبب الوساطة والمحسوبية.


ويقول: "إن المنح المالية تقتصر على الطلاب فاقدي البصر الذين يتواجدون في العاصمة صنعاء، فيما يُحرم آخرون من أبناء هذه الفئة منها، وذلك لأنهم يسكنون في محافظات تندر فيها المراكز والجمعيات، "ناهيك عن المكفوفين الذين يعيشون في الأرياف، وأولئك محرومون من تلقّي الخدمات والمساعدات المالية".

وكان فاقدو البصر، قبل نشوب الحرب، يحصلون على دعم مالي من مكتب رعاية الشباب في الجامعة، وأيضا من "صندوق رعاية وتأهيل المعاقين" الذي كان يتكفل بتقديم 80% من المعونات التي يحتاجها ذوو الإعاقة.

كما أن الإعفاءات من الرسوم الدراسية الخاصة بهم ألغيت، فضلاً عن التسهيلات التي كانت تُقدّم لهم في الدراسات العليا بموجب القانون، "بقرارات تعسفية من رؤساء الجامعات، ورفضهم العمل بها"، على حد قول المنيفي.

ويشير إلى أن وجود تجمع مراكز فاقدي البصر في صنعاء حرم القاطنين في المحافظات الأخرى من الالتحاق بها، بسبب تقطّع الطرق وارتفاع أجور النقل.

وتضيف مسؤولة التعليم في الهيئة الإدارية في "جمعية الأمان لرعاية الكفيفات" دنيا مصطفى سببا آخر يفاقم معاناة فاقدي البصر هو جهل الأهالي بقيمة التعليم، فتتوسع دائرة الأمية بحرمان المئات منهم من التعليم "بحجة عدم توافر مدارس مهيّأة وقريبة، بالإضافة إلى انعدام البيئة والثقافة المجتمعية التي تشجع أبناء هذه الشريحة على الالتحاق بالتعليم".

وتقول أيضا إن تردد بعض فاقدي البصر في الالتحاق بالدراسة الجامعية أو مواصلتها هو لعوامل ذاتية تتعلق بشخوصهم، من دون أن يكون للعوامل الخارجية دور في ذلك، وتبيّن وجهة نظرها: "الخوف يسيطر على غالبية أبناء هذه الفئة، نظرا إلى أن البيئة الجامعية تتصف بالانفتاح، إذ تختلف عن الحياة المدرسية التي تُعدّ محصورةً في أفراد معيّنين، وهذا ما يفسر عدم اندماج المكفوفين بشكل أساسي".

أما بالنسبة إلى العوامل الخارجية، فترصد مصطفى صعوبة تنقل فاقدي البصر من أماكن السكن إلى الجامعات وبالعكس، إلى جانب "النظرة القاصرة في البيئة الجامعية"، فـ"برغم وجود بعض الأكاديميين الذين يمنحون الطالب الكفيف اهتماما مفرطا، كونه معجزةً سقطت من السماء، يرى آخرون أنه ليس من الضروري التحاقه بالتعليم".

وتشير إلى أن "تغيير المناهج والمقررات الدراسية بصورة مستمرة يجعل الكفيف أمام صعوبة الحصول عليها بطريقة 'برايل'، نظرا إلى ما تقتضيه عملية الطباعة من تكاليف باهظة، كما تستغرق مدةً زمنيةً قد لا تسعف الطالب في متابعة دروسه أو تمكينه من التحضير والاستعداد للامتحانات".

مشكلة الدمج

يتلقى فاقدو البصر اليمنيون في تعليمهم المنهج الحكومي العادي من خلال طريقة "برايل"، بدءا من المرحلة الابتدائية، وحتى الصف التاسع، ضمن مراكز خاصة بتأهيلهم، بجانب تعلمهم فن التوجه والحركة، واكتساب مهارة الحساب، وغيرها من المهارات التي تتطلب وسائل خاصةً للتعلم. بعدها ينتقل هؤلاء الطلاب إلى مدارس الدمج، بهدف الدراسة بجوار زملائهم المبصرين.

وجاء قرار الدمج في اليمن بعد مصادقة الدولة على اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة "CRPD"، وفقا لمادتها رقم (24) التي تنص على أن الدولة عليها رعاية حق الأشخاص ذوي الإعاقة في التعليم، وإعمال هذا الحق من دون تمييز وعلى أساس تكافؤ الفرص من خلال نظام تعليمي جامع على جميع المستويات، والحرص على عدم استبعاد الأشخاص ذوي الإعاقة من النظام التعليمي العام، وتمكينهم من الحصول على التعليم المجاني الابتدائي والثانوي الجيد والجامع على قدم المساواة مع الآخرين في المجتمعات التي يعيشون فيها.

غير أن واقع الحال يشير إلى أن تعليمهم ضمن مدارس الدمج بحاجة إلى بذل جهود كبيرة، بحسب ناشطين في قضايا ذوي الإعاقة، لأن نجاحه يعتمد على جملة من الشروط تتمثل في "تهيئة المباني والمعلمين، ومراعاة المناهج"، وهذا ما لم يحدث في اليمن، حسب ما يؤكدون.

ويرون كذلك أن فاقدي البصر يواجهون مشكلات في تعليم الدمج، تتمثل في عدم توفر المناهج بطريقة "برايل"، فيضطر كثيرون منهم إلى الاستعانة بأقرانهم المبصرين للحصول على مناهج صوتية، والأخيرة "تُفقد الكفيف الرغبة في القراءة والاطلاع".

يبدي الناشط الحقوقي إبراهيم المنيفي اعتقاده بأن الدولة "لم تستطع منذ العام 1962، وحتى اليوم أن توفر المنهج المدرسي للمكفوفين، إذ تقوم جمعية الأمل لرعاية وتأهيل ذوي الاحتياجات بطباعته، ومن هنا ندرك أننا ما زلنا نتكلم عن أساسيات، أصبحت عند المكفوفين في دول قريبة لا غنى عنها، وتُعدّ بالنسبة لنا مجرد كماليات".

ويتابع بشيء من الاستياء: "الطالب الكفيف يُعفى من دراسة مادة الرياضيات بدءا من الصف السادس الابتدائي، وتاليا يُحرم في الثانوية من دراسة القسم العلمي، وكذلك في الجامعة يُحرم من غالبية التخصصات المتعلقة بالرياضيات مثل التجارة، والإدارة، وهناك زملاء في دول الخليج، ومصر وسوريا، والسودان يدرسون القسم العلمي، وعلى العكس من ذلك يدخل الكفيف في اليمن، إلى القسم الأدبي فحسب".

ويفسّر التجاهل الرسمي حيال احتياجات فاقدي البصر بالنظرة العامة القائمة على التعامل معهم على أن مساعدتهم هي عمل خيري، وليست واجباً. وينفي أن يكون هذا التجاهل قد بدأ مع الحرب في العام 2015، بل هو قائم منذ العام 1990، وهي الفترة التي بدأت فيها الجمعيات ببناء المدارس وتعليم فاقدي البصر وتوفير المناهج لهم وتدريبهم حتى العام 2010.

قصة نجاح

"ابنتك عمياء ومن المستحيل قبولها في المدرسة، اتركيها في البيت، وامنحيها ما تحتاجه"، ما سبق عبارات ما زالت في ذهن الشابة حياة الأشموري، من صنعاء، قالها أقارب والدتها ومعارفها، لكن ذلك لم يثنِها عن مواصلة الحُلم، ومضت نحو تحقيقه لتلتحق بالجامعة وتتخصص في إدارة الأعمال وتحقق الإنجاز تلو الآخر إلى جانب مناصرتها حقوق فاقدات البصر في اليمن.

يصعب عليهم السير وحدهم ويتعرضون للسرقة والاستغلال
يصعب عليهم السير وحدهم ويتعرضون للسرقة والاستغلال

قبل عقدين من الآن، لم تكن الطفلة حياة قد استوعبت بعد أنها فاقدة البصر، ولا تستطيع الرؤية كغيرها من الناس، وفي عامها السادس تقدّمت والدتها إلى إحدى مدارس صنعاء الحكومية بهدف إلحاقها بالتعليم الابتدائي، لكن مديرة المدرسة رفضت ذلك، بداعي إعاقتها، وفي ذلك الوقت بدأت الطفلة أسئلتها واحتجاجها: "ماذا يعني عمياء؟ وكيف يرى الآخرون؟ وما الفرق بيني وبينهم؟".

تستذكر بحزن: "كلام المديرة شكّل صدمةً لتلك الطفلة التي كنتها، والدتي حاولت إقناعها بأنني أرى جزئيا، لكنها ردّت بأن نظري لا يسعفني للقراءة والكتابة، أحزنني ذلك كثيرا، فبمجرد التفكير في أنني غير قادرة على التعلم أو السير بمفردي إلى المدرسة، كنت أشعر بالإحباط".

بمرور السنوات، بدأت تدرك الفرق بينها وبين المبصرين، لكن ما شغل بالها أكثر من أي شيء آخر هو عدم قدرتها على التعلم، وبعد طول انتظار انضمت في العام 2001 إلى جمعية "الأمان"، و"حينها اكتشفت بأنني لست الكفيفة الوحيدة في البلد!".

تقول هذا بسخرية، وتتابع: "صدمتي الثانية كانت عندما أخبروني بطريقة 'برايل'، في البداية رفضت، وكنت أسأل نفسي: كيف سأتعلم من دون أقلام ودفاتر وألوان مثل شقيقاتي؟ لكنني استسلمت في النهاية لحقيقة أنني لا أبصر، وبدأت مرحلة الاندماج مع الزميلات، وبساطة تعامل المدرّسين، وتوفر وجبات الإفطار، ووسيلة النقل، وسرت ببساطة في طريق التعليم".

تعلّمت حياة القراءة والكتابة، وتعرفت على حقوق ذوي الإعاقة، وما عليهم من واجبات تجاه المجتمع: "تعلمنا كيف نعيش بثقة وسط مجتمع ينظر إلى الكفيف بشفقة، واستنقاص، لكن تخطيت ذلك، بفعل اختلاطي بالصديقات، وإيمان الكثيرين بأنني قادرة على تجاوز التحديات، وتحقيق العديد من النجاحات"، تقول بثقة.

انتقلت بعدها إلى مدارس الدمج العادية، من الخامس الابتدائي حتى الثالث الثانوي، وأخذها تفوقها وسعيها إلى النجاح للالتحاق بمعهد "يالي" في صنعاء، لتتعلم اللغة الإنكليزية، وشكلت بذلك تجربةً رائدةً، فتحت الأبواب أمام غيرها من فاقدي البصر للسير على خطاها.

تبسط يديها أمامها، وتقول بفرح غامر: "يحتضن المعهد اليوم العشرات من أمثالي، وأنا سعيدة جدا لذلك"، وهذا ليس كل شيء، إذ التحقت حياة بجامعة "العلوم والتكنولوجيا" الخاصة، في تخصص لم يسبقها إليه أي من فاقدي البصر، وهو إدارة الأعمال الدولية، ونجحت في تبنّي منهج بطريقة "برايل"، أصبح في ما بعد مرجعا لطلاب فاقدين للبصر آخرين، جذبهم إلهامها.

تصمت حياة للحظات، وتأخذ نفسا عميقا ثم تقول بحرقة: "المجتمع اليمني يحرّم تعليم الفتاة، فما بالك بالكفيفات وذوات الإعاقة؟ لم يكن الأمر سهلا، الكثير من الزملاء المبصرين لم يتقبلوا وجودي بينهم، وتعرضت للمضايقات، تصوّر أن يصل الحديث بهم إلى السؤال: كيف تأكلين؟ وكيف تشربين؟ للأسف المجتمع لم يستوعب أن الكفيف يفتقد حاسة البصر فحسب، بينما يمتلك الحواس الأخرى".

وتستذكر مواقف خلال فترة الجامعة تعرضت فيها للإحراج والتنمر بسبب زملاء أو حتى أساتذة: "في سنتي الأولى، سألني الأستاذ بكثير من السخرية: لماذا إدارة أعمال؟ من المفترض أن تدرسي علوم القرآن، كي نتخلص من تعبك، وذلك لأنني طلبت استبدال سؤال الرسم، بسؤال آخر. لم يتقبل طلبي، برغم أنه يدرك أنني كفيفة البصر، وضمن العشرة الأوائل (حصلت على تقدير ممتاز في مختلف مواد التخصص). وقتها قال الأستاذ: "طفح الكيل، أنتِ عديمة الرؤية، وليس من الضروري التحاقك بالجامعة".

وأكثر مشكلة تراها معرقلةً لفاقدي البصر في أثناء الجامعة، هي تأخر المناهج، في كثير من المواد، إذ تقول: "حصلنا على الكتب بطريقة 'برايل' قبل يومين من الامتحانات النهائية، وهذا ما كان يشكل ضغطا نفسيا علينا، كنت ألجأ إلى تسجيل المناهج بصوت صديقتي كحل يساعدني في الدراسة المبكرة، والاستعداد للامتحانات".

"رصيف22 "

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى