يا كلنا قيادة يا عطلنا

> هذه العقليات التعيسة التي ابتلى الله بها شعب الجنوب، هي من جعلت رئيس الاحتلال اليمني للجنوب يقول: إن الجنوبيين إذا استلموا الجنوب سوف يتقاتلون من طاقة إلى طاقة، لأنه أجرى استبيان لكل من يأتون لمقابلته من الجنوبيين، ووجد هذه النزعة والسلوك لديهم. كما إن شعار لا قيادة بعد اليوم، الذي رفع في بعض الساحات أثناء الحراك السلمي، هو تعبير مكثف عن هذا السلوك، لقد أخبرني أحد الدكاترة، وكان مقربًا من سياسيين ومنهم فيصل عبداللطيف الشعبي، كيف كانوا يأتون إليه قادة الثورة ويطالبون بمناصب في الحكومة، ومواقع في السلطة، وكيف كان يقنعهم أنه اتفق مع الجزائر لتأهيل الكوادر، وبعد أن تعودوا من التأهيل ممكن تمسكوا مواقع، كل بحسب تخصصه، بمن فيهم قيادات عليا من الوزن الثقيل، وما أشبه الليلة بالبارحة، بل وانتهاج يا كلنا قيادة يا عطلنا.

إن الكثيرين لا يقيمون أنفسهم ولا حجمهم، ولا قدراتهم، ولا يدركون معنى القيادة، غير أنها بالنسبة لهم كثير من الامتيازات، لأن الخلل في آليات العمل، والتصرفات غير المسؤولة عند بعض القيادات، حيث جعلوا من القيادة مصدرًا للكسب والثراء الفاحش و الأبهة، وتحسين أوضاع المقربين، وتمكينهم من السلطة والثروة والسلوك الاستبدادي والغطرسة، وفي المقابل على الجميع أن يدرك أنه ليس جميعنا سنكون رؤساء، أو قادة ألوية، أوزعماء سياسيين، أوإعلاميين، فنحن شعب مثل شعوب الله، فينا المهندس، والطبيب، والأديب، والعامل، والفلاح، والمثقف، والطالب، وعامل النظافة، والحارس، والمعلم، والنجار، والصياد، ... وليس جميعنا سنكون قيادة أو من يجيد التحدث أو الكتابة، يصلح لأن يكون قائدًا، حتى لو بلغنا من التطور والعلم مبلغا عظيما، فأمريكا، والصين، وروسيا، وفرنسا، وبريطانيا، دول عظمى، وفيها من الديمقراطيات، لكن لها رئيس واحد، وبرلمان واحد، من عدد من البرلمانيين، وحكومة واحدة، من عدد من الوزراء، وليس كل الشعب رؤساء، أوكلهم برلمانيون، أوكلهم وزراء. فالعيب فينا متبادل، القائد إذا صعد للقيادة يعد نفسه ملك السلطة والثروة والناس العاديين، أو من يجيد بعض المصطلحات و القراءة والكتابة، ويجيد ربط ربطة العنق، يعتقد أنه يصلح أن يكون وزيرًا، أورئيسًا، أو نائبًا برلمانيًا.

لدينا جنون عظمة، ولدينا استهتار بالمسؤولية، ولدينا غطرسة وطيش، كلنا يعتقد أنه على علم ببواطن الأمور، وما خلف البحار، والأسرار المكنونة في السياسة، وأن ما في رؤوسنا جواهر ولول، وأننا الوحيدون المؤهلون للقيادة.

أقول كلنا -حتى من خلال النقاش مع البعض- نسمع كلامًا بسيطًا وعاديًا، يلوكه البعض في مجالس القات أوالجروبات، ويقدمها كنصائح معتقدا أن في رأسه منجمًا من الذهب، وأنه يتصدق على الحاضرين، أومن يريد أن يوصل لهم رسائله، فهو لا يعلم أن الآخرين يمتلكون ما هو أثمن مما يقول، وأن ما يقوله يعتبر كلامًا باليًا، وعفا عليه الزمن، قد تمت تجربته، وتم تقييمه، ولم يعد صالحًا حتى للتداول. أما الذي لا يشعر بأنه لا يمكن أن يصل للقيادة، لأن الكثيرين أفضل منه، فهو يقوم بشحن من هو أفضل منه، ويذكره بأن عليه أن يقاتل من أجل أن يكون في القيادة. علينا أن نغير من هذا السلوك، وإلا لا يمكن ان نستعيد وطنا، ولا نبنيه ولا نحميه، إذا استمر هذا السلوك المدمر، فإننا سنظل متقوقعين في أحضان الفقر والجهل والتخلف.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى