​في بلاد الْخُشِّيْ

>
كانت عدن ذات يوم حلما للكثيرين من البشر. كانت مدينة حضارية و راقية بقيمها التي اكتسبتها من طبيعة سكانها المسالمين ومؤمنة بالحرية الشخصية المدنية الملتزمة والمعززة بالقوانين، التي رسّخها المستعمر الإنكليزي. كان الناس يأتون اليها من كل زوايا الجزيرة العربية ناهيك عن أرض الجنوب العربي، بل ومن أقطار العالم. فهي مدينة عالمية السكان أو كوزموبوليتانية الهوى. وما ميّز عدن وأهلها كما قال لي أحد الإخوان من الشمال ذات يوم في صنعاء، إن عدن تصهر كل القادمين الذين يعيشون فيها لتنتج نسيجا مجتمعيا جديدا يصبغ سكانها بألوانه، التي لا تشبه اللون الأصلي للقادم وهنا تظهر الشخصية العدنية المميزة، بعكس صنعاء التي يبقى فيها الساكن هو ذاته المحتفظ بسماته الأصلية مهما طال به زمن الإقامة.

في هذه المرحلة المنفلتة من تاريخنا، الموسومة بغياب سلطة الدولة، و عدم وجود القانون بل وعدم وجود إمكانية لتطبيقه، أسيئ بشكل خاص تعريف مفهوم الحرية فضاعت المعايير لها، وانطلق الكثيرون منا ومن خارجنا يخبطون خبط عشواء في حياتنا في كل جوانبها من السياسة إلى الاقتصاد إلى نهب الأراضي، إلى الرياضة والتطبيب والشؤون المعيشية والحياتية.انفلات سعري فوضوي منقطع النظير وصل لدرجة أن يحدد كل بائع سعر سلعته أو خدمته أو أجره بما يناسبه و حسب رغبته دون رقيب أو حسيب.

 وتعجز عن فهم ذلك كل قوانين الرأسمالية، وأصبح المواطن في حياته كالفريسة في غابة. تنهشه الوحوش من كل جهة فغدت حياته واستمراريتها ضربا من المعجزات في ظل صمت مطبق لأولي الأمر أيا كانت مسمياتهم من الشرعية إلى الانتقالية. والسؤال من يحمي هذا المواطن من الفوضى السعرية التي نعيش في معمعانها، حيث كل يتصرف حسب (خُشّيَهُ) والكلمة الأخيرة تعني في اللهجة العدنية القديمة تعني حريته، مزاجه، رغبته.

من الحكايات القديمة أن شخصا كان يعيش مع أغنامه وجمله وأسرته المكونة من زوجته وابنته الشابة العزباء في صحراء و في محيطه عدد من البيوت كثيرة الشباب وإن كانت متباعدة. توفت زوجة الرجل وبقيت ابنته الشابة التي أصبحت عائقا من ذهابه لأداء مصالحه، كونها دون رقيب أو حامي لها. قرر الرجل الهجرة إلى عدن، باع غنمه و أخذ ابنته وجمله واتخذ طريقه إلى عدن.

وفي أبين سألته ابنته: متى نصل بلاد الخشي يا أبي؟ فرد عليها إننا نقترب منها، وبالقرب من منطقة العلم كررت الابنة سؤالها :هل وصلنا بلاد الخُشّي يا أبي؟ فأجابها بأن أدار الجمل ليعود أدراجه إلى صحرائه بعد أن اقتنع بقصور لدى البنت في فهم الحرية. عاد الرجل إلى صحرائه، لكننا لا نملك خيارات مثله، فإلى أين نذهب؟  سندافع عن عدن وعن حريتنا التي لن نتنازل عنها.. وقد دفعنا ثمنها غاليا في كل منعطف، وسنهزم من يعاملوننا حسب خُشّيهمْ.
والله المستعان. 

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى