الله كريم الله كريم !

> في شهر أغسطس من العام 1880 وصل الشاعر الفرنسي آرثر رامبو إلى عدن، بحثا عن عمل وكان عمره حينها 26 سنة.


وقبل أيام، زرت مدينة "تشارفيل" في شمال شرق فرنسا الواقعة على ضفاف نهر "ميوز"، وهي مكان مولده في 1854 وأيضًا يوجد فيها مكتبة ومتحف جميل يحمل اسمه، كما لا يوجد شارع فيها الا وفيها ما يذكر المقيم والزائر أنها مسقط رأس رامبو، الذي لم تعرف فرنسا والعالم أهمية وقيمة شعره وكتاباته، إلا بعد سنوات عديدة من موته.


وقد وقفنا أمام قبره الذي كتب عليه بالفرنسية ما معناه "ادعوا الله لي"، فدعينا الله له ولعدن وأهلها الذين يعانون ويكابدون الكثير. عدن كانت لرامبو بداية الحياة العملية والنضوج والواقعية، بعد فترة من التمرد وعنفوان الشباب، وهي المكان الفاصل الذي تحول فيه، من شاعر موهوب وجديد ومختلف في الأسلوب، عميق في الرمزية، إلى كاتب وباحث وتاجر.

ورغم أنه عند وصوله عدن للمرة الأولى، كانت صدمته كبيرة بطبيعة الجو الحار وقساوة الطبيعة، إلا أن زياراته إلى جيبوتي وهرر والحبشة، جعلته لاحقا يتحمل صعوبة الحياة في عدن حينها، وهناك اسموه "رامبو الحبشي" حسب رواية "رامبو الحبشي" لكاتبها حجي جابر، والأجدر أن يكون اسمه "رامبو العدني"! وقد عمل في عدن مشرفا على العمال في تجارة البن واسموه حينها "عبده رامبو".

ونأمل أن لا يستنكر الناكرون المعاصرون لأفضال عدن عليهم واحتفائها بهم وإطلاق صفة "العدني" لرامبو، فعدن كانت وستبقى وطنًا وفاتحة قلوب أهلها للجميع، مهاجرين ونازحين وباحثين وطامحين عن الشيء واللاشيء، والحياة التي ليست سهلة، ولكنها الحياة والقضاء والقدر كما وصفها رامبو.

آرثر رامبو "القارب الهائم" و "فصل في الجحيم" شاعر الرمزية والتأويل، قضى عشر سنوات بين باريس ولندن، وعشر سنوات بين عدن والحبشة. وكان بيت رامبو الذي سكن فيه أمام المنارة في كريتر وأصبح المركز الثقافي الفرنسي لفترة من الزمن، ثم تدهور وأغلق كما تدهورت الأحوال في عدن كلها.

غادر عدن للمرة الأخيرة في عام 1891 مضطرًا بسبب المرض، بعد أن تكيف عليها، إلى مرسيليا وبعدها في 10 نوفمبر من نفس العام، وفي اللحظات الأخيرة من حياته كان يهذي ببعض الكلمات العربية، ومنها "الله كريم.. الله كريم" ما رسخ الاعتقاد بأنه صار مسلما ورفض القس حينها أن يعطيه "القربان المقدس".

في زيارتنا إلى "تشارلي فيل" أكدت لنا التقدير الكبير والاهتمام الثقافي المتزايد لإبداعات رامبو الأدبية، وليس بحياته أو سلوكياته الشخصية.

وفي طريق الذهاب والعودة والحوار مع عمدة المدينة والمسؤولين فيها، كانت "عدن وأحوالها" المحور الأساسي لتطلعاتنا وطموحنا والأمل الكبير وهي تردد معنا "الله مسامح وكريم".



> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى