لا حرب ولا سلم ..الجمود السياسي يزيد من معاناة الشعب

> حرب استمرت ثمان سنوات وفي نهاية المطاف بدأت عملية سياسية شاركت فيها قوى إقليمية برعاية صينية، واستبشر الناس خيرا بأن هناك مخارج لعملية سياسية واسعة النطاق لإنهاء الحرب؛ لكن مع الأسف لم تستمر وتعثرت على الرغم من أنها كانت مقتصرة على طرف محلي معين في الصراع مع تغييب الأطراف الأخرى، ويبدو أن هناك خلافات عميقة بين الأطراف الإقليمية المتداخلة بالصراع لم يفصح عن كنه تلك الخلافات حتى الان.

لكن في الواقع فشلت المساعي الدولية والإقليمية في إيجاد حلول معقولة للصراع، ولم تستطع تلك المساعي أن تلامس الواقع، وظل الوضع لا حرب ولا سلام عدا هجمات حوثية على أهداف منتقاة في الجبهة الجنوبية، وتكمن خطورة الجمود السياسي في أن الحوثي منح فسحة من الزمن لالتقاط أنفاسه مع توفير تسهيلات معينة يستطيع من خلالها استغلال هذا الركود لاستيراد الأسلحة بكل أنواعها وتكديسها والتجهيز لجولة حرب قادمة، وقد بعث برسائل تهديد لعواصم التحالف بتدميرها؛ بهدف ضمان عدم تدخلها في الحرب القادمة. وكانت تصريحاته علنية غير عابئ بالعواقب المترتبة على ذلك.

وبالمقابل هناك تضييق حاد وشديد الخطورة على المناطق المحررة تستهدف ضرب النسيج الاجتماعي للجنوب المحرر تمارسه حكومة الشرعية وغير أبهة لما تؤول إليه الأوضاع من تدهور لمعيشة المواطنين في تلك المناطق وانهيار للعملة وما يترتب عليها من أوضاع سيئة وإلهاء الناس بوضعهم السيئ وكأن الحكومة بهذه الأعمال تمهد الطريق أمام الحوثي لإعادة احتلال الجنوب مرة أخرى.

المفترض من التحالف بحكم مسؤوليته أن يبدي اهتماما بالأوضاع، وأن يوقف تدهورها في المناطق الجنوبية المحررة؛ لأن أي ممارسات خاطئة للحكومة وللتوليفة القيادية للشرعية تتحمل مسؤوليته المباشرة التحالف لأنها خرجت من عباءتها، وأن دعمهما دون تصحيح أخطائهما يعطي انطباعا بأنهما يمثلانه على الرغم من أن هناك مخارج كثيرة إن تم اتخاذها يمكن أن تساعد على تسهيل أمور المناطق المحررة؛ منها تحييد متطلبات المواطنين من الخدمات والرواتب والإدارة، وإدارة الموارد من تأثير الأحزاب السياسية المتحكمة في قرارات الشرعية والحكومة، والتي أصبحت سلاحا تستخدمه الشرعية لمعاقبة شعب الجنوب، كما أن من الضروري إبعاد الفاسدين والتي فاحت ريحة فسادهم في الآفاق من المواقع القيادية واستبدالهم بقيادات نزيهة، ومنح المناطق المحررة ما يشبه الإدارة الذاتية لإدارة شؤونهم مباشرة دون المرور بالعراقيل والحصار التي تفرضها الشرعية بكل مسمياتها.

الاهتمام الكبير من قبل الإقليم والعالم بالحوثي والذهاب إليه في صنعاء أعطته انطباعا بأنه انتصر على التحالف العربي والشرعية معا، وأن لديه القدرة على تهديد العالم بالملاحة البحرية وتعطيلها في حوض البحر الأحمر وباب المندب، كما قام بتعطيل تصدير النفط في الجنوب لممارسة ضغط أشد على الجنوب، يضاف إلى الضغوطات الأخرى التي تمارس بين حين وآخر من قوى إقليمية ودولية حتى أصبح بعبعا يهدد الأمن الإقليمي والدولي …. ونتيجة للسياسات الخاطئة تجاه الحوثي وتخاذل الشرعية الفاضح في أداء دورها باستعادة عاصمة الدولة أصبح من الصعب اقتلاعه أو حتى تحييده، ولا يخفى على أحد بأن إيران قد كسبت الجولة بامتياز وأصبح لها اليد الطولى التي تمتد إلى حوض البحر الأحمر وباب المندب، وهي التي كانت تسعى منذ زمن بعيد للتواجد الفعلي في هذه المناطق الاستراتيجية في العالم.

يتشكل في صنعاء نظام سياسي جديد، ويبدو بأنه أصبح أمرا واقعيا يتعامل معه الإقليم والعالم بكل أريحية، ولم تظهر أية مقاومة لهذا النظام من القوى السياسية اليمنية والقبلية ولا حتى الإقليم والعالم؛ بل استسلمت القوى اليمنية وركنت على اختطاف الشرعية لتبسط نفوذها على الجنوب بمساعدة القوى الدولية والإقليمية كوطن بديل لهم ولأنهم يتربعون على أهم المراكز القيادية في الشرعية وفي مفاصل الدولة يعملون ليل نهار لإحكام الحصار على الجنوب واللعب بورقة الاقتصاد، والتعمد في انهياره والتسريع في إعلان إفلاسه، والهدف إخضاع شعب الجنوب لأجندات تتماشى مع ما يجري في صنعاء، وهم يستقوون بالتحالف والإقليم والعالم الذي يغض الطرف عن التدهور المعيشي والاقتصادي في الجنوب، ولم يحرك أحد ساكنا، كما لم يسمحوا لأحد بالتغيير وتوقيف التدهور.

في الجنوب تشكل موقف موحد لمعظم المكونات السياسية لما بجب أن يكون مستقبل الجنوب، وهذه خطوة تساعد على طريق الحل النهائي، وبالمقابل يفترض أن يساعد المجتمع الدولي والإقليمي يتشكل رأي سياسي عام وموحد في الشمال لما يجب أن يكون عليه النظام السياسي هناك، بحيث ألا تترك ساحة الشمال يستحوذ عليها الحوثي منفردا، ولن يتم ذلك إلا بفصل المسارات السياسية والأمنية والعسكرية والإدارية بما فيها الإيرادية بين الجنوب والشمال حتى تستقيم العملية السياسية وتنتشل الأوضاع المأساوية في الجنوب وهنا يتطلب من الإقليم والعالم احترام تطلعات شعب الجنوب، وإذا كانوا يريدون حل الأزمة اليمنية فعليهم حث القوى السياسية اليمنية لتوحيد رؤاها حول مستقبلهم، فعجلة التغيير في صنعاء تسير باتجاه نظام سياسي سلالي لا يقبل المشاركة من أحد، وقبل فوات الاوان عليهم الذهاب لاسترداد بلدهم لا أن يتم فرضهم على شعب الجنوب رغما عن إرادته.

هناك من يحاول الاصطياد في مياه الجنوب العكرة من الإقليم والعالم، فقد فات اوان ذلك، فقد سبقهم شعب الجنوب وقرر مشروعه السياسي المستقبلي فأي محاولة لشق الصف الجنوبي سيكون مآلها الفشل، وسيقود المنطقة إلى مزيد من التشظي والصراع المستدام ولا يستثنى منه أحد.

حان وقت التغيير وأمام التحالف والمجتمع الدولي خيار واحد لا ثاني لهما، إما إصلاح منظومة الشرعية بحيث تتشكل وفقا لما هو على واقع الأرض أي أن يتم فصل المسار الجنوبي عن المسار الشمالي، وتسند للجنوب إدارة أموره كاملة وتسند لممثلي الشمال إدارة أمورهم من حيث تواجدهم ويتم تشكيل إدارة عليا لإدارة التنسيق بين الإدارتين الجنوبية والشمالية إلى أن يتم الاتفاق على الشكل النهائي للتسوية السياسية؛ لكن أن تستمر الأوضاع كما هي الان فإن الأمور ستخرج عن السيطرة لما يمارس ضد الجنوب من تعمد في إذلاله في حياته المعيشية من قبل الشرعية وحكومتها الفاسدة، إضافة إلى تحمل الجنوب منفردا محاربة الإرهاب، ومكافحة انتشار المخدرات، وكذا صد الهجمات الحوثية المتكررة على جبهات القتال، كل ذلك يفوق طاقته، لذا يتطلب الإسراع في إيجاد حلول عقلانية تنطلق من الواقع وليس من خيال الأحزاب أو أية قوى أخرى منفصلة عن الواقع المعيشي للناس.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى