جبل اليورانيوم: خيارات المغرب النووية مفتوحة على التصنيع وتوليد الطاقة

> «الأيام» العرب:

> عندما وقّع المغرب في قمة سانت بطرسبرغ على اتفاقية مع شركة روس آتوم المتخصصة في الطاقة النووية، لفت مراقبون إلى أن الاتفاقية لا تتيح فقط لشركة روسية الدخول في مجال إنتاج الطاقة بالاعتماد على إنتاج اليورانيوم المستخلص من الفوسفات، وإنما تفسح للرباط أيضا مجال التوسع بشكل كبير في دعم عمليات الإنتاج بتقنيات إنتاج غربية متاحة للمغرب بحكم العلاقات الجيدة التي تربط بينه وبين الغرب.

وتهدف الاتفاقية مع روس آتوم إلى تطوير محطات تحلية المياه في المغرب باستخدام التكنولوجيا التي تعتمد عليها الشركة الروسية في توفير المياه للزراعة والصناعة والاستهلاك البشري، وهو ما سيوفر حلولا للكثير من المشكلات المرتبطة حاليا بنقص المياه، ويساعد على زيادة فاعلية البحوث التي تجريها الدوائر المتخصصة في مختلف المجالات الزراعية والصناعية والطبية.

ويقول مراقبون إن رهان المغرب على استخدام الطاقة النووية سيفتح بابا واسعا أمامه لتطوير اقتصاده ودخول مرحلة جديدة من التصنيع تحول الاقتصاد المغربي إلى نموذج في المنطقة وتوسع تأثير الرباط كحلقة وصل بين أفريقيا وأوروبا، وتُكسبها وزنا سياسيا أكبر ينعكس إيجابا على مقاربتها لملف الصحراء. وبرهانه على الطاقة النووية سيحقق المغرب السبق إقليميا في الوقت الذي مازالت فيه دول أخرى تعتمد على الطرق التقليدية.

ويمتلك المغرب المقومات التي تساعد على نجاح خيار الاعتماد على الطاقة النووية، فهو يحوز حوالي 73 في المئة من احتياطيات صخور الفوسفات في العالم، والتي تحتوي على ما يقدر بـ6.9 مليون طن من اليورانيوم، وهو أكبر إمداد متوفر في العالم، ولهذا يبدو تقرّب شركة روس آتوم إلى الرباط منطقيا. وتتطلع الرباط إلى التعاون مع شركة روس آتوم في مجال تحلية مياه البحر، وهي عملية تستهلك الكثير من الطاقة.

ويواجه المغرب وبقية منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا شحا كبيرا في المياه، مما يعني أن تحلية المياه بالطاقة النووية التي يغذيها اليورانيوم المغربي بأسعار في المتناول يمكن أن تشكل جزءا مهما من حل مشكلة ندرة المياه، خاصة في قطاع الزراعة. ولا تخضع شركة روس آتوم حاليا لعقوبات الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي بشأن الحرب في أوكرانيا.

وتأتي هذه الاتفاقية كتفعيل لمذكرة التعاون لسنة 2017، التي وقعتها وزارة الطاقة المغربية مع شركة روس آتوم كجزء من مشاركة الرباط الاقتصادية الحذرة مع الكرملين إثر زيارة العاهل المغربي الملك محمد السادس التاريخية إلى موسكو في 2016.

وفي 2019 أبرمت شركة ميا إينيرجي المغربية خلال القمة الروسية – الأفريقية الأولى صفقة بقيمة 2.3 مليار دولار مع شركة التنمية الحكومية الروسية لبناء مجمع بتروكيماويات ومصفاة نفط في شمال المغرب. وأعادت الحكومة الروسية تأكيد تعاونها النووي مع الرباط في أكتوبر 2022، مما مهد الطريق لمذكرة تفاهم جديدة مع شركة روس آتوم خلال القمة الروسية – الأفريقية الثانية.

ويشير ميشيل تانخوم، الباحث غير المقيم في برنامج الاقتصاد والطاقة التابع لمعهد الشرق الأوسط في واشنطن، إلى أن صخور الفوسفات المغربية تحتوي، وفقا للتقديرات الجيولوجية، على أكثر من ثلاثة أضعاف مخزون أستراليا من اليورانيوم البالغ 1.9 مليون طن، والتي سجّلت أكبر احتياطيات خام اليورانيوم في العالم. ويأتي الفوسفات في المرتبة الرابعة من ناحية المواد الأكثر تعدينا في العالم، وتُستخدم أكثر من 90 في المئة من المادة المستخرجة منه في تصنيع الأسمدة الاصطناعية.

ويعمل المكتب الشريف للفوسفات في المغرب منذ الثمانينات على تصنيع حمض الفوسفوريك، وهو منتج وسيط في صناعة الأسمدة الفوسفاتية التي يمكن استخلاص اليورانيوم منها. وأنتج في 2020 ما يقدّر بـ40.7 مليون طن من الفوسفات وصنع 7.1 مليون طن من حمض الفوسفوريك.

وبالتوازي مع التوجه نحو روسيا لاستثمار ما توفره العلاقة مع روس آتوم من حلول في مجال الطاقة وتحلية المياه، يمتلك المغرب فرصة أخرى لتطوير علاقة نووية إستراتيجية مع الولايات المتحدة.

ويعتمد استخدام مصادر الطاقة المتجددة، وخاصة الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، لحل مشكلات الغذاء والماء والطاقة الثلاثية في النهاية على ما توفره التقنيات من حلول قابلة للتنفيذ على نطاق واسع وضمن إطار زمني محدد لتلبية الاحتياجات الفورية.

وتوفر وحدات تحلية المياه المتنقلة التي تعمل بالطاقة النووية المعيارية حلولا أكثر قابلية للاستخدام، بالتزامن مع اشتداد الحاجة إلى حل مشكلة ندرة المياه والغذاء في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بسبب تغير المناخ.

وفي حين أدى تركيز المغرب على تحلية المياه المتنقلة إلى توقيع صفقة مع روس آتوم الروسية، يتسم توجه الرباط أيضا بالتقارب مع جهود واشنطن الحالية لتطوير القدرات الأميركية في تكنولوجيا الجيل الرابع للطاقة النووية، من خلال تصميم المفاعلات الدقيقة المتنقلة وإنتاجها. ويُطلق على برنامج الحكومة الأميركية لتطوير نموذج أولي لمفاعل صغير متنقل اسم “مشروع بيليه”، بقيادة مكتب القدرات الإستراتيجية التابع لوزارة الدفاع.

ومن المتوقع أن يخضع المفاعل المصغر المحمول والتابع للمكتب بقدرة 1 – 5 ميغاوات لعمليات الاختبار في 2024 داخل مختبر أيداهو. ويسعى هذا المفاعل إلى تعزيز مرونة الطاقة وتقليل انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون.

ولا يمكن عرض النموذج الأولي للمفاعل إلا داخل الولايات المتحدة، لكن وزارة الدفاع ستقرر كيفية انتقال التكنولوجيا واستخدامها التجاري في الصناعة الخاصة. ويرى تانخوم أنه مع تزايد التداعيات الأمنية لتغير المناخ، يجب على واشنطن إشراك الرباط في إيجاد حلول لمشكلة ندرة المياه.

ويضيف “مع وجود الخيار النووي بالفعل في محفظة المغرب للحلول التي يمكن أن تعالج ثلاثية الغذاء والماء والطاقة، يجب على البيت الأبيض النظر في كيفية إشراك الرباط لكونها من أصحاب المصلحة في نشر تكنولوجيا الولايات المتحدة للطاقة النووية المحمولة من الجيل الرابع”.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى