أوروبا والسودان.. الأزمة أكبر من صراعات جنرالات على السلطة

> الخرطوم "الأيام" العرب:

> ​بدأت أبعاد الحرب الجارية في السودان تتكشف الكثير من تفاصيلها الخفية التي جعلت وفد الجيش يتلكأ في مفاوضات جدة مع وفد قوات الدعم السريع، ولا يبدي تجاوبا مع الدور النشط للوساطة السعودية – الأميركية، فقد تلقى وفد الجيش تعليمات بالعودة إلى الخرطوم أخيرا بذريعة التشاور، والنتيجة هي وضع العصيّ في عربة الوساطة.

وبدأت دوائر أوروبية تنتبه لأسباب التعثر وتتلقى معلومات من وفد لقوات الدعم السريع التقى برلمانيين وصحافيين غربيين حول أبعاد المؤامرة التي يتصدر لها قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان وتصب في صالح فلول النظام السابق الذي قاده عمر البشير وانتعشت خلال فترة حكمه الحركة الإسلامية، وتمكنت من السيطرة على مقاليد السلطة عبر واجهتها السياسية حزب المؤتمر الوطني (المنحل).

وقدم وفد قوات الدعم السريع الكثير من الوثائق التي تثبت أن “الكيزان” أو جماعة الإخوان، تلعب دورا كبيرا في تغذية الحرب، وذلك في جلسة مهمة شارك فيها عضو البرلمان الأوروبي من أصل مجري مارتون جيونجيوسي، وهو أيضًا عضو في لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الأوروبي، وآنا فان دينسكي والصحافي جيمس ويلسون محرر التقرير السياسي في الاتحاد الأوروبي وبيورن هولتين خبير في العلاقات الدولية وعضو سابق في البرلمان الأوروبي.

وفهم هؤلاء أن ما يدور في السودان يعبر عن بداية لحرب عقائدية يقودها الجيش مع انخراط جماعات إسلامية تحت مسميات مختلفة، وليس حرب جنرالات أو قتال بين فريقين يتصارعان على السلطة، كما اعتقدت دوائر غربية، أحدهما تحت راية البرهان والآخر تحت راية قائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي).

وبدأ رفع الغطاء عن الجانب الإسلامي في المشهد السوداني يثير انزعاجا في بعض الجهات الأوروبية بسبب ابتعاد دول غربية رئيسية عنه، أو بمعنى أدق عدم اشتباكها سياسيا مع الحرب وإدراك خطورة دور الإخوان فيها، وهو ما بدأت تتكشف ملامحه مع تواتر معلومات حول تحشيد تقوم به قيادات سابقة في نظام البشير بشرق السودان، وعمليات تجنيد لكوادر تابعة للحركة الإسلامية تجري في وضح النهار.

وحاول الاتحاد الأوروبي الإيحاء بأنه قريب من الأزمة عبر تلويحه بفرض عقوبات على أطراف رئيسية فيها، في خطوة ساوت بين الجميع وتغافلت المكونات الخطيرة التي يحملها فلول البشير، الذين كشفوا عن وجههم الحقيقي.

ولم يتورع قادتهم عن زيادة تسخين الحرب وتوسيع نطاقها بجر المنطقة الهادئة الوحيدة في السودان إلى معتركها، فتجنيد عناصر إسلامية تقاتل بجوار قوات الجيش في شرق السودان يقودها إلى مستنقع الحرب، ولا أحد يعرف المدى الذي يمكن أن تذهب إليه والتأثيرات السلبية التي سوف تحدثها على مصالح الدول الغربية.

ويخلق الحوار الرسمي الأول الذي أجراه وفد قوات الدعم السريع مع مسؤولين في أوروبا أجواء مواتية لحوارات مع مسؤولين آخرين، ويوفر قاعدة بيانات جيدة من السهولة التأكد منها عندما تبدأ دوائر أوروبية اشتباكا حقيقيا مع الأزمة الجارية في السودان، والتخلي عن دور المتفرج الذي يرى أن حرب الجنرالات لا يجب أن تشغل بالهم.

وقد تكون روافد الحرب لم تؤثر حتى الآن على المصالح الأوروبية، أو أن الولايات المتحدة ستقوم بتطويقها عبر وساطتها مع السعودية، لكن الخطوط العامة تقول إن هناك احتمالات قاتمة يمكن أن تدخلها، أقصاها أن يعود الإسلاميون في السودان إلى الواجهة، وأقلها سيطرتهم على إقليم الشرق وتجميع كل العناصر المتشددة والإرهابية فيه.

وفي الحالتين سوف تكون هناك ارتدادات بعيدة على المصالح الغربية، والتي تواجه مأزقا كبيرا عقب الانقلاب العسكري في النيجر، والذي أكد أن التهاون الغربي هو النتيجة الطبيعية لما يمكن أن يلحق بها من أذى في أفريقيا، حيث يتصاعد دور التنظيمات المتطرفة في حزام النيجر ومالي وبوركينا فاسو ونيجيريا، ولن يكون السودان والجارة تشاد بعيدين طالما أن الاتحاد الأوروبي لا يحسن قراءة ما يجري في القارة السمراء.

وقال القيادي بالتيار الوطني نورالدين صلاح الدين لـ”العرب” إن غالبية التحركات الغربية لم تستطع رسم صورة تقود لتجاوز الأزمة، ويتم الحديث عن وقف الحرب لأغراض التفاوض وليس معالجة الأسباب التي يمكن أن تقود إلى إنهاء الحرب.

وأوضح أن آليات الضغط التي لوّح بها الاتحاد الأوروبي ممثلة في فرض عقوبات على الفاعلين الرئيسيين في الحرب هي أدوات مكررة واستعملت من قبل ولم تثبت فاعليتها، ما يتطلب النظر إلى الأزمة بشمول بدلا من كونها خلافاً بين قوتين عسكريتين، لأنها تحمل مضامين تستوجب أدوات مغايرة للتحليل.

وطالب نورالدين في تصريحه لـ”العرب” دول الاتحاد الأوروبي بتطوير منهجها في التعاطي مع هذه الحرب وأطرافها لتقديم رؤية مناسبة تسهم في تفكيك عناصر الأزمة، وأول ما يحتاجه الأوروبيون الاستماع إلى طيف واسع من السودانيين الشرفاء، خاصة أن الصوت المدني المعبر عن الثورة لم يعد متماسكا وداخله تباينات في نظرته للحرب.

ومن الخطأ أن يختزل الأوروبيون الأزمة في قصف المدنيين والحديث عن المآسي الإنسانية، ويتم تجاهل ما يدبره الفلول من عدم مبارحة السودان الصراع حتى تدين لهم الأمور، فقد أصبح خيار قيادات الإخوان إدخال البلاد مجال الحرب الأهلية مقدما على تسليم السلطة لحكومة مدنية وإقامة منظومة متماسكة للتحول الديمقراطي.

وتكفي هذه النتيجة لتحث الدوائر الغربية التي راهنت على السودان كدولة جاذبة للتحولات السياسية المدنية على التدخل وطرح مبادرات ورعاية اجتماعات فاعلة، فجلسات الاستماع مع نخب سودانية وطنية مختلفة تكفي لإجلاء الكثير من ملامح الصورة الملتبسة حاليا، والتي يمكن أن تحرج الاتحاد الأوروبي في السودان ودول أخرى محيطة به، فقد تكون مصالحه ليست بالقدر الذي يفضي للتعامل مع الأزمة باهتمام كبير، لكن التداعيات التي سوف تتولد عنها لن تكون هيّنة على الغرب.

وقد ألقى اجتماع وفد قوات الدعم السريع ببعض الشخصيات الأوروبية بحجر ثقيل في المياه الراكدة، ووجه جرس إنذار للدول التي لا تزال تراهن على الدور الأميركي، لأن التصورات التي تتبناها واشنطن بمفردها لن تكفي للحفاظ على المصالح الغربية عامة في ظل وجود تشابكات إقليمية ودولية متعددة.

ناهيك عن التضارب المتصاعد في المصالح بين واشنطن وبعض الدول الأوروبية، ما يدفع إلى تبني رؤى مستقلة قبل أن يصبح السودان في قبضة فلول البشير أو تتم تجزئته وتفتيته، باستخدام قوات الجيش كرأس حربة في معركة كشفت معالمها عن الوجه القبيح لما يدبره الانقلابيون في السودان.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى