​تقرير أمريكي: هدنة اليمن.. الهدوء الذي يسبق العاصفة

> «الأيام» غرفة الأخبار:

> نشر معهد "هدسون إنستيتيوت" للدراسات السياسية والاستراتيجية بواشنطن، اليوم، تقريرًا تناول فيه المستجدات الجارية في الملف اليمني، منوهًا بأن مشهد التهدئة الذي يلوح في الأفق اليمني يخفي خلفه عاصفة قادمة.
وأكد التقرير إنه "في حين يبدو أن مسار الأحداث في اليمن يتجه نحو نهاية الصراع، إلا أن الواقع أكثر تعقيدًا بكثير".

وأضاف: "تحت رماد خفض التصعيد، تطفو على السطح توترات متصاعدة مختلفة بشكل متزايد. وكانت المفاوضات بين القيادتين السعودية والحوثية استبعدت الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، والمعروفة باسم مجلس القيادة الرئاسي، وينظر الحوثيون إلى تنازلات الرياض كدليل على انتصارهم العسكري، وقد كانوا مصرِّين على بسط سيطرتهم على جميع أنحاء اليمن، بالإضافة إلى ذلك، يتصاعد الصراع بالوكالة الخفي بين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في جنوب اليمن، مما يضيف عقدة أخرى إلى الصراع المعقد مسبقا، يبدو أن هذه العوامل المتلاقية تضع الأساس للعاصفة الكاملة.
  • صراع الموارد
يقول التقرير: "إن التحول الواضح في نهج المملكة العربية السعودية تجاه الصراع اليمني متجذر في الشعور بالحاجة الملحة، مدفوعًا بإدراك أن تدخلها الذي دام ثماني سنوات قد فشل، لم يتحقق أي من أهداف الرياض المعلنة المتمثل بإنهاء انقلاب الحوثيين وإعادة الحكومة اليمنية الشرعية إلى السلطة في صنعاء، بالإضافة إلى ذلك، أدار الحوثيون، الذين استفادوا من تشرذم أعدائهم، حملة عسكرية فعّالة بدعم من طهران تنامت إلى تهديد أكبر للأمن السعودي.

لسوء الحظ، تشير التطورات الأخيرة إلى أن حرص المملكة العربية السعودية على تبني نهج جديد قد زاد من جرأة الحوثيين، وافق السعوديون على طلب طهران بالإعلان عن استعادة العلاقات الدبلوماسية قبل أن توقف إيران دعمها للحوثيين، وفي فبراير 2023، قدم السعوديون بادرة حسن نية من خلال إلغاء آلية التفتيش البحري في البحر الأحمر، التي أنشأها التحالف في العام 2015 لمنع شحنات الأسلحة إلى الحوثيين، وبذلك رفعت القيود المفروضة على السفن القادمة إلى ميناء الحديدة الذي يسيطر عليه الحوثيون، وبحلول شهر مارس 2023، كان الميناء يستقبل السفن التجارية بانتظام.

وقد فسّر الحوثيون هذه التنازلات الأحادية الجانب على أنها علامة على أنهم انتصروا في الحرب، التي يعتبرونها بأنها تقدمهم، باعتبارهم الممثلين الشرعيين الوحيدين لليمنيين، ومما زاد الطين بلة تهميش الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، ومجلس القيادة الرئاسي، وإبقائه في الظل بينما تتواصل المفاوضات مع الحوثيين. وقد مكّن ذلك الحوثيين من تنفيذ المزيد من الممارسات التي تزيد من إضعاف موقف الحكومة اليمنية.

ويطالب الحوثيون بإعادة توزيع عائدات النفط على المستوى الوطني وعلى مستوى المحافظات على أساس موازنة العام 2014، والذي يعني أن 70 إلى 80 في المئة من جميع عائدات النفط تذهب إليهم.

إن السيطرة على عائدات النفط والغاز الوطنية ستوفر للحوثيين موارد مالية أكثر استدامة من المنحة التي ستقدمها الرياض لمرة واحدة. والأهم من ذلك، أنها ستعزز قوتهم التفاوضية على حساب شرعية الحكومة اليمنية. وهذا يغذي هدفهم العام، وهو الحصول على اعتراف دولي.

وبغرض إجبار السعوديين على الوفاء بالتزاماتهم، شن الحوثيون حربا اقتصادية مشينة ضد الحكومة اليمنية. وطوال شهري أكتوبر ونوفمبر 2022، نفذ المتمردون سلسلة من الهجمات التي استهدفت موانئ بحرية رئيسة في الجنوب الذي تسيطر عليه الحكومة لتركيع الحكومة اليمنية.

وقد أجبرت هذه الهجمات الحكومة على وقف صادرات النفط، التي كلفت الحكومة مليار دولار أمريكي، أي ما يعادل نحو 65 في المئة من إيراداتها في تلك الفترة.

وما زاد الطين بلة، بدأت السفن التجارية بإعادة توجيه مساراتها بعيدًا عن ميناء عدن البحري في الجنوب الذي تسيطر عليه الحكومة نحو ميناء الحديدة الذي يسيطر عليه الحوثيون، متجاوزة بذلك عملية التفتيش الحكومية.

حدث ذلك بعد أن حذرت حكومة الحوثيين الشركات من أنها لن تتمكن من العمل في الشمال، حيث يتواجد معظم عملائها، إذا اختارت أن ترسو بضائعها في مرفأ عدن بدلًا من الحديدة.

وقد حرمت هذه الخطوة الحكومة اليمنية من حوالي نصف الضرائب وعائدات الجمارك التي تجمعها بالعادة. وفي يونيو 2023، حظر الحوثيون أيضًا واردات غاز الطهي من منطقة مأرب التي تسيطر عليها الحكومة، من خلال استبدال الغاز المحلي بغاز طهي أكثر تكلفة يتم استيراده عبر ميناء الحديدة البحري، ما أدى إلى تآكل الإيرادات الحكومية بشكل أكبر.

وفي حين توقفت الغارات الجوية السعودية وهجمات الحوثيين العابرة للحدود، يواصل الحوثيون حشد قواتهم وتجنيد المقاتلين.
  • تآكل الشرعية وتغول الحوثي
ومضى التقرير بقوله: في ظل استمرار تآكل شرعية الحكومة، لا يزال الحوثيون ملتزمين بتعزيز تطلعاتهم.
وكان تركيز الجماعة منصبًا على بناء قدراتها العسكرية وتجنيد المقاتلين. وتشير التقديرات إلى أن الحوثيين تمكنوا من تجنيد 130 ألف مقاتل على مدار الحرب، معظمهم من أفقر شرائح المجتمع.

تمكن الحوثيون من الحفاظ على عملياتهم من خلال إنشاء مصادر تمويل مختلفة، وبحسب فريق خبراء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة المعني باليمن، "يواصل الحوثيون السيطرة على مصادر الإيرادات القانونية وغير القانونية، أي الجمارك والضرائب والزكاة والإيرادات غير الضريبية والرسوم غير المشروعة" لإثراء أنفسهم والحفاظ على أنشطتهم، كما يجمع الحوثيون الأموال من خلال "استخدام التهديد بالعنف والممارسات التنظيمية القسرية، ويشمل ذلك تحصيل الرسوم والجبايات غير القانونية من القطاعات الاقتصادية المدرة للدخل مثل النفط والاتصالات السلكية واللاسلكية"، عندما استولت الجماعة على صنعاء في العام 2014، سيطرت على الشركات المملوكة للدولة والمؤسسات شبه الحكومية التي تشكل مجتمعة 95 في المئة من إيرادات الدولة.

خلال السنة الأولى من الحرب، استولى الحوثيون على خمسة مليارات دولار أمريكي و500 مليار ريال يمني (بما يعادل ملياري دولار أمريكي في ذلك الوقت) من البنك المركزي اليمني، إضافة إلى جمع الودائع من البنوك المحلية.
وفي العام 2019 وحده، حوّل الحوثيون 1.8 مليار دولار كانت مخصصة للإيداع في خزائن الحكومة اليمنية لتغطية دفع الرواتب وتوفير الخدمات الأساسية للمواطنين.

في الوقت الحاضر، يسيطر الحوثيون على 70 ٪ من إجمالي عائدات الضرائب في اليمن، بما في ذلك الجمارك والرسوم. ما تزال صنعاء المركز الاقتصادي الرئيسي لليمن، حيث تضم 17 بنكًا من أصل 18 بنكًا تعمل في البلاد ومقرها في المدينة، وبالتالي فهي تحت سيطرة الحوثيين فعليًا، كما تتخذ شركات أخرى مختلفة من صنعاء مقرًا لها، بما في ذلك شركات الصرافة، وهيئة الطيران المدني، وشركات الاتصالات والإنترنت الرئيسة في اليمن.

وتشكل العقارات مصدرًا رئيسًا آخر لإيرادات الحوثيين، إذ صادرت الجماعة ولا تزال تستولي بالقوة على مساحات شاسعة من الأراضي في المناطق التي تسيطر عليها.
وفي العام 2017، أنشأ الحوثيون ما أسموه "لجنة تحديد ومصادرة الأصول المملوكة للخونة"، التي استولت على ممتلكات وأصول 1223 يمنيًا معارضًا للجماعة.

على مدى السنوات القليلة الماضية، عزز الحوثيون سيطرتهم على القطاع الخاص.
وثقت منظمة سام للحقوق والحريات، وهي منظمة يمنية لحقوق الإنسان مقرها جنيف، أكثر من 38 شركة كبيرة وجامعة ومستشفى صادرها الحارس القضائي في صنعاء وحدها بين العامين 2014 و 202١.

كما عدل الحوثيون قانون الضرائب والجمارك اليمني، وشكلوا سبع نقاط تفتيش جمركية جديدة على طول الحدود غير الرسمية بين الشمال الذي يسيطر عليه الحوثيون، والجنوب الذي تسيطر عليه الحكومة.  قاموا من خلالها بزيادة فرض الضرائب إلى أكثر من 30 ٪ على الواردات البرية إلى أراضيهم. كما أغلق الحوثيون أكثر من 520 مؤسسة تجارية ومالية لرفضها دفع هذه الرسوم.

كما يحول الحوثيون المساعدات الإنسانية الدولية لصالحهم. فمن خلال المجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية، الذي يديره أفراد يختارهم زعيم الحوثيين، تجبر الجماعة الأمم المتحدة والمنظمات الدولية على العمل من خلال المنظمات المحلية التابعة للحوثيين واستخدام خدمات مثل شركات تأجير السيارات والمقاولين الأمنيين التي يملكها قادة الحوثيين.

وتشير التقارير إلى أن الأمم المتحدة والمنظمات الدولية تدفع الرواتب بالدولار الأمريكي كشكل آخر من أشكال الدعم للمجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية مقابل الإذن بتنفيذ برامج المساعدات.
  • حروب معقدة بالوكالة
واختتم المعهد الأمريكي تقرير قائلا: بعد ما يقرب من عقد من الصراع الوحشي، يجد اليمنيون أنفسهم واقعين في شراك شبكة معقدة من الحروب بالوكالة والديناميات السياسية والعسكرية المعقدة بشكل متزايد، وقد استفاد الحوثيون من تشرذم أعدائهم، الذي تفاقم بسبب المصالح المتباينة. لقد استغلوا الهدنة السعودية لإعادة تجميع صفوفهم وتحشيد قواتهم وأوقفوا الهجمات العابرة للحدود كمناورة تكتيكية لإخراج السعوديين من المعادلة. غير أن الجماعة يبدو أنها تستعد لما يسميه زعيمها "المعركة من أجل المواجهة الطويلة".

الخطوة التالية للحوثيين هي "إنهاء معركة السيطرة على اليمن"، بحسب زعيمهم. إن الشرخ المتزايد بين قوى الحكومة الشرعية في جنوب اليمن يقرِّب الحوثيين من هدفهم!.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى