لا تغطوا الشمس بمنخل

> حرب النقود تستعر بيننا، وبدلا من الحديث والتوجه نحو تفعيل أهدافنا وشعاراتنا في الجنوب، والسعي في تهيئة الأوضاع النفسية والسياسية والاجتماعية والمعيشية للناس بشأن التوقع الطيب للجنوب، ها هو الشارع يدخل في جدل كبير وغير طيب، وتفوح رائحة النقود بأنواعها الدولارات، والسعودي، والدرهم الإماراتي والتي تتسرب إلى الخارج، وتظهر في عواصم الجوار المنتعشة ماليا وبنكيا، وتناقلت الألسن أحاديث بها وما بها من تلميحات إلى أن الصراع قد خرج من دائرة السياسة وابتعد عن الحراك وجوهره الجنوبي، وتحول أو اتخذ طريقا أكثر قيمة لأصحابه وبريقا بما فيه من مال ونقود تبهر الأنفس، وتعزز ما يروي الشارع، وأن بعض العواصم المجاورة تشهد تدفقا لأموال قادمة من وسط الصراع، وبدلا من أن توظف لتعزيز دور الحرب والتحرير واستعادة الأراضي الممسوكة بيد الجماعات الحوثية، انحرفت، لا، بل سرقت أو تسرق كل يوم، وغدت مظاهر الغنى والثراء وظهور القصور والمنازل الفاخرة للسياسيين الحراكيين، وكان المأمول فيهم النضال من أجلنا ومن أجل أهدافنا، وكذا بعض الوزراء حديثو العهد أو ذوي المناصب الرفيعة يتفننون في اقتناء السيارات الفارهة بديلا لمسألة الحسم، ونسينا ما بدأناه وتعاهدنا عليه وتقاسمنا من أجله كسرة الخبز في الخنادق، وتحت الرصاص، والاعتقالات لنا وطردنا من وظائفنا، وأيام الكفاح والتنقل من بيت إلى بيت في المكلا وعدن، والاختباء من قوات الغستابو الشمالية وملاحقاتها لنا، يوم كنا نقتسم الفلسات ونصوم أياما عن الطعام في غربتنا الداخلية، وبعيدا عن منازلنا وعائلاتنا، خوفا مما كنا نعانيه وكل الحراكيين وأبطال الشارع والمواجهات في عدن ولحج ونصاب والشحر، كنا نعاف المال والمظاهر الباذخة، ونرفض إغراءات الأموال التي تدفقت لإقصائنا عن خطنا من أجل الجنوب وأهلنا وكل ما يعز علينا حينها.

مازالت الذاكرة لم تشتت بعد، ومازالت بقايانا موزعة هنا وهناك، ومازلنا نعرف بعضنا بعضا مما كنا عليه من صدق، ونضال وتآخي، ولم تخطر في أنفسنا يوما أن كل هذا سيتحول إلى طريق وصولي للكسب والإثراء والبذخ، أبدا، ما كانت الأماني هكذا ولم تأتِ على بال أحد.

ما يُسمع من جعجعة هو حقيقي، وها هي حنحنة الربابي والقروش تتسيد سلوكيات وهواجس كثيرين، وليس القلة.. وأصبح التسابق والفضائح والسرقة وظهور وكلاء في العواصم لهؤلاء من لوازم الأمور، بل، وصارت تقليدا ينسب للمتصارعين بشأن النقود ورسوا الأموال آمنة في أقرب عاصمة آمنة أيضا.

كل هذا والأعين تتطلع إلينا وتتأمل في هبوط الصرف، وتخفيف وطأة ما يئن منه العدني والحضرمي والشبواني، وما تكوى به جلود الأطفال ويعجز آباءهم أمام انقطاع شبه تام للكهرباء في نار الصيف اللاهب، وفي العجز عن العلاج في أي مستشفى بالداخل لارتفاع التكاليف، وفي الجوع الذي ينتشر في الأرياف والجبال، وكثرة العاطلين من البنات والشباب، ووضع عراقيل أمامهم، وتوقف معظم السكان على وجبة واحدة إن وجدت مثل البشر في هذا العالم، وماذا نحدث بعد...

هذا ما يحدث وما نقرأ ونسمع ويمر أمام أعيننا أو يظهر من دون خجل، وغدا يعكس الأمر الواقع، ويحكي تحولات موجعة وغير أمينة ولا إنسانية ولا وفية للنضال والدم والجرحى والبسطاء من كل الفئات التي كافحت دهرا طويلا من أجل ألا تطعن في الظهر، أزيلوا المفسدين، أوقفوا تدفق النقود للخارج، وإلا فإن نضالنا ومن دون خجل ولا أقنعة سيذهب كارثيا ربما، أو كما قال المثل (حق الماء للماء).

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى